فيما يعد حدثاً جديراً بالتوقف فى مجتمع العمل المصرى .. تم اليوم توقيع اتفاقية جماعية بين إدارة شركة السكرى لمناجم الذهب، والنقابة المستقلة للعاملين بالشركة (عضو مؤتمر عمال مصر الديمقراطى) حيث توافق الطرفان على تسوية منازعة العمل القائمة بينهما وإنهاء الإضراب والعودة إلى العمل فى منجم السكرى، وعدول إدارة الشركة عن قراراتها السابقة بفصل أربعة وثلاثين عاملاً من عملهم، وحصول العمال على بدل إقامة وانتقالات بنسبة 60% من الأجر التأمينى للعاملين اعتباراً من أول مايو 2012. وكانت شركة السكرى لمناجم الذهب- المملوكة لكل من الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية والشركة الفرعونية للمناجم الاسترالية -مناصفة- قد شهدت منازعة عمل ممتدة منذ شهور طويلة بشأن حقوق العاملين فيها المقررة لهم وفقاً لأحكام قانون العاملين بالمناجم والمحاجر رقم 27 لسنة 1981 .. حيث ظل بعض هذه الحقوق معلقة زمناً طويلاً ، وعلى الأخص مطلب العمال المتعلق بحقهم فى اقتضاء بدل الإقامة والانتقالات- وفقا لأحكام المادة العاشرة من هذا القانون ، وقرار رئيس مجلس الوزارء رقم 200 لسنة 1983 فيما قرره من تحديد قيمة البدل المستحق للعاملين فى البحر الأحمر وسيناء بنسبة 60% من الأجر. ورغم أن إدارة شركة السكرى لمناجم الذهب كانت قد وعدت فى تسوية سابقة ببحث وتلبية مطالب العمال.. غير أنها تراخت عن الوفاء بوعدها على زعم التثبت من مشروعية هذه الحقوق وسندها القانونى.. مما أدى إلى تجدد المنازعة اعتباراً من شهر مايو.. حيث بذلت النقابة المستقلة لعمال السكرى قصارى جهدها استدعاءً للمفاوضة مع الإدارة، ولم تلجأ إلى استخدام أشكال الحركة الاحتجاجية- كالاعتصام والإضراب- إلا بعد استنفاذ كافة الوسائل الأخرى. وقد تعثرت المفاوضات والتسوية الودية مع إدارة الشركة التى كانت قد نزلت على أحكام القانون المتعلقة بأجر العمل الإضافى (المادة 15، 16 من قانون العاملين بالمناجم والمحاجر) غير أنها ظلت مستنكفة عن تطبيق هذه الأحكام فيما يتعلق ببدل الإقامة.. لتتصاعد الأحداث مع لجوء العمال إلى الإضراب، واتخاذ الشركة قرارات متعسفة فى حق العمال بفصل ستة وعشرين عاملاً فصلاً تعسفياً فى مخالفة صارخة للقانون.. وانتهاك فظ للحريات النقابية التى تكفلها مواثيق العمل الدولية حيث شملت قرارات الفصل رئيس نقابة العاملين بمنجم السكرى وأربعة آخرين من أعضاء مجلسها التنفيذى. وإزاء ذلك.. قام وزير القوى العاملة والهجرة بالتدخل، ونظمت الوزارة جلسة للمفاوضة الجماعية بمقرها يوم الخميس الماضى الموافق 26/7 غير أن المفاوضة فى ذلك اليوم قد صادفت كثيراً من التعثر.. حيث امتنعت إدارة الشركة عن مناقشة قرارات الفصل مما أدى إلى تأجيل أعمال التفاوض إلى جلسة الاثنين الموافق 30/7 . ورغم أن أحداث الخميس 26/7 قد بدت غير منبئة بخير .. حيث عاجلت الإدارة العمال- فى نفس اليوم الذى شهد تعثر المفاوضات- باتخاذ قرارات جديدة بفصل ثمانية آخرين من العمال ليصل عدد المفصولين إلى أربعة وثلاثين عاملاً، ويستمر العمال فى إضرابهم عن العمل لحين عودة زملائهم والاستجابة إلى مطالبهم المشروعة. وعلى خلفية الإضراب المستمر فى