طرحت الباحثة التركية رزين قورت أوغلو في كتابها "الأفق السياسي للفكر الإسلامي: دراسة في علاقة الدين بالفلسفة" الذي ترجمه وليد عبد الله القط وصدر عن مركز المحروسة للنشر والمعلومات تساؤلات عديدة. لم تكتف الباحثة بطرح تساؤلات حول علاقة الدين بالسياسة والفلسفة والصدام بين الدين والفلسفة، والوحي والسلطة والعقل، ومشكلات الفلسفة السياسية الإسلامية وماذا يعني من حيث الوضع الفلسفي تفسير التعاليم المقدسة بتفسيرين مختلفين ألا وهما اللاهوت والشرع، بل إنها وفق صحيفة "الدستور" الأردنية عارضت كثير من الآراء كرأي علي عبد الرازق في كتابه "الإسلام وأصول الحكم"، وناقشت كل من الغزالي والفارابي وابن تيمية وابن خلدون وابن باجه وابن رشد ورأت في آرائهم تأثيرا مباشرا على ما يحدث الآن. ترى رزين قورت أوغلو وهي باحثة حاصلة علي درجتي الدكتوراه في تاريخ الفلسفة أن البناء النظري الذي تبحث عنه التيارات المتشددة المعاصرة حتى تتمكن من إقامة أسباب وجودها هو بالفعل موجود في التعاليم السياسية الخاصة بابن تيمية، من أجل هذا يمكن التفكير في أن الحركات المتشددة المعاصرة والتي ترى آراء ابن تيمية المرشد الروحي لها قد تحركت من منطق "أنهم أرادوا أن يقولوا هذا "وليس من منطق "أن ابن تيمية قال هذا". وتشير الباحثة التركية: أن الغزالي احتل موقعا وسطا بين الماوردي وابن تيمية، فالماوردي يرغب في إقامة خلافة إسلامية علي الشكل الذي تطور عبر التاريخ ولهذا السبب يريد حماية الوجود السياسي للخلافة، أما ابن تيمية فلا يبدي أي اهتمام بالخلافة، وترى الباحثة أن الغزالي كان بمثابة المهندس المعماري في بعث ليس نموذج الدولة الدينية فحسب بل العلوم الدينية أيضا. تقول الباحثة: لقد كانت القرون الأربعة الأولى من العصر المسيحي الوسيط مسرحا للصدام بين الدين والدولة وليس بين الدين والفلسفة، فقد توسطت الفلسفة وساندت كل من كان يدافع عن المسيحية في دفاعهم عن دينهم، وعندما انتهى الصدام بين الدين والدولة تمكنت الفلسفة التي تحولت إلى جزء مكمل للتعاليم المسيحية ولعلماء اللاهوت أن تحمي وجودها في ظل حماية ودعم الكنيسة. وتكمن المشكلة في الإسلام في أن كلا من الدين والسياسة قد التقيا في مرحلة مبكرة للغاية تحت سقف السلطة السياسية وبحلول القرن التاسع الذي ظهرت فيه الفلسفة كان الإسلام بالفعل قد صنع وسائله الثقافية الفكرية الخاصة دون حاجة إليها في مرحلة لم يكن فيها وجود لأي نشاط فكري عقلي. إن الفلسفة في الإسلام قد التقت مع "دين" صنع بالفعل تعبيراته الثقافية والفكرية الخاصة في المجالات المختلفة مثل الحقوق وعلم اللاهوت.. إلخ ، وعبر عن نفسه في شكل سلطة سياسية، وهذا يعني أيضا أن الفلسفة لم تلق دينا أخذ شكل مؤسسة أخلاقية تجيب لهفة الناس من أجل التحرر الروحي، ومن الطبيعي في وضع كهذا ألا يحتاج الدين إلى الفلسفة علي الإطلاق، لهذا السبب كان الواجب أن تكون الفلسفة هي التي تدافع عن نفسها أمام الدين وليس العكس. وكشفت الباحثة التركية عن أن كل مواجهة حدثت بين الدين والفلسفة في المجال السياسي أدت إلى حدوث نوع من الجراح والكدمات في الجانبين.