كبيرة هي سفينة الحياة تبحر بنا في عالم يميزه الأنانية والطمع والجشع، فإما أن تسمو بنا ونرتقي بها وترسوا على شاطئ يملؤه الأمل للجميع أو ترسوا بنا على شاطئ المصلحة والواسطة فتنحدر بنا إلى الظلام وتمحوا قيم ومعاني سامية يحتاجها الكثير منا. إحساسي بهذا المعاني دفعني لزيارة الشاب محمود عماد الصعيدي 26 عاماً من سكان مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة ،الذي لم تقف الإعاقة عائقاً أمامه ليبقي وجهه مشعاً بالأمل الذي حتما بمشيئة الله تعالى سيبزغ قريباً لتعلو البسمة والضحكة في منزله الذي فقدها منذ سنة بعد أن تعرض لحادث أصبح بعده مشلول بشكل سفلي.
محمود أخ لسبعة أخوة من الذكور، كان كعادته يساعد أمه في تنظيف المنزل وأثناء تنظيفه لحديقة المنزل سقط ووقع على ظهره ليتبين بعد عدة فحوصات أجروها. في مستشفي الشفاء بمدينة غزة بوجود كسور في فقرات العمود الفقري وجرح في النخاع الشوكي والعصب، مما أصابه بشلل سفلي وعدم التحكم في عملية الإخراج.
العائلة التي تعانى من سوء الأوضاع والتي ازدادت سوءا ً وألما ً بعد إصابته لم تدع لليأس والإحباط طريقاً لقلبها ، فعملت على تشجيعه وبث روح الحياة في جسده من جديد ،الذي يزداد وجعا يوماً بعد اليوم، ليخضع لعملية جراحية في مستشفي الشفاء بمدينة غزة بتبديل الفقرات المكسورة في العمود الفقري بما يسمي البلاتين،لتبدأ رحلة جديدة من الانتظار ثم الانتظار للحظة تفرج فيها الروح للأمل المشرق القادم من بعيد.
وطال الانتظار ليعودوا من جديد للفحوصات التي أثقلت كاهل العائلة ليكتشفوا أن البلاتين الذي وضع له في مستشفي الشفاء بمدينة غزة شكل ضاغط على النخاع الشوكي مما أثر على تباطئي عملية النمو، لتقارع العائلة بذلك الأمل بشبح الانتظار.
وبعد انتظار دام طويلا أصبحت فيه الدقيقة ساعات وساعات بدأت ومضات الانفراج تلوح في الأفق فمحمود نجح في تحريك قدميه لسنتيمترات محدودة، العائلة لم تصدق ما رأته عيناها وكأن قلوبها طارت من الفرح فعادت من جديد للتواصل مع الأطباء ولكن هذه المرة بقلوب مفرحة مفعمة بالأمل فراسلوا مستشفي هامبورج بألمانيا وأرسلوا تقارير الحالة ليصل الرد بأن المستشفي قادرة على معالجة مثل هذه الحالة ، وأن تكلفة العملية 15 ألف يوروا غير الأدوية والتحاليل ، وهنا كانت الفاجعة بعدم قدرة الأسرة والأقارب على تحمل مصاريف العلاج ، فتوجهوا إلى وزارة الصحة في غزة ورام الله من أجل الحصول على التغطية المالية كاملة لعلاج محمود الذي لم ترد عليهم حتى الآن فكان حال لسان هذه الوزارات التي وجدت من أجل خدمة المواطن يقول إيد من طين وايد من عجين، فلا تحزن يا محمود وابقي كما شاهدتك أول مرة مشعاً بالأمل واعلم أن كل شخص يسمعك له قلب ينبض وعين ترى وأذن صاغيه سيسعى جاهداً بأن تحصل على حقك الطبيعي في العلاج لتشرق شمس الأمل من جديد.