التطور المذهل الذى يحدث فى العالم ، ليس كل عام ، بل كل لحظة ، وملاحقة الدول لهذا التطور ومحاولة ان تحجز تلك الدول مكانأ فى التقنية الحديثة ، والفائقة ، فى جميع المجالات ، يجعلنا حقيقة ، نتحسر على وضعنا العقيم المتخلف علمياً فى كافة القطاعات ، ونجد انفسنا حقيقة ، بعيداً لمسافات كبيرة عن دولاً كثيرة كنا نفتخر عليها ، سبقتنا جمعيا الدول ، واصبحنا نسعى للحصول على بعضاً مما تمتلك من تلك التقنيات .،فتأخرت مصر عن بقية دول العالم ، بل تفوقت عليها دولاً اكثر فقراً ، واقل موارداً !! تفوقت علينا فى مجال الاتصالات والبحث العلمى والتجارة وزيادة الصادرات، والمنافسة على التواجد دولياً ، مثل كينيا ، وتنزانيا والسودان - والارقام تؤكد ذلك - وذلك بسبب اننا اعتمدنا على الاقوال المأثورة : مصر ام الدنيا ، بلد الفارعنة ، وبلد الاهرامات وابوالهول ...الخ ، " هذا صحيحاً " ، لكن لم نلتفت ان هذا ليس كافياً ، للتطور والتقدم ، بل نحتاج لبداية قوية ودافعة للاقتصاد والتكنولوجيا والاهتمام بالعلم ، ونخطط للمستقبل اكثر من ان نعيش فقط على ماضينا ، وان نجعل ماضينا اساساً للتقدم . مصر تمتلك موارد بشرية وطبيعية ضخمة ، لو احسن استغلالها ،وتطبيق نظام للادارة الكفىء ،سوف تنتقل وبمعدلات سريعة الى مرحلة جديدة ،فى وجود الديمقراطية التى تأسس بعد الثورة ، بينما اسلوب العنترية لا يحقق سوف التخلف والثبات فى ظل عالم يتغير كل ثانية . فذكرت بعض التقارير العلمية التى ادهشتنى انه فى خلال فترة لا تتجاوز 30 عاماً ، سوف تكون وسيلة المواصلات عبارة عن السيارة الطيارة بدلا من السيارة الحالية ، وتستطيع تلك السيارة التحرك من القاهرة للاسكندرية فى زمن قدرة حوالى 15 دقيقة وسوف ينظر الناس فى هذا التصور الى من يمتلك السيارة العادية بعد 30 سنة ، باستغراب وتعجب ، مثل نظرتنا للرجل الذى يركب الحمار الان ، وان هناك ابحاث علمية فى طريقها للقضاء على مشاكل تناقص المحاصيل الغذائية وايضاً ندرة اللحوم ، ومشاكل استخدام المبيدات والتلوث ، واستخدامات المياة ، والزراعة فى الاراضى الملحية دون صعوبة ، وتقنية الصناعات للاجهزة والاتصالات التى تجعل الاماكن اكثر قرباً وتفاعلاً وغيرها باستخدام الابحاث العلمية التى تسير فى هذا الاتجاه. اذن اننا امام اما ان نكون مع السيارة الطيارة ، او بالقرب منها ، او اننا نتحمل نظرة الاخرين لنا !! والحقيقة ان اسباب التخلف العلمى فى مصر معروفة ، واهمها ، تخلف المناهج الدراسية من الابتدائى حتى الجامعة ، بل اننا فى الجامعات المصرية ، مازال غالبية اعضاء التدريس يقومون بتدريس مناهج وابحاث الستينيات ، وعدم توافر المعامل والاجهزه البحثية الازمة ، وضعف الادارة ، وقلة الباحثيين المدربين ،ان انتاج البحوث العلمية التطبيقية يحتاج لادوات ، وباحث وبيئة مناسبة ، وكلها غير متوفرة حتى الان فى مصر ، فالتكنولوجيا والتقنية العالية فى الدول الغربية ،هى صناعة ، مثل اى صناعة !!، وان الاستثمار فى تلك الصناعة عائده من اكبر العوائد للمشروعات الاستثمارية ، ايضا قناعة ادارة الدولة باهمية البحث العلمى واهمية فى الحياة ودورة فى توفير حياة كريمة وتريفية لشعوبها امرا هاما للغاية . معرفة الواقع بدقة هو بداية حل جميع المشاكل ، وبدون الشفافية لن تتقدم مصر ، والعجيب ان مصر من اكثر الدول انتاجاً لرسائل الماجستير والدكتوراة ، فمثلا لو تم حصر رسائل الدكتوراة فى الالبان والصناعات القائمة عليها سوف نجدها اكثر من الموجودة فى هولندا التى نستورد منها تلك المنتجات !! وذلك لانها كلها رسائل علمية بغرض الحصول على الدرجة دون ايجاد ما يمكن تطبيقيه فيها او عدم القدرة على توصيل نتائج الباحثيين الى السادة المسؤلين القائمين على التطبيق ، فالرسائل العلمية لا تقيم بعدد اوراقها وضخامتها " وهذا متبع فى كثير من الكليات فى مصر " ، بل فيما تقدمه تلك الرسالة فى خدمة المجتمع وتطبيقه ،والسؤال الذى استغرب منه ، اذا كان القائمين على ادارة مصر اكاديميين ، فلماذا لا يهتمون بالبحث العلمى وتدريب الباحثيين على الاساليب الحديثة لانتاج ابحاث علمية تطبيقية ، ولماذا يتم دائما الاستعانة بالاشخاص من داخل جهاز الحكومة لتولى المناصب الجديدة التى تخطط فى مصر ؟ فيجب الاخذ فى الاعتبار الكفاءة سواء هذا فى الجهاز الحكومى او من لا يعمل فيه . ايضاً ، لماذا يكون اكبر تجمع بحثى على مستوى الشرق الاوسط ، وهو مركز البحوث الزراعية تابعاً لوزارة الزراعة ؟ ارى يجب نقل تبعيته لوزارة البحث العلمى لتزداد كفاءته والاهتمام به ، وتطويرة بدلا من تحويله الى موظفين فى المكاتب ، وانتشار الفساد فى جميع قطاعاته بالشكل الذى اصبح لا يقبل اطلاقاً ،وارى ايضاً ان يكون نظام التدريس فى الجامعات بالتعاقد وليس التعيين ، لمدة سنة او ثلاث سنوات ، ويكون الاختيار وفقاً لاعلانات عن احتياجات الجامعات لاعضاء التدريس ، وبالتالى يتم الاختيار وفقاً لعوامل الكفاءة والشخصيات المتميزة ، وتجعل جميع المحاضرين يسعون لتطوير انفسهم وانتاج ابحاث ودراسات جديدة ، ليتم اختيارهم من جديد ، بل ليس سراً ان هناك الكثيرين من اعضاء التدريس يعانون من الامراض النفسية وعدم القدرة على التواصل مع الدارسين ، وتم تعيينهم على مبدأ الحصول على اعلى تقدير القائم على التحصيل والحفظ وليس الكفاءة والذكاء ومعايير اخرى يجب ان تتوافر بجانب القدرة العلمية ، للتاثير الخطير على الشباب فى الجامعات وتأهيلهم وتوعيتهم ، ليكون لدينا شباب متعلم مثقف قادم على الحياة بتفائل وعلم بدلا من التعقيد وكراهية الاخرين . نريد نظرة جديدة بطريقة عصرية وفقاً للنظام المتبع فى الدول المتقدمة لنستطيع ان نساير التقدم المذهل فى العالم ، وان ندرك اننا لسنا فى جزيرة منعزلة نعيس بطريقتها ، بل الطريقة سوف تفرض على الجميع فى العالم ، ولن يمتلك تلك الاساليب الا الدول التى تمتلك حقوق الملكية الفكرية للابحاث والاختراعات . الاهتمام بالتعليم والبحث العلمى بجان بتطبيق القانون على الجميع وكفاءة الادارة ،اساليب لابد من توافرها اذا اردنا التقدم ومواكبة ما يحدث فى العالم ، والا سوف ينظر لنا للاسف نظرة الذى يركب الحمار فى زمن السيارة الطيارة . ان اى دولة لا يمكن ان تتقدم فى زمن العلم والتطور المزهل والسريع والتقنية الحديثة الا بالاهتمام بالبحث العلمى وادواته ،وادوات البحث العلمى هى الباحث والمنهج والمعمل ،فاذا كانت الدولة لا تحترم الباحث او الحاصل على شهادة علمية وتضعه فى مكانه الطبيعى لكى تستفيد منه الدولة فأين يجد مكانأ ؟ ومعظم هولاء الباحثين والحاصلين على شهادات علمية لم يكلفوا دولة اى مبالغ اثناء دراستهم فغالبيتهم حصلوا على تلك الشهادات من اموالهم وعلى نفقتهم الخاصة ، فى سبيل الحصول على الشهادة وحبهم فى العلم ،فتشجيع الدولة لهولاء بتعيينهم يعطى الفرصة للشباب الصاعد بعد التخرج للحصول على درجات علمية والتخصص الدقيق فى مجال عمله ،وانا اعتقد ان عدم الاهتمام بهولاء ليس مجرد تجاهل او غير مقصود بل متعمد ،لان المسؤلين فى الوزارات الحاليين لديهم عقم معرفى ويصابون بالعداوة المجتمعية لكل ناجح او لكل عالم ،وتلك صفة الفاسدين ومن يبحثون عن بيئة فاسدة لا يوجد فيها عقول اومفكرين ،لانهم سوف يتضررون من تواجد هولاء . انه عجيب امر المسؤلين فى مصر،والذين مازالوا اما ينتهجون نفس اسلوب الادارة السابق،واما لديهم عقدة فكرية بان حملة الشهادات العليا لابد من اضطهادهم وعدم اعطاء الفرصة لهم فى الوظيفة او المشاركة فى بناء مصر بعد الثورة ،ويفضلون باقى الشهادات الدبلومات والبكالوريوس،فمن المفارقات العجيبة والتى لا يصدقها شخص باننا بعد الثورة ان تقوم بعض الوزارات بتعيين المؤقتين اصحاب الشهادات العادية وتترك حملة الشهادات العليا " الماجستير والدكتوراة " ،وكانت تلك السياسية ممنهجة سابقا للقضاء على اى عقلية او باحث او طالب علم يمكن ان يكون عقلية تخدم المجتمع المصرى فى مجاله، وكان المبرر عدم وجود درجات مالية او موازنة لهذا الشأن،والامر لم يكن كذلك وانما كان يتم التعيين مخصصا لاشخاص وفقا لاعلانات لافراد معينة فى بيئة الفساد والرشوة والمحسوبية !! وبعد رئاسة الجنزورى للحكومة وعد بتعيين نصف مليون مؤقت ،فكان الاولى والافيد والذى يتناسب مع الواقع ويتفق مع العقل ان يتم ذلك وفقا لاعلى شهادة علمية ثم التدريج ،لا ان يتم التجاهل كلية لهولاء فى سياسية قديمة ومفهومة ان هولاء المسؤلين لا فائدة منهم ويتعاملون بنفس المنطق والفكر لما قبل الثورة ولم يحدث تغيير مطلقا ،وقد ظهرت نوايا هولاء فى محاربة العلم والتطوير والبحث العلمى بالقضاء على الشباب الذى يقضى حياته فى البحث العلمى والدراسة ويحصل على شهادة علمية ،وبذلك يقضى على الراغبين فى التعلم بعد الجامعة وهذا له تأثير خطير على التطوير وانتقال مصر من دولة كانت لا تهتم بالتعليم والبحث العلمى الى نفس الاسلوب بعد الثورة . الحاصلين على الشهادات العليا فى عدة جهات فى الدولة وخاصة المؤقتين يجب تثبيتهم فورا لان هولاء نخبة وسوف يستفيد منهم المجتمع علاوة على ان هذا حقهم فى الحياة الكريمة ورعاية لاسرهم تعويضا على قضاء سنوات عمرهم فى التعليم وحرمانهم واسرهم فى سنوات مقابل الانتظار للفرصة فى وقت لاحق ،فلا تكافؤ هولاء بالاضطهاد العلنى والواضح لان هذا يخلق عداوة مجتمعية بين الاجيال ،ويسبب الاحباط لاجيال تعلمت فى مجالات عديدة ويمكن الاستفادة منها فى تطوير مصر فى الاقتصاد والزراعة والعلوم والتعليم وغيرها . حملة الشهادات العليا سبق وتم هجرة الالاف منهم الى عدة دول عندما احبطوا من المسؤلين الصم الذين لم يسمعوا اصواتهم ،وسبق لاخرين الاعتصام لفترة طويلة وايضا لمن يسمع لهولاء احدا ، لدينا الان الالاف اخرى من حملة الشهادات العليا " الماجستير والدكتوراة " نطالب رئيس الوزراء ومسؤلى الدولة فى جميع الوزارت الى تثبيت هولاء ووضعهم فى اماكنهم الطبيعية وعدم التعنت معهم واضطهادهم ، وليس من الضرورى ان لا يكون لهولاء المسؤلين قراراً ولو لمرة واحدة الا بعد التظاهر او الاعتصام ،والحقيقة ان مسؤلين الدولة اعتادوا على ذلك الاسلوب فلم يتخذوا قررارت مسبقة وانما نتيجة لحدث ،كأنهم يعيشون فى جزر وهذا فعلا حقيقة ،فهم لا يخرجون من مكاتبهم ولا يتفاعلون مع الشعب ، فمتى يخرج هولاء من صوامعهم ؟ [email protected]