صدر مؤخرا عن جامعة يال كتاب "القنبلة الذرية وأصل الحرب الباردة" لمؤلفيه كامبل كريج وسيرجي روشنكو، ويقع في 232 صفحة. يستنتج الكتاب أن القنبلة الذرية أنهت حربا كونية عندما رفعت اليابان رايات الاستسلام بعد أن قصفت الطائرات الأمريكية مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين بهذه القنابل، ولكنها فتحت بنفس الوقت مرحلة جديدة من تاريخ الإنسانية. ووفقا لصحيفة "البيان" الإماراتية بدأت منظومة الجديدة عُرفت فيما بعد ب"الحرب الباردة" التي ساد فيها سلام الرعب أي السلام تحت ظل قناعة ثابتة أن القوى النووية تستطيع تحقيق الدمار المتبادل. يدرس الكتاب العلاقة بين التفجيرات النووية الأولى وبدايات الحرب الباردة، وتوضح الأطروحة الرئيسية أن القنبلة الذرية لم تدفع الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق إلى التعاون الحقيقي وإنما إلى الدخول في منافسة بل وفي مواجهة ثنائية لا هوادة فيها. ويتم في هذا السياق تحميل وزر ذلك على كاهل جوزيف ستالين، الزعيم السوفييتي آنذاك، والذي ساد لديه الاعتقاد بل والقناعة، أن الولاياتالمتحدة سوف تلجأ إلى استخدام السلاح النووي ضد بلاده، كما فعلت ضد اليابان، وأنها تريد تدمير المنظومة الاشتراكية التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفييتي. ولذلك كان رد ستالين هو السعي الحثيث من أجل تزويد بلاده بالسلاح النووي أيضا ووضع حد للتفوق الأمريكي، والغربي عامة، في الميدان النووي. ويشرح الكتاب الموقف الأمريكي آنذاك وأن الرئيس هنري ترومان أراد في البداية التعاون فعليا في سبيل الوصول إلى نظام يجنّب العالم الحرب النووية. ولكنه لاحظ بعد ذلك أن متابعة ذلك التعاون، مقابل إصرار السوفييت على بناء ترسانة أسلحتهم الفتّاكة، إنما كان يعني "الانتحار السياسي". وزادت مثل تلك القناعة لدى الأميركيين عند اكتشاف عدد من الشبكات والجواسيس الذين كانوا يستهدفون الحصول على معلومات تتعلق بالسلاح النووي. وفي مثل ذلك السياق فهم الطرفان أن التنافس والإفراط في السباق إلى التسلح لا نهاية له، بالإضافة إلى الكلفة الباهظة المترتبة عليه. كما فهما أن أي تعاون ينبغي أن يكون كاملا وشاملا، ذلك أن الإجراءات الوسيطة لا تحمي أحدا. ويوضح المؤلفان أن بهذا المعنى قاد "منطق القنبلة" إلى منظومة الحرب الباردة التي انبثقت، كناتج فرعي من الحرب العالمية الثانية. وبعد الحرب العالمية الثانية مباشرة برز أيضا التنافس بين المفاهيم الغربية القائمة على سيادة اقتصاد عالمي ليبرالي وقانون دولي وديمقراطية وحقوق إنسان، أي ما شكّل رؤية إيديولوجية متعارضة إلى حد التناقض مع الرؤية السوفييتية الاشتراكية وما تستدعيه من عدالة اجتماعية وإعادة توزيع الثروات. وبدا أن القيادة الأميركية لوّحت في سياق تلك المواجهة أنها قد تستخدم تفوقها العسكري "النووي" من أجل فرض رؤيتها لفترة ما بعد الحرب على ستالين. لكن القائد السوفييتي كان يدرك أن بلاده كانت سوف تمتلك قريبا السلاح الذرّي وكان على علم بمسيرة الأبحاث الذريّة الأمريكية منذ عام 1932 بفضل جواسيسه فوق الأرض الأمريكية. ولم يتأخر ستالين في تبنّي برنامج للتطوير النووي في بلاده بعد رؤيته لأثرها الحاسم الذي تلعبه في مسار الحروب. كان الوزير الأمريكي على قناعة ثابتة أن السوفييت هم على وشك تصنيع السلاح النووي وأنه بدون التوصل إلى "قيادة ذرية دولية" تؤمن وتشرف على تبادل المعلومات حول الاستخدام التجاري والإنساني للطاقة الذريّة، فإن سباقا خطيرا للتسلح سوف يتم الشروع به مع السوفييت. وكان "اشيسون وليليانتال" قد أعدّا تقريرهما حول تلك "القيادة الذرية الدولية" المطلوبة. وكان من بين الإجراءات التي اقترحها التقرير أن تقوم الولاياتالمتحدة بالتمويل التدريجي للمعارف العلمية والمواد النووية وبعض القنابل التي تمتلكها إلى لجنة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، وبحيث يتم العمل بأنظمة صارمة للتفتيش لمنع الأمم الأخرى، أي الاتحاد السوفييتي، من صنع القنبلة سرا. لكن الأمور سارت بشكل مغاير، وامتلك الاتحاد السوفييتي قنبلته الذرية... وكانت الحرب الباردة.