صدر حديثا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب "العصبية والحكمة - قراءة في فلسفة التاريخ عند ابن خلدون" لمؤلفه سعيد الغانمي. ووفقا لجريدة "الوطن" السعودية يتناول المؤلف في كتابه معني "العصبية" من حيث هي جهاز دفاعي، وقوة ردع للقبيلة تصد بها احتمالات العدوان من القبائل أو العصائب الأخرى، ولكنها تنطوي أيضاً على وجه داخلي آخر يزيد من لحمة التماسك بين أفرادها. ولعل أبرز مظاهرها ما يسميه ابن خلدون بالتوحش، أي الاعتزال في البيد والقفار، حيث تكتفي الجماعة البدوية بالقوت الزهيد الذي يقيم أودها، وهكذا فالتوحش بطبيعته قوة تماسك تشد العصبية من الداخل بما يضمن عدم اعتداء بعضهم على بعض، وقوة ردع تقاوم به العصبية -كجماعة- أعداءها الخارجيين. وإذا أمكن للقرابة والدين والقيم الأخلاقية الأخرى أن تحد من خطورة التوحش داخل العصبة وفي إطارها، فإنه لا راد له ولا عاصم منه خارج إطار العصبة والقرابة، ولذلك ما إن تحتك العصبة أو الجماعة المتوحشة بجماعة أخرى غيرها حتى تصطدم بها اصطداماً مروعاً لا بد أن يفضي إلى القضاء على إحداهما. هذا الكتاب محاولة قراءة في فكر ابن خلدون، وعلاقة العصبية، التي هي محور نظريته، بالحكمة المستقاة من التأمل في معنى التاريخ وفلسفته، كيف يمكن للعصبية، التي هي جزء من الطبيعة، أن تكمل أو تبلور الحكمة التاريخية التي هي جزء من الثقافة؟ لقد استطاع ابن خلدون أن يستعمل جهازه الاصطلاحي البسيط الموروث من حقول متنوعة لتجنيده في اكتشافه المذهل عن علم العمران، وبهذه الأدوات البسيطة يبدو ابن خلدون معاصراً لنا أكثر بكثير مما نبدو معاصرين لأنفسنا.