أن الشعب المصري نال الكثير من الأذى داخليًّا وخارجيًّا؛ بسبب غفلة الأنظمة الحاكمة عن رعاياها، وهو ما لا يقبله المصريون بعد اليوم، واكتسب القائمون على الخارجية المصرية بعضًا من الهيبة المصرية التي افتقدتها الدولة المصرية في العقود الأخيرة، والفترة المقبلة ستشهد ازدهارًا مصريًّا في جميع مجالات الدولة وفي مقدمتها النواحي الخارجية. إن السياسة الخارجية المصرية قبل الثورة بالجسد بدون روح، وأصبحت الروح بعد الثورة تعود شيئًا فشيئًا ولكنها لم تعد كاملة حتى الآن. أن خارجية مصر قبل ثورة يناير كانت تنم عن سياسة المخلوع ورأيه ولا تمت بصلة بالشعب المصري ولا حتى مفكريه السياسيين الشرفاء، أن خارجية مبارك جعلت مكانة مصر في المؤخرة بين جميع دول العالم. أن أسوأ ما فعلته الخارجية المصرية قبل الثورة هو المشاركة في حصار غزة مع الصهاينة، ووقوفهم المخزي من العدوان عليها، لذلك كان أول مطلب شعبي لإصلاح الخارجية وعودة دور مصر القيادي في المنطقة وفي العالم فتح معبر رفح أمام الفلسطينيين دون قيد أو شرط، وهو ما فعله نبيل العربي وزير الخارجية السابق. أن العلاقة مع الولاياتالمتحدة تقوم على الندية والتعامل بالمثل، وكان هذا الموقف جليًّا عندما رفضت الحكومة المصرية بناءً على رغبة الشعب المعونة الأمريكية المشروطة في ظلِّ الأزمة الاقتصادية التي تمرُّ بها مصر الآن. إن السياسة الخارجية لمصر استعادت بعض دورها، والمصريون في داخل مصر وخارجها ينتظرون عودة دور مصر الإقليمي والدولي مرة أخرى؛ حتى يشعر المصري بالفخر تجاه مصريته خارجيًّا قبل أن يكون داخليًّا. أن سياسة مصر الخارجية تجاه إفريقيا قبل الثورة كانت تتسم بالتعالي على الدول الإفريقية، ومعاملتها كدول من الدرجة الثالثة على الرغم من أن لمصر مصالح كبرى داخل القارة السمراء أبرزها نهر النيل الذي يعد شريان الحياة بالنسبة للمصريين. أن الدول الإفريقية خاصة دول حوض النيل تحتوي على الكثير من الخيرات وأرضها خصبة للتنمية الاقتصادية والاستثمار، أن النظام البائد قضى على الريادة المصرية والدور القيادي لها؛ ما جعل الدول الإفريقية تضطر إلى التعاون مع الصهاينة والغرب، وإقامة مشاريع على نهر النيل خاصة في إثيوبيا وتجاهل مصر تمامًا. أن الملف الإفريقي حظي بقسط كبير من الاهتمام بعد الثورة المصرية التي أبهرت العالم كله؛ حيث استطاعت مصر إعادة وصل الأوتار الإفريقية المقطوعة، وذلك بعد تعالٍ وتجاهل وإهمال دام عقودًا، فجاء الموقف المصري على المستويين الشعبي والرسمي لتؤكد مصر الثورة أنها تريد إزاحة ستار الماضي بينها وبين جميع دول القارة. عام الثورة شهِد نجاح الخارجية المصرية في عودة العلاقات مع إثيوبيا أحد الأضلاع القوية في دول حوض النيل، وإزالة حالة الشك والريبة في العلاقات معها، والتي توجت بزيارة رئيس الوزراء الإثيوبي إلى القاهرة، وتحاول مصر من جهة أخرى إيجاد صيغة توافقية على البند المختلف عليه بالاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل. أن الخارجية المصرية نجحت في إعادة أنشطة دول الحوض الشرقي "مصر والسودان وإثيوبيا" والتي توقفت قبل الثورة بسبب الخلافات لتتحرك مرة أخرى، وتتحاور الدول الإفريقية الثلاث حول تقييم سد الألفية الذي بدأت إثيوبيا في بنائه مؤخرًا. أن المطالب الشعبية هي التي تحرك القادة السياسيين، وأن فساد سياسة مصر الخارجية قبل الثورة كانت بسبب عدم إلحاح الشعب المصري خاصة العاملين بالخارج لاسترداد كرامتهم المسلوبة بفعل النظام السابق. أن مطالب الثوار كانت العيش الكريم للمصريين في الداخل والخارج، والتعامل الآدمي من قبل السلطات الحاكمة في الداخل، والضغط الشعبي لعودة الكرامة المفتقدة خارجيًّا، لذلك كان الرفض المصري القاطع من قبل السلطات الحاكمة للمعونة الأمريكية المشروطة بعد الثورة بسبب الضغط الشعبي الجارف. أن الشعوب العربية جميعها وفي مقدمتها الشعب المصري تتعامل مع الصهاينة على أنهم العدو الأول في المنطقة، وأنه لا يمكن أن يحدث معهم سلام والعيش معًا في أمان، أن آخر الدراسات التي أجريت في الولاياتالمتحدة تؤكد أن 54% من الشعب المصري يرفض بشدة معاهدة السلام المبرمة بين الجانب المصري والصهيوني مند عام 1979م. أن الصهاينة هم الأكثر تضررًا من الثورة المصرية؛ لأن الشعب المصري لن يرضى بعد اليوم بانتهاك الصهاينة لحرمة الأرض والدماء المصرية مهما كان الثمن، أن العدوان الأخير على الجنود المصريين على الحدود أعقبه غضب شعبي جارف نال كل أرجاء الدولة المصرية؛ ما جعل الكيان يعتذر رسميًّا دون إبطاء عن مقتل الجنود والوعد بعدم تكراراها، رغم أن تركيا لم تنجح حتى الآن في الحصول على اعتذار رسمي من الصهاينة جراء اقتحام السفينة التركية "مرمرة" العام قبل الماضي بعد استشهاد العديد من الأتراك. أنه بسبب الضغط الشعبي بعد ثورة يناير لعودة الكرامة المصرية مجددًا، كان لزامًا على المجلس العسكري والحكومة المصرية إعادة النظر مجددًا لترتيب أوراقها مع تل أبيب، سواء على مسار قضية تصدير الغاز أو الملف الفلسطيني أو فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني بشكل عام. أن الشعب المصري بعد انتهاك الصهاينة للحدود المصرية طالب وبقوة بإلغاء كامب ديفيد، وأخذ الثأر المصري، ومحاربة الصهاينة، وهو ما يؤكد بقوة المصريين لن يقبلوا بعد اليوم بانتهاك حقوقهم من قبل أي دولة مهما كانت، وأن الكرامة المصرية هي الهدف الأسمى للمصريين. إن تتغير السياسة التي اتبعتها مصر إزاء إسرائيل خلال السنوات الخمس الأخيرة أبرزها التنسيق حول الوضع في غزة واتفاقية الكويز وبيع الغاز المصري لإسرائيل. في الجنوب سنواجه التعامل مع السودان المقسم وتداعياته وكذلك التعامل مع أزمة دول حوض النيل اتصالا بمصالح مصر الحيوية في مياه النيل وفي هذا السياق نتوقع إن تعالج مصر هذه القضية في إطار إفريقي أوسع حيث الاهتمام بالقارة الإفريقية ككل لما تمثله من عهد استراتيجي لمصر ونعي الاهتمامات التنموية لشعوب هذه القارة أما علي الحدود الغربية فينبغي أن نواجه احتمالات الوضع المتفجر في ليبيا وانعكاساته علي أوضاع المصريين هناك إلي جانب متابعة انعكاسات الانتفاضات الشعبية في اليمن والبحرين والجزائر والعراق وهو ما ينبئ ببيئة إقليمية تحتاج إلي التكيف معها. في ضوء دقة موقف مصر في علاقتها مع ليبيا خاصة من زاوية حجم العمالة المصرية فيها ينبغي إن نتبع سياسة متوازنة ومن المفيد أن نحتفظ بعلاقات مع الإطراف والقوي الموجودة الآن علي الساحة الليبية باختلافها وأن نقيم جسور اتصال معها وليس هناك ما يمنع إن تكون لنا اتصالات مع الثوار الليبيين للتعرف علي أفكارهم ورؤاهم ونظرتهم لمستقبل ليبيا وأهم ما ينبغي أن تؤكد عليه السياسة المصرية هو معارضة أي تقسيم لأراضي ليبيا والمحافظة علي وحدتها الإقليمية. نحن إزاء ثورة قامت علي أساس تطبيق الديمقراطية وهي تعني في أصولها التعددية الحزبية والسماح باختلاف الرؤى والأفكار وعدم الحجر علي أي تيارات سياسية. وهذا يعني إن التيارات الدينية سيكون لها مكان في ظل هذا النظام الديمقراطي الجديد ولكن التحفظ الوحيد هو أن تثبت هذه التيارات الدينية أنها تعمل وفقا للقانون والدستور وهما المعيار والمحك اللذان سيقاس بهما سلوك هذه القوي في مستقبل الحياة السياسية المصرية. أن تكون مصر في مقدمة الدول التي ستعترف بدولة جنوب السودان الجديدة ووضع تصور لإستراتيجية شاملة للتعامل مع ملف مياه النيل، وهى سياسة مختلفة عن سياسة المواجهة التي كانت متبعة قبل الثورة. الشواهد بعد 25 يناير خاصة بعد ما تحقق من وحدة الجيش والشعب والإدارة الحكيمة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة لهذه المرحلة الانتقالية الدقيقة لم تسعد فلول النظام القديم وقوي الثورة المضادة ومن ثم تسعي لمحاولة إفساد هذه العلاقة، ولذا ينبغي أن تكون قوي الثورة الحية وفي مقدمتها الشباب علي وعي كامل بهذا المخطط وأن يكونوا علي يقظة كاملة كي لا يسمحوا لعناصر الثورة المضادة بأن تفسد بوجه خاص العلاقة المشرقة التي نسجت في قلب الثورة بين الجيش والشعب المصري. أهم ما تحتاجه هو تحقيق نوع من الوفاق الوطني بين كل القوي والتيارات السياسية المصرية والالتفاف حول الأهداف الأساسية والنهائية للثورة والتي ترتكز علي بناء مصر الفتية المتقدمة الديمقراطية