صدر مؤخرا عن منشورات الإختلاف ببيروت كتاب "في فلسفة التاريخ" من تأليف خاليد فؤاد طحطح، ويقدم خلاله دراسة حول الكيفية التي اتسع بها مفهوم التاريخ من تدوين للأحداث وسرد لتراجم الزعماء والرؤساء ليصبح منهجاً خاصاً ذا قواعد صارمة. ويرى المؤلف - وفقا لقراءة جهاد الترك بصحيفة "المستقبل" اللبنانية - أن الاهتمام بالأسباب والعوامل التي تؤدي الى ظهور انماط معينة في حركة التاريخ، واكتشاف القوانين المتحكمة بذلك يفيد في إمكان التوقع بمسيرة المستقبل البشري. والأرجح أن تصورات ظهرت، على هذه الخلفية من النظريات المشار اليها. من بين أشهرها القول بالتطور نحو المجتمع الحر كما هي الحال عند فريدريك هيجل، أو تحقيق مجتمع اللاطبقات وفقاً لكاري ماركس. أو تحقيق إرادة الله عند المفكر المسيحي القديس أوغسطينوس، أو الدورة الحضارية عند الفيلسوف العربي الكبير ابن خلدون، اضافة الى نظريات اخرى لا تقل اهمية وضعها اشبنغلر، توينبي، باتيستا فيكو وسواهم. نبت الماركسية مذهبها بعد أن ألبست هذا الجدل ثوباً مادياً صرفاً جاعلة من العامل الاقتصادي السبب الأول في تفسير التطور والتغيير لدى المجتمعات وأهملت باقي العوامل الأخرى، وانتشرت في أوروبا، في أعقاب الماركسية نظرية لا تقل أهمية، ترى ان التقدم هو الصفة الغالبة على سير الحضارة لا التدهور. وظهرت أفكار الفيلسوف الالماني اشبنجلر (1880 - 1936) في كتابه "اضمحلال الغرب"، يعبر فيها عن ان لكل حضارة دورة تبدأ بالنمو فالشباب فالشيخوخة التي يتبعها الفناء. والأغلب ان هذا المفكر الذي غلب عليه الطابع السوداوي يؤكد ان التاريخ ليس تقدماً للإنسانية على نحو دائم، أو تقدماً نحو سلام دائم كما توقع الفيلسوف كانط، أو حرية للروح كما زعم هيجل، أو نمواً لمجتمع بلا طبقات وفقاً لنظرية كارل ماركس. ويستنتج المؤلف بكتابه ان الأخطار التي تتهدد العالم لا تنبئ بأي حال من الأحوال بنهاية محتملة للتاريخ. كما ان الديموقراطية ليست النهاية المنطقية للتاريخ. فالولايات المتحدة نفسها، وهي أحد أكبر معاقل الديموقراطية الليبرالية في العالم، لا تشعر بالأمان. كما أن سقوط الاتحاد السوفياتي، مطلع التسعينات الماضية، لم يعن أبداً نهاية الأحداث وتوقف التاريخ. على النقيض من ذلك، فقد تسارعت الأحداث والنزاعات والتحديات، على نحو يدعو الى القلق. وقد لا تسفر التطورات المستجدة، وفقاً للمؤلف، عن تعزيز للعولمة أو ما يسمى النظام العالمي الجديد. وفي أي حال، يرى المؤلف ان التاريخ انتهى فلسفياً مرات عديدة، حتى قبل ان يبادر المفكر الأميركي من أصل ياباني، فرانسيس فوكوياما الى وضع نظريته عن نهاية التاريخ وفوز الرأسمالية في السباق نحو إعادة تشكيل العالم والأغلب ان الدعوة الى فكرة نهاية التاريخ لا تقل في انغلاقها وجبريتها عن الحتمية التاريخية التي جاءت بها المراكسية لإعادة تفسير الأحداث بالشكل الميكانيكي المعروف.