محيط: نظمت الجمعية الشرعية الرئيسية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية ندوتها الشهرية مؤخرا حول قضية "موت جذع المخ وزراعة الأعضاء في ميزان الشرع" أدارها الدكتور عبدالحليم عويس الأستاذ بجامعة الأزهر ورئيس تحرير مجلة "التبيان". في البداية أكد الدكتور محمد المختار المهدي الرئيس العام للجمعيات الشرعية وعضو مجمع البحوث الإسلامية، بحسب جريدة "المساء" المصرية، إن الجمعية الشرعية لا تتعصب لرأي معين ولكنها ترضي بالرأي والرأي الآخر، لذلك فإننا لسنا منزعجين من الخلاف القائم بين من يؤيد ومن يعارض لأن كلا منهما له وجهة نظره التي تعتمد علي القواعد التي يمكن تطبيقها علي الواقع فهناك من يقول إن الانسان حر التصرف في جسده وهناك من يقول إن جسد الانسان ليس ملكه. وهل الأعضاء يملكها الانسان ملكية انتفاع أم تصرف. أضاف الدكتور المهدي أن موت جذع المخ اختلف فيه العلماء والأطباء وهو أمر مشكوك فيه والشرع يقول اليقين مقدم علي الشك وحفاظا علي حق الحياة لهذا المريض يجعل هذا محرما فمظاهر الموت منصوص عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة والمشاهدة الحسية.. وهذا هو الموت الحقيقي. كذلك فإن نقل الأعضاء لا يخلو من ضرر يلحق بالمتبرع والشرع لا يبيح للإنسان أن يضر نفسه ويتضح ذلك من خلال قوله تعالي: "ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة" ثم إن المتبرع لابد أن يكون مالكا لما يتبرع به والإنسان لا يملك نفسه ولا أعضاءه وإذا قلنا إن الانسان يملك التصرف في المال وغيره في حدود الشرع وما أمر الله به إلا أن ذلك لا يعمم علي البيع وذلك لأن البيع مبني علي الملكية. وبذلك يجب علينا ألا نعمم "أخذ التصرف في المال" علي التصرف في الأعضاء ولذلك فإن الفقهاء الذين قالوا يجوز فتح المقبرة لأخذ ما مع المتوفي من مال أو غيره أو فتح بطن الأم المتوفاة لأخذ الجنين فنقول لهم إن المال ليس جزءا من الانسان أما التبرع فيكون بجزء من الانسان ولذلك فالاستدلال به لا يستساغ .. فالأعضاء ليست قطعة لحم كما يقول الغربيون ولكن القرآن جعل لها وظيفة أخري حيث ينسب للقلب الاطمئنان و القسوة وما إلي ذلك لقوله تعالي: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" فالقلب ليس قطعة لحم ليس لها قيمة و لكن له قيمة جلية "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" فهذه المضغة لها مهمة خاصة في حياة الانسان وتصرفاته وسلوكياته فهذا القلب منوط به مهمات لا نعلم أسرارها إلا ممن خلقها بدليل الآيات و الأحاديث التي ذكرناها. أضاف الدكتور المهدي إن الله عز وجل حينما خلق بالإنسان أجهزة مزدوجة فإنه لا يمكن أن يعيش صحيحا بأحدهما فقط. فمثلا "الكليتان" لا يمكن أن يعيش الانسان صحيحا بكلية واحدة لأن الله خلق كل شئ بحكمة وقدر لقوله سبحانه "إن كل شئ خلقناه بقدر" ولهذا أنا لا أوافق علي التبرع بأي عضو من أعضاء الجسم حتي ولو مقابل المال سواء للحي أو الميت لأن الانسان لا يملك في نفسه شيئا. المستجدات الحديثة يقول الدكتور رأفت عثمان الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الاسلامية إن مسألة نقل الأعضاء من شخص إلي شخص لم تكن تحظي بالمستجدات الحديثة في الفقه الاسلامي بل هي قضية مثارة منذ عقود مضت في كتب الفقه أضاف د.رأفت أن القضية المثارة الآن وهي قضية الأخذ من أعضاء الشخص الذي اعترته الحالة التي يطلقون عليها حالة "موت جذع المخ" إنما صارت مشكلة ومازالت لأن أطباء العالم ليس في مصر و حدها ولا في البلاد العربية مازالوا مختلفين حول هذه الحالة.. هل حالة ما تسمي بموت جذع المخ هي حالة وفاة حقيقية كالوفاة التي نعرفها ويعرفها آباؤنا وأجدادنا بل عرفها ابن آدم عليه السلام عندما قتل أخاه عرف أنه مات واحتار ماذا يفعل به حتي أرشده الله بواسطة الغراب إلي دفنه أم أنها ليست كذلك وإنما هي حالة مرضية يمكن أن يعود المريض إلي ما قبلها؟ فمازال أصحاب الاتجاهين من الأطباء مختلفين حول هذه القضية وتسببوا هم وغيرهم في إرباك فقهاء العصر هل يؤيدون هذا الفريق أو ذاك الفريق..ومن الغريب أن يقول البعض من الأطباء إن الفقهاء هم الذين تسببوا في هذه المشكلة لكن الوضع كما هو معروف ولهذا كان موقف الفقهاء المعاصرين لابد أن يبني علي قاعدة شرعية ومع أن بعض الفقهاء مال إلي الفريق الذي يري أن موت جذع المخ لا رجعة منه إلا أن القواعد الشرعية تأبي ذلك.. إن القضية كما انظر لها من الناحية الشرعية وهي علي هذه الصورة من الخلاف تحكمها قواعد شرعية ومنها اليقين لا يزول بالشك ومنها "سد الذرائع" فمن المعروف أن احتمال الخطأ في التشخيص وارد حتي علي فرصة التسليم بحالة ما تسمي موت جذع المخ. صور استثنائية يقول الدكتور اسماعيل الدفتار الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الاسلامية لقد كرم الله تعالي الانسان وفضله علي كثير ممن خلق تفضيلا وهذه الكرامة وهذا التفضيل في حال الحياة وحال الموت بدليل أن في حال الموت أمرنا بتغسيل الميت وتكفينه ثم دفنه بالطريقة الشرعية بأن ينام علي جنبه الأيمن ويستقبل القبلة فهناك أشياء لابد من الوفاء بها وهذا يدلنا علي كرامة الانسان عند الله عز وجل. ينافي هذا الاعتداء أو العدوان علي الجسد سواء في حالة الحياة أو في حالة الموت فهو محظور من الناحية الشرعية.. سواء كان العدوان من الغير أو من الانسان نفسه لأن الانسان لا يملك أن يعتدي علي عضو من أعضائه ومن باب أولي لا يملك الاعتداء علي حياته هو فيقول تعالي "ولا تقتلوا أنفسكم" والحديث الشريف يقول "ان من تحسي سما فقتل به نفسه فسمه في يده في نار جهنم يتحساه خالدا مخلدا فيها أبدا". يؤكد د.الدفتار أنه إذا كانت هذه قاعدة عامة فإن للقاعدة العامة صورا استثنائية من الممكن أن تأخذ بالحكم من أدلة أخري في حدود الأحكام الفقهية التي اجتهد فيها الأئمة السابقون وحكموها بمجموعة من الضوابط.