منجم السكرى للذهب، وإصرار العمال ونقابتهم المستقلة.. تم استئناف المفاوضات التى بذل وزير القوى العاملة والهجرة جهداً محموداً فى تيسيرها- على الأخص- فيما يتعلق بأزمة فصل العمال الأربعة والثلاثين التى تم نزع فتيلها بالعدول عن قرار الفصل وتشكيل لجنة تحقيق تضم فى عضويتها كل من ممثلى الوزارة والهيئة والشركة والنقابة المستقلة والنقابة العامة للمناجم والمحاجر وتباشر أعمالها فى مديرية القوى العاملة بالبحر الأحمر لتنتهى منها خلال خمسة عشر يوماً يوقف العمال الخمسة عشر عن العمل خلالها مع تقاضيهم أجراً كاملاً. وبناءً على ذلك انتهت جلسة المفاوضات اليوم الاثنين إلى إبرام اتفاقية جماعية تضمنت ما تم التوصل إليه بشأن العدول عن قرار الفصل واستئناف العمل وحصول العمال على بدل الإقامة بواقع 60% من الأجر التأمينى (ما يعادل حوالى خمسمائة وأربعين جنيهاً شهرياً) وذلك اعتباراً من أول مايو 2012. إن انتهاء المفاوضة الجماعية فى شركة السكرى لمناجم الذهب إلى إبرام اتفاقية جماعية يعد حدثاً هاماً جديراً بالتوقف ليس فقط لما تمثله آلية الاتفاقيات الجماعية من أهمية كبيرة فى تنظيم علاقات العمل- ظلت معطلة زمناً طويلاً- حيث اقتصر إبرامها- فيما عدا استثناءات قليلة- على المستوى العام أو القطاعى دون الشركات ومواقع العمل رغم تواتر منازعات العمل فيها.. وإنما أيضاً لأنها الاتفاقية الجماعية الأولى التى تنجح فى إبرامها نقابة مستقلة لم تزل تخطو أولى خطواتها فى العمل النقابى. إن دار الخدمات النقابية والعمالية ومؤتمر عمال مصر الديمقراطى إذ يرحبان بهذه الاتفاقية الجماعية التى نجحت فى إبرامها نقابة العاملين بمنجم السكرى العضو بمؤتمر عمال مصر الديمقراطى، ويعربان عن تأييدهما وتضامنهما معها ومع عمال السكرى المكافحين.. يهمهما التأكيد مجدداً على الأهمية الحاسمة لتطوير وتفعيل آليات المفاوضة الجماعية والاتفاقيات الجماعية لتنظيم علاقات وأوضاع العمل واستعادتها توازنها وعدالتها. دون تنظيم الجدل الاجتماعى، والمفاوضة المجتمعية لا يمكن لمجتمعنا أن يستعيد توازنه.. ودون النقابات المستقلة الديمقراطية الممثلة الفاعلة القادرة على الحوار والضغط، على الإضراب والمفاوضة.. دون تعزيز قدرتها وفاعليتها وتطوير أدائها وأدواتها لا يمكن تفعيل آليات المفاوضة. فقط.. عندما تمهد مائدة المفاوضات وتتسع لممثلى العمال الحقيقيين، تتراجع الحاجة إلى الإضرابات والاحتجاجات، فقط.. عندما يتراجع الشعور بالظلم وانعدام المساواة.. عندما تصبح الحياة ممكنة فى ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية أكثر عدلاً.. عندما يكون العمل عدداً ملائماً من الساعات كافياً للحصول على أجر يكفى لتأمين الحاجات الأساسية، عندما لا يكون تعليم الأبناء ورعايتهم صحياً وتوفير مسكن آدمى لهم أملاً مفقوداً وهماً يقض المضاجع.. عندما تصبح العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية مفردات محددة وبرامج عمل واضحة..عندها فقط يستعيد مجتمعنا توازنه واستقراره وأمنه المبتغين. تحية لعمال منجم السكرى وكل المناضلين والمثابرين الذين يشقون الطريق الجديد للنقابات العمالية الديمقراطية المستقلة.