صدر عن دار العين للنشر ترجمة لكتاب "هوس العبقرية" بالتعاون مع مشروع كلمة للترجمة، الكتاب تأليف الكاتبة الأمريكية بابرا جولد سميث ومن ترجمة كل من د.فتح الله الشيخ ،ود.أحمد عبد الله السماحي. ويعرض الكتاب وفق ما ذكرت دار النشر فترة تاريخية حاسمة فى تاريخ العلوم الحديثة بأسلوب أدبى من خلال 20 فصلاً تناولت سيرة حياة مارى كورى مكتشفة الراديوم وعملها فى مجال النشاط الإشعاعى. ويتناول "هوس العبقرية" المجتمع العلمى الأوروبى فى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وما شهدته من اكتشاف الأشعة السينية والنشاط الإشعاعى وميكانيكا الكم والنظرية النسبية وفك طلاسم التركيب الذرى. ومن مقدمة الكتاب نقرأ: في العشرين من إبريل سنة 1995، وفي باريس في شارع سوفلو Soufflot امتداد بساط أبيض بطول الشارع لينتهي أمام البانيثون Pantheon "مقبرة العظماء" الذي كان مكسوًا بالألوان الثلاثة " ألوان العلم الفرنسي" من القبة وحتى الرصيف. وعلى أنغام المرسليزيه "النشيد القومي الفرنسي" كان الحرس الجمهوري يسير على هذا البساط الأبيض. وكانت الآلاف الموجودة على جانبي الشارع ساكنة على غير العادة، وكان البعض ينثر الزهور عند مرور الموكب الذي كان يتكون من: أعضاء هيئة التدريس بمعهد كوري في المقدمة يتبعهم طلاب المرحلة الثانوية من باريس، وكان الطلاب يرفعون لوحة طولها أربعة أقدام عليها الأحرف الإغريقية ألفا وبيتا وجاما بالألوان الزرقاء والبيضاء والحمراء. وعند اقتراب الموكب من البانثيون انتشر الطلاب وتطلعوا إلى المنطقة المقامة تحت القبة الكبرى والتي جلس إليها بعض الوجهاء وعلى رأسهم الرئيس فرنسوا ميتران. وعلى الرغم من أنه كان يعانى من مرض السرطان الذي اشتد عليه في الأسابيع الأخيرة من فترة رئاسته التي امتدت أربعة عشر عامًا، إلا أنه قرر أن يكرس خطابه الأخير على رمز المرأة الفرنسية في إشارة دراماتيكية حيث قرر أن يواري رماد مدام كوري وزوجها بيير في البانثيون، وبذلك جعل من ماري"ماريا سالومي سكلادوفسكا" كوري أول امرأة تدفن في البانثيون لما قدمته من إنجازات. وهكذا تم إخراج رماد آل كوري من مقابرهم بضاحية سيو Sceax ليدفنوا بجوار بعض الخالدين أمثال أونوري جبرائيل ريكونيه وچان چاك روسو وإميل زولا وفيكتور هوجو وفولتير وجين بايتيس بيرين وبل لانجفين. وكان لينح ?اليسا – رئيس جمهورية بولندا الموطن الأصلي لمدام كوري – يجلس بجوار ميتران. وكانت أسرتا العالمين ماري وبيير موجودين كذلك وهم ابنتيها إيف وأولاد ابنتيها المتوفية أيرين وزوجها فريدريك جوليو –كوري- هيلين لا نجفن – جوليو، وبيير جوليو وكلاهما من العلماء البارزين. كان أول المتحدثين في الحفل بيير – جيلس دي جين مدير المدرسة الصناعية للفيزياء والكيمياء بمنطقة باريس ( EPCI ). وهو المكان الذي اكتشفت فيه ماري وبيير ظاهرة النشاط الإشعاعي وعنصري البولونيوم والراديوم، حيث قال، "إن آل كوري يمثلون الذاكرة الجماعية للأمة الفرنسية وروعة التضحية بالنفس". ثم تحدث لينح فاليسا عن الأصل البولندي لمدام كوري ووصفها بالبطلة الوطنية لكل من بولندا وفرنسا. عندئذ نهض الرئيس ميتران وقال: "إن نقل رماد بيير وماري كوري لأكثر الأماكن قدسية بالنسبة لنا ليس مجرد عمل لذكرى، بل هو تأكيد على إيمان فرنسا بالعلم وبالبحث العلمي وعلى احترامنا للعلماء الذين نخلدهم هنا، وعلى تقديرنا لعزيمتهم ولحياتهم. واحتفالنا اليوم هو عمل متعمد من جانبنا للسيدة الأولى في تاريخنا المشرف. وهي رمز آخر يحوز انتباه أمتنا ومثال على نضال سيدة قررت أن تفرض قدراتها في مجتمع يحتفظ بقدراته واكتشافاته الذهبية والمسئولية العامة للرجال فقط". وبعد هذه الكلمات دوت عاصفة هائلة من التصفيق من الجموع التي ملأت الشوارع. كانت رغبة بيير كوري المتواضع أن يدفن في سيو لأنه كان يكره تمامًا الشهرة والاحتفالات، ومن المؤكد أنه كان سيكره ما حدث في ذلك اليوم. وسواء رغب آل كوري في ذلك أم لا، وبالأخص مدام كوري، فقد تم تخليدهما. وقد أصبحت مدام كوري اليوم مثلاً أعلى لكل الأعمار وإلهامًا للنساء اللاتي يرون فيها تحقيق أحلامهن وطموحاتهن. وفي كل الأحوال لاشك أن حياة مدام كانت ملهمة في الواقع، فقد كانت نادرة كوحيد القرن في مجال العلم. جاءت من أسرة بولندية فقيرة وعملت لثمان سنوات لتقتصد النقود لتدرس في السوربون. وتغلبت على صعاب تفوق الخيال. وفي سنة 1893 كانت ماري كوري أول سيده تحصل على درجة علمية ثانية في الرياضيات. وكانت أول سيدة تحصل على منصب أستاذ في السوربون وأول سيدة لا تحصل فقط على جائزة نوبل واحدة بل اثنين، الأولى في الفيزياء بمشاركة زوجها وهذي بيكيريل لاكتشافهم ظاهرة النشاط الإشعاعي، أما الثانية فجاءت بعد ثماني سنوات في الكيمياء "لفصلها لعنصري البولنيوم والراديوم".