أكد خبراء ضرورة استمرار التفاوض والحوار مع دول حوض النيل ووضع استراتيجية متكاملة لمواجهة أزمة المياه علي رأسها حفظ السلام بالقارة الإفريقية والمشاركة في مشروعات الكهرباء والاستفادة من فاقد المياه في دول الحوض كل لتعم الفائدة علي الجميع. وأكد المشاركون أن النظام السابق أهمل إهمالا جسيما هذا الملف وتراجع التمثيل المصري في التكتلات الإفريقية وذلك علي حساب موضوعات أخري مثل التوريث وتزوير الانتخابات. جاء ذلك خلال ورشة عمل عقدت في المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط بالقاهرة أمس. ومن جانبه قال د. محمد شفيق زكي رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط إن التعاون هو المبدأ المثالي إلي جانب الحوار المستمر مع دول الحوض لتصبح القضية الرئيسية هي كيفية استفادة الجميع من الفاقد من مياه النيل وألا تكون القضية مجرد تقسيم المياه. وأشار إلي أهمية الفهم الأعمق للظروف في دول الحوض حتي نتجنب التوتر في العلاقات معها, إلي جانب ضرورة وضع استراتيجية محددة المعالم لتحقيق المصلحة العليا للوطن. ومن جانبه قال د. سيد فليفل أستاذ الدراسات الإفريقية بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة إن الاهتمام بهذه القضية هو اهتمام بالوجود المصري ذاته فبغير النيل لا وجود للدولة المصرية أو للشعب المصري, وقال د. فليفل إنه إذا كانت المتابعة مطلوبة لملف أزمة المياه فإن التوصل إلي رؤية وتقديم توصيات هو أمر غاية في الأهمية خاصة اننا بصدد دولة جديدة بعد ثورة25 يناير محذرا في الوقت نفسه من أن المنطقة إذا كانت تشهد تغييرا فإنها تعاني في الوقت نفسه من حالة سيولة تدعو لتوخي الحذر, مشيرا إلي أن ما أعلنته اثيوبيا أخيرا عن بناء السدود خاصة سد الألفية كان في خططها منذ فترة طويلة لكنها انتهزت فرصة انشغال مصر بما يجري في الداخل لاتخاذ مثل هذه الخطوات. وأشار د. فليفل إلي أن الفترة السابقة في السياسة المصرية شهدت تراخيا دبلوماسيا تظهر ملامحه في استثمار دول عربية في حوض النيل دون تنسيق مع مصر إلي جانب دخول الصين وإيطاليا في عملية إنشاء السدود في دول الحوض, مشيرا إلي أن ذلك يدعو لمزيد من الحوار مع دول حوص النيل, إلي جانب التفاوض مع الوافدين الجدد في الحوض وليس الدول المشاطئة له فقط. وأوضح أن قضية نقص حصة مصر من المياه يمكن معالجته من خلال تنفيذ مشروعات بدول الحوض لتخزين المياه خارج حدودنا مشيرا إلي أننا نواجه عجزا في المياه قدره30 مليار متر مكعب بحلول عام.2017 وشدد د.فليفل علي أن وضع اليد علي الاخطاء التي اقترفناها سابقا أمر غاية في الأهمية حيث لم توفر الدولة مقدراتها بالكامل للتفاوض بهذا الشأن, كما لم تستفد مصر من اتفاقية الاممالمتحدة بشأن المشروعات المقامة في دول الحوض لغير الأهداف العلاجية. وقال إنه بينما كان هناك حشد برلماني وشعبي داخل دول الحوض لاطلاق اتفