أثارت قضية الاستيلاء علي قرنية أحد المتوفين بالقصر العيني تساؤلات كثير من المواطنين عن الحلال والحرام في هذا الموضوع خاصة وأن تعليق نقيب الأطباء الدكتور حمدي السيد بأن القانون يعتبر كل من يدخل المستشفي دون تنبيه علي ادارتها بعدم المساس بجسده يعتبر موافقاً علي استئصال القرنية منه لوضعها في بنوك القرنية للإفادة بها في علاج إناس يحتاجون إليها في الوقت الذي لا تفيد فيه المتوفي من قريب وبعيد. يقول فضيلة الشيخ السعيد المنجي: أولاً بالنسبة للأعضاء لا يجوز فيها البيع شرعاً كما هو معلوم لدي الجمهور والتحايل عليه حرام أيضاً والتنازل ليس من سلطة الانسان لأنه لا يملك بدليل أن الذي يبتر أصبعه بيده سيعاقب لأنه مؤتمن علي هذا الجسد كما أن الذي ينتحر يعاقب أيضاً لأنه اعتدي علي هذه الأمانة ثم انه غير راض بقضاء الله والمريض الذي يدخل لعلة ما أحد المستشفيات فإن الجهاز الطبي يعتبر أميناً علي هذا المريض لأنه لا يعلم ماذا يفعل به. هل هو لصالحه أو لغير صالحه فإذا أخذ من بدنه شيء فهو خيانة لهذه الأمانة التي وضعت بين أيديهم وكون المريض يسلم نفسه إلي أهل الثقة في فن الطب فلا يكونوا جزارين لهذا الجسد المؤتمنين عليه. ويتساءل الشيخ : هذا إذا دخل الشخص للعلاج. ولم يقل لهم افعلوا أو لا تفعلوا هو داخل لمرض ما ينحصر عملهم فيما استؤمنوا عليه وهو المرض الذي تم تشخيصه وإذا حدث ووجدوا أمراً آخر لصالح الجسد فإنه يدخل في الأمانة أيضاً. ويضيف: ان من يمثلون بالجسد بحجة انه لم ينبه المستشفي فهذا أمر طبيعي لأي انسان يدخل المستشفي فليكونوا أمناء عليه وسلوكهم هذا من باب السرقة لأن حرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً. فضيلة الشيخ يوسف البدري يؤكد انه من المعلوم أن جسم الانسان لا يمس إلا بإذن لان الأصل هو البراءة الأصلية أي عدم العدوان علي جسم الانسان. كما أن الأصل في الدماء عدم العدوان عليها كما ان الأصل في زروع الآخرين وممتلكاتهم عدم العدوان. أما إذا كان هناك استثناء أو أمر ففي هذه الحالة يمكن التصرف بناء علي الوصية وإلا لذهبنا إلي القبور وأخذنا ما فيها مادام الميت لم يوص بعدم المساس بجسمه أو داهمنا البيوت واستولينا علي ما فيها مادام الساكن لم يوص بعدم استغنائه عن أي شيء.. هذا منطق معكوس. ويضيف انني أقول لنقيب الأطباء.. أنتم قبل إجراء العملية تجعلون المريض وأهله يوقعون علي إقرار بإجراء العملية علي مسئوليته ألا يعد هذا تناقضاً فكيف تبيح جسمه وهو لم يوص بشيء منه.. هذا علي اعتبار انه يجوز التبرع بشيء من جسم الانسان أو بيعه. ويقول: إن المسألة أخطر لأن العبث بأجساد الموتي أكبر جرماً منهم أحياء قال صلي الله عليه وسلم: "كسر عظام الميت ككسره حياً" وقال: "الانسان بنيان الله ملعون من هدمه" وما يسمونه تبرعاً في الفقه يسمي عقد تنازل أو عقد إسقاط أو عقد هبة فإن كان نظير مال سمي عقد معاوضة وهذا يشترط فيه الفقهاء أن يكون المبيع أو الهدية ملكاً للبائع أو المهدي ولكن جسم الانسان ليس ملكاً لصاحبه وإنما ملك لله ولا يجوز لصاحبه أن يتصرف فيه أو يلقي به في المهالك ولو انتحر فإنه يخلد في نار جهنم لقول رب العزة في الحديث القدسي: "ابتدرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة" والمنتحر يخلد في النار بما انتحر به. فما بالنا من تصرف في غيره وليس في نفسه قال صلي الله عليه وسلم: "ملعون من اغتبن محرراً فأكل ثمنه أي صيره ملكاً له كأنه عبد ثم تصرف فيه بيعاً وشراء ومن هنا فإن عقد الهبة والمعاوضة بالثمن في مثل هذه الأمور باطلان لأن المهدي والبائع لا يملكان شعرة من جسميهما وبالتالي فمن اعتدي علي الجثة وأخذ منها شيئاً فهو أشد لعنة فإذا كان لا يملك جسمه فهل يملك جسم الآخرين ثم إن هذا العمل سينشر الفساد والعدوان وسوف يتعجل الطبيب موت المريض وهو ما ينادي به البعض بأن موت جذع المخ موت للانسان حتي ولو القلب ينبض وهو عكس ما في الشرع لأن الموت له طبيعة معينة شرعاً. الدكتور شريف عزت أستاذ المخ والأعصاب وعميد طب الأزهر السابق يقول: إنه منطق معكوس فالمساس يجسد الانسان لا يجوز إلا بعد موافقته وهو في كل قواه العقلية والموافقة لابد أن تكون كتابية وواضحة. أما ما يقال إنه من لا يحذر من المساس بجسده فهو موافق ضمنياً أو دليل موافقة فهو ما لم نره أو تقره أية قوانين في العالم بل يمتضمن تحايلاً علي الناس وكأننا نضع لهم الفخاخ لأن أي انسان يدخل المستشفي لا يظن أبداً انه دخل ليموت لذلك لا يأتي علي ذهنه أي تفكير في الموت كما اننا في بلد لا يعرف فيها القانون إلا المحامون أما بقية الناس فيعرفون المباديء العامة وليس من العقل أن نحكم علي الناس بمعرفة مثل هذا القانون ليتجنبوا الوقوع في آثار مبادئه وبعد فهل يستمر مثل هذا القانون الأشبه بالفخ أو المصيدة التي يقع فيها من لا معرفة لهم بمثل هذه الحيل وهل يكتب كل واحد من المواطنين في جيبه ممنوع المساس بأعضائي أو قرنيتي وهل مثل هذا المنهج للحصول علي القرنية يعطي الأمان لمن يعرف ويحذر من انه في مأمن من السطو علي قرنيته أم انه يخيف الناس من انه قد تمزق الورقة أو الوصية إذا كان الأمر فخاخاً خداعية فقط.