إن التحرك الشعبي الكبير الذي، طالما عودنا عليه شعب ليبيا العظيم ومن بنغازي خاصة، دائمًا ما يبهر العالم ويؤكد لكل المراقبين أن ثورة ليبيا هي ثورة شعبية مائة في المائة، وأنه لا سلطان فوق سلطان الشارع الليبي، وأن ناس ليبيا الذين كسروا جدار الخوف وحطموا حصون أكبر طاغية في العصر الحديث لن يتراجعوا أبدًا ولن يخافوا من أي فرد أو جماعة تريد أن تتحكم فيهم وتفرض رؤاها دون الطريق الذي رسمته الثورة كتوجه لبناء دولة ليبيا الديمقراطية التي يكون فيها الليبيون والليبيات سواسية أمام القانون، وبالتالي فلا مناصّ من أن تحرك الشعب ضد مظاهر أثبتت الأيام أنها تعمل خارج إطار الإدارة الليبية التي انتخبها الشعب وأرادها أن تكون هي قيادته خلال الفترة الانتقالية الحالية. نعم كان تحرك بنغازي يوم الجمعة 21 سبتمبر 2012، الذى كان لي شرف المشاركة فيه، حيث رأيت صدق الأحاسيس والتفاف الناس، وخاصة الشباب وهم يهتفون ليبيا يدًا بيد ما يفرقنا أحد، وأحيانًا أخرى يهتفون ببنغازي وبليبيا، ويعبرون بوضوح عن استنكارهم لكل مظاهر التسلح غير الشرعي وعندما يقولون ذلك، فهم يتحدثون عن التشكيلات والكتائب التي مازالت تحمل السلاح، ولم تنضم إلى الجيش أو الأمن العام. وبطبيعة الحال كان البيان في نهاية المظاهرة بإعطاء هذه التشكيلات إنذارًا ومدة زمنية خلال أسبوع حتى يسوون فيها وضعهم، ولكن نعلم جميعا أن العقل الجمعي خاصة عند الشباب خاصة الذين بطبيعة حماسهم رأوا أن ينفذوا فورًا، وتحولوا إلى مقر هذه الكتائب، وحدثت المصادمات التي أدت إلى سقوط بعض الشباب، رحمهم الله، وعدد آخر من الجرحي، وبعدها ظهرت علينا الإدارة الانتقالية الليبية ببيانات متعددة وتصريحات أستخلص منها وأنبه بعد قراءت الموقف قراءة متأنية وثاقبة علي ما يلي: أولاً: ليعلم أمراء الكتائب التي حمتها رئاسة الأركان في بياناتها أنه رغم هذه الحماية إلا أن وضعهم لن يكون مقبولاً إذا لم يكن انضمامهم كاملاً للجيش ولا يقومون إلا بالدور المعروف الذي يقوم به أي جيش في أي مكان في العالم، وحتي مشاركتهم في الأمن لظروف طارئة يجب أن تكون في حدود تقديم الإسناد والعون لقوات الأمن العام. ثانيًا: أن تنتهي إلى الأبد أي عمليات بالقبض والتحقيق مع المواطنين من قبل هذه الفئات؛ لأن الجيش ليس دوره هذا العمل، وإذا تم القيام بذلك بعد هذا الغطاء الذي منح لهم من قبل الجيش فإن رئاسة الأركان ستدخل في إطار المساءلة عن أي تجاوز يقوم به فرد أو مجموعة تابعة لها. ثالثًا: أن يعملوا فورًا على مستوى الأفراد في الانخراط بالجيش، ويتدربون في مدارس المشاة والأسلحة الأخرى، وأن يتم إعادة توزيعهم على أي كتائب أو مواقع أخرى فهم جيش ليبيا وليسوا جيش فلان أو علاّن. رابعًا: أمراء هذه الكتائب عليهم أن يعوا جيدًا أن دورهم الآن بناء ليبيا وليس استمرارهم في هذه الكتائب، فمن منهم عسكري فلينخرط في الجيش ويطيع الأوامر بتكليفه في أى موقع، ومن هو مدني فليترك الموقع العسكري ويدخل ضمن كوادر الجيش المدنية او يعمل في قطاعات الدولة المدنية المختلفة. خامسًا: لا يقبل الشعب الحلول التلفيقية ولا نقبل أبدًا التستر على أيٍّ من كان، حتي وإن كان من أهم الأفراد أو القيادات التي ساهمت في نجاح الثورة، فكثير من الطغاة عندما ظهروا لنا كانوا ثوريين تهمهم مصلحة ليبيا، ثم تحولوا مع الزمن واستمرار تواجدهم فى مواقع السلطة والسلاح إلى طغاة ظالمين، ولعل القذافي والعديد من ضباطه وجنوده أقرب مَثلٍ على ذلك، فلنعد بالذاكرة إلى ما يسمى ب"البيان الأول للثورة" فى 1 سبتمبر من عام 1969، ثم ما حدث بعد ذلك. وأنا أعلم علم اليقين أن الثورة ما زالت تواجه بعض المحاولات التي تسعى إلى زعزعة النظام وإثارة الفتنة وخلق نوع من الفوضى كشكل من أشكال الانتقام من قبل أعوان الطاغية في الخارج والمتعاطفين معهم في الداخل، ولكن علينا أن نفهم جيدًا أن هذا لن يكون مبررًا في انتهاك كرامة الإنسان واستخدام أساليب غير إنسانية في التعامل مع الناس في المدن والقرى. وتجدر الإشارة هنا إلى أننا تأخرنا كثيرًا في لملمة الجروح الاجتماعية الناتجة عن الثورة والنازحين من مدنهم وقراهم إلى مناطق أخرى والعمل بجدية على رأب التصدعات في البناء الاجتماعي الليبي، وهذا لا يتم أبدًا إلا بالعمل الجاد والسريع على أخذ الحق والقصاص العادل القانوني من مرتكبي هذه الجرائم، وأن المجني عليهم هم وحدهم الذين يسامحون ويملكون إقرار مبدأ التصالح، وألا نتحدث عن المصالحة بعيدًا عنهم كما يحدث الآن في الاجتماعات والمؤتمرات واللقاءات. ومن الأهمية بمكان أن يعلم الجميع في المؤتمر الوطني العام والحكومة الانتقالية والجيش والأمن والثوار المقاتلون أن الثوار الحقيقيين الذين يملكون الشرعية هم الذين رأيتموهم في بنغازى يوم 21 سبتمبر 2012، وهم الذين شاهدتموهم في درنة وطبرق، وستشاهدونهم في طرابلس وسبها ومرزق والزاوية، وفي كل مدن وقرى ليبيا. وهؤلاء هم شباب ليبيا الثائرة، وأقول لهم: لا تغترون إذا كانت لديكم شلة مسلحة، فلن يكونوا أقوى من كتائب القذافي، أفيقوا إلى رشدكم، وتذكروا كيف كنتم وبمن استقويتم، ومن ساعدكم ودعمكم ربنا يهديكم وإلا فإنه ستدور الدوائر ويخرج المارد الذي كان يمدكم بالعون والقوة ليطيح بكم لأنه لا يقيل الضيم والتجاوز والتكبر والغطرسة، وعن حقه فى حياة كريمة شريفة فوق أرضه وتحت سمائها. I_ [email protected]