كنت أتمنى ألا يقبل رجل فى حجم ومكانة وعقل المهندس خيرت الشاطر بالترشح لمنصب رئيس جمهورية مصر العربية، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه, فلأول مرة لم يكن الشاطر شاطراً إذ جاء دخوله المعترك فى أجواء ملوثة بغبار صفقات مشبوهة ومشوبة بأشباح مسرحية مبتذلة. فأما المسرحية، فهى ذلك الخلاف المفاجئ بين الجماعة والمجلس العسكرى إثر إصرارها الشديد على إقالة حكومة الدكتور الجنزورى ثم تهديد مجلس العسكر بحل مجلس الشعب، ثم تنديد الإخوان فجأة ولأول مرة بالمجلس العسكرى واتهامه "بتزوير"، هكذا فجأة، الانتخابات الرئاسية المقبلة، مما حدى بالعسكرى إلى التلويح بالعبر المستقاة من تجارب الماضى؛ وما أدراك ما الماضى، ذاك الذى عدى فيه العسكر على الأمة وعلى الإخوان خاصة منها، ليذيقهم أفظع مأساة إنسانية عرفتها مصر فى تاريخها الحديث. ثم تمادت الجماعة، فيما يبدو، فى أمرها لتعلن ترشيح الرجل القوى فيها فجأة، وفى تصعيد بدا كما لو كان غير مسبوق ليضع العسكر فى خانة العاجز والمتحير، وربما المتوثب وليلم أثواب الجماعة التى كادت أن تتمزق بين الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ابن الجماعة وأحد أبرز قيادات الجيل الثانى فيها والذى تدين له كل الكوادر والقواعد التالية بالحب والولاء، وبين حازم أبو إسماعيل ابن أحد أبرز أقطاب الجماعة أيضاً والقريب جداً من شريانها حتى عهد قريب. إذن تتعافى جماعة الإخوان، مما قد يصيبها وتجتمع كلمتها على الشاطر مهندس الجماعة ذى الشعبية الجارفة والقبول الداخلى الذى لا نزاع فيه وذى الكفاءات الإدارية والاقتصادية والمؤسسية الهائلة وهذه هى الصفقة. حقاً لو ترشح الشاطر فى ظروف وملابسات غير هذه لربما أقول ربما اخترته بالفعل رئيساً للبلاد ولكن أن يترشح كمخرج للمجلس العسكرى من أزمة "أبو إسماعيل"، وأن يكون ترشح الشاطر بعد تمثيلية هزلية ومسرحية سخيفة ومكشوفة عن خلاف بين الجماعة والمجلس لتمرير هذا الترشح فى أجواء ثورية وعدائية وأن يكون الشاطر هو الحل الأقل سوءًا للمجلس من أبى إسماعيل الأكثر خطراً على مصالحه، فهذا ما لا أرضاه للشاطر ولا للجماعة. وكان من الممكن أن نصدق فى غيبة من الوعى أن ما يجرى هو محض مواجهة بين الإخوان والعسكر إلا أن استحضار تاريخ الإخوان الطويل يدفعنا حقاً للتساؤل: ومتى كان الإخوان صداميين؟! إن المتأمل لجماعة الإخوان ليعلم أنها جماعة تصالحية بطبيعتها وبنيتها التكوينية والفكرية، فهى ليست انقلابية ولا جذرية بأى اعتبار من الاعتبارات فما الذى سيغير تلك الطبيعة اليوم؟! كما لم أكن أحب لجماعة الإخوان المصرية أن تستدعى للأذهان تاريخ التصالحات المشبوهة العريض عرض العالم الإسلامى من أفغانستان "ربانى" شرقاً، مروراً بالعراق "الهاشمى" فى الوسط، وانتهاء بالجزائر "نحناح" غرباً، وما يدريكم ألا يبطش بكم العسكر بعد أن يفقدكم كل تعاطف أو مصداقية من بقية فئات الشعب بل ويدفع قواعدكم للتململ؟! إن أشد ما يؤلم، أن يخطئ الإسلاميون وعلى رأسهم جماعة الإخوان ومن يتبعونها حذو القذة بالقذة. قراءة المشهد مرة أخرى قد تكلفهم الكثير، فالواضح اليوم أننا ندخل مرحلة انسياح الجماعات لصالح المجتمعات، بمعنى: عودة قواعد الإسلاميين لمحاضنها الاجتماعية الطبيعية مرة أخرى وتفاعلها مع قضاياها وذوبانها فى نسيجها إثر سقوط أنظمة القمع والطغيان التى كرست العزلة بينهما، بالتشويه تارة والبطش تارة أخرى فى ظل صمت مجتمعى تام، أما اليوم فلقد تحركت الشعوب وتململت المجتمعات وقدمت هى الضحايا هذه المرة، بينما الحركة الإسلامية هى جزء منها. يبدو أن حازم أبو إسماعيل مرفوض رفضاً مصيرياً مسبباً من المجلس العسكرى، أو بصورة أوضح من غرفة إدارة الأزمات فى الإدارة الأمريكية، فأبو إسماعيل هو ذلك الجواد الجامح الذى يبدو أنه لا يوقفه شىء إلا أحد ثلاثة: التزوير أو الإقصاء أو الوصول للسلطة، كما يبدو أيضاً أن الإدارة ليست مستعدة للمغامرة بالحلين الأولين، فالتزوير صعب جداً فى أجواء ما بعد ثورة يناير كما أن استخدام القوة هو كارثة قد تدفع بلداً كمصر تقبع على سقف العالم للانفجار، وهى إذا ما انفجرت فلابد أن تطال آثارها المدمرة قلب أمريكا فى تل أبيب. وإذاً لم يبق إلا الحل الثالث وهو وصوله للسلطة فى مصر، فهو الوحيد من بين جميع المحسوبين على التيار الإسلامى الذى استطاع أن يفك شفرة المجتمع المصرى ما بعد الثورة فهو رجل دعوة وشيخ علم من ذلك النوع الذى يستهوى شعب مصر المتدين، كما أنه قد تبنى قضية الشريعة بوضوح وقوة من حيث الأصل وعلى صعيد التطبيق، إذ يرد إليها القضايا الجزئية أيضاً والرجل لا ينتمى لأية جماعة ويمثل روح الثورة وغير قابل للتفاهم مع أذرع النظام التى لم تنقطع بعد. وإذا كان هذا الثالث هو المستحيل بعينه فكان لابد من باب وداونى بالتى كانت هى الداء من الدفع بشخصية إسلامية عتيدة وذات تاريخ عريق وكفاءات مميزة ليشق الصوت الإسلامى ويقلل فرصة وصول أبو إسماعيل إلى أدنى حد ممكن. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم