القاهرة : صدر حديثا عن منظمة "ايسيسكو" كتاب "المسلمون والآخر.. حوار لا صدام" للدكتور علي القريشي. ينقسم الكتاب إلي خمسة فصول جاء الاول منها للتعريف بطبيعة الموقف الاسلامي من الآخر عبر المدركات العامة الثلاثة، وحدة النوع الانساني "ولقد كرمنا بني آدم"، المدرك الثاني، ظاهرة الاختلاف والتنوع "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"، والمدرك الثالث هو نسبية الحقيقة، وهو مدرك تحويل المدركات العامة الى فعالية آنية تتخذ من الحقائق كافق للمرونة في الفقه والتشريع لا الصلابة والانغلاق على النص، اي ان الحقائق لا تمتلك القطع الدلالي والورودي في المروي من السنة. ووفقا لجريدة "الصباح" العراقية يؤكد المؤلف أن ثوابت الاسلام تظل محدودة فيما تتسع مساحات الفراغ التشريعي والمسائل المسكوت عنها والتي يظل الحكم والافتاء في شانها امرا ظنيا لا يحمل صفة الجزم او الالزام المطلقين، ناهيك عن اتساع مجالات الشأن الدنيوي التي تدخل في دائرة المباحات والتي لا تقّوم الا بمحكات العقل او الخبرة او العلم التجريبي والتي تتسع بطبيعتها وطبيعة حقولها المتعددة الى اضاءات الفكر. وفرق البحث واعمال التدبر والتدبير والتي يصيب في امورها من يصيب ويخفق من يخفق، ولعل الباحث الدكتور علي القريشي، يختبر هذا التصور العميق حين يشرح قواعد التعامل مع الآخر وفقا للقانون الدولي (الاسلامي) اذ يضع جانباً من الفكر الاسلامي الآخر( الكتابي ) بين ثلاثة خيارات، اما ان يدفع الجزية او يعتنق الاسلام او يواجه بالقوة ، اما غير الكتابي فليس امامه غير اعتناق الاسلام او المواجهة ولا خيار ثالث امامه، ويرى الباحث بان هذا الوضع هو من صنع فقهاء الاحكام السلطانية الذي ادى الى تقسيم العالم الى (دار اسلام) و(دار حرب) او داري الايمان والكفر . ويؤكد الكاتب على ان هذه الثنائية من انتاج علماء القرن الرابع الهجري الذين نظّروا لحالة التأزم حين كانت تعيشها الدولة الاسلامية مع غيرها من الامم والدول المحيطة بها. الفصل الثاني من الكتاب يتناول ظاهرة العولمة وتجلياتها في المجال العربي الاسلامي من خلال المعنى الحقيقي للعولمة وهل هي ظاهرة تلقائية ام احدى حالات تضافر القوة ثم ينتهي الى ازدواجية الخطاب العولمي في سلوكيات المركز بالسيطرة على السوق المفتوح وحرية انتقال العمالة وحركة الاشخاص وتداول المعلومات والليبرالية والديمقراطية ونهاية الايديولوجيا، ولا غرابة كما يقول القريشي في هذه السيطرة المتحكمة فهي سليلة النزعة المركزية في الذهن والوجدان الغربيين والتي جسدتها من قبل الممارسات الاستعمارية، ويخلص الكاتب الى ان المأزق العولمي، يضعنا امام خيارين هما القبول بمخاطر العولمة والانخراط في عملياتها او الاستمرار في التهميش لدول الجنوب. يؤكد الكاتب على عدم التركيز على الصور النمطية لفهم الاخر الا انه في مناقشة بعض المآزق والازمات الناجمة عن الظواهر الحديثة مثل الحقبة الكولينالية والعولمة، اعتمد بعضا من هذه الصور النمطية في دلالات التباين الذاتية بين ذات متضخمة تصطنع الخصومة وأخرى متمركزة تزعم الاستعلاء. في الفصل الثالث نتعرف الى المعادلات والآفاق للحوار بين الحضارات، ويؤكد الباحث دقته الموضوعية بواسطة شروط الفهم الحضاري الموضوعي ومن بينها التعرف على حقيقة الآخر بالرجوع الى مصادره ومنابعه مع توخي الدقة في جمع المعلومات والاستيضاح منه وعنه مع ضرورة الوعي بانظمته المعرفية ومناهجه في التفكير والتحليل. وفي هذا السياق، ينطلق الكاتب في فهمه للآخر من ادراك الفاتيكان هذه الحقيقة حين اصدر كتابا في العام 1969 تحت عنوان دليل الحوار بين المسلمين والمسيحيين ، اكد فيه بانه( لاتفاهم دون فهم) كما يناقش الفصل الثالث من الكتاب شروط الفهم الاخرى في الاقلاع عن تجاهل الاخر والتخلي عن الصور النمطية وتعمد التشويه والكف عن التأويل المشتط وترك الآخر، يوضح نفسه بنفسه. ويصل المؤلف الى شوط مهم في نمو فصول الكتاب عند الفصل الرابع من خلال طرح مشروع العولمة البديلة وعولمة المسكوت عنه والمهمش من قضايا الجنوب والعالم اذ بات من الواضح كما يقول الباحث ، ان واقع القوة المختل بين عالمي الجنوب والشمال قد اتاح للعولمة الراهنة بدلالاتها المتعددة ان تكون التيار الجارف الذي اخذ يهز كل ما هو قائم من كيانات وصيغ وخصوصيات وذلك لم يعطل بالضرورة امكانيات المواجهة بل والتأسيس لعولمة آخرى، تتمثل باثارة ما هو مسكوت عنه او مهمش من قضايا وحقوق، تمس الجنوب والعالم. ويتناول المؤلف في هذا الفصل ابرز القضايا الخلافية مثل مشكلات الجوع والفقر والامراض واموال الشعوب المهربة ومعضلة الديون الخارجية والآثار والممتلكات الثقافية المنهوبة والالغام المزروعة وحقوق الضحايا الابرياء والتلوث البيئي ومسؤولية الملوثين الكبار. ويختتم المؤلف بحثه في الفصل الخامس (الاتصال الاسلامي الخارجي وحوار الحضارات) بان الاسلام بصفته رسالة مجالها العالم هو خطاب اتصالي رسالي ، تمارسه الجماعات والافراد والدول على مر العصور ويشير المؤلف الى قضية اكثر اهمية في ما يمكن تسميته بالموضعة الاتصالية وهي ان اهمية الاتصال على الصعيد الداخلي لاتقل اهميته عن الاتصال على الصعيد الخارجي. مفهوم الاتصال الخارجي الاسلامي كما يناقشه المؤلف بتوضيح وتعريف الاتصال كونه سلوكا فطريا وحاجة حيوية، تقتضيها ضرورات العيش والوجود فضلا عن كونه اسلوبا يمكن من خلاله ترجمة روحية التعاطف وابداء الرغبة بالتعاون مع الاخرين .والاتصال الاسلامي الخارجي في هذا المجال يعبر عن رسالة وضرورة، تنطوي على عدد من الوظائف اهمها الوظيفة الدعوية والانقاذية والتعاونية والحضارية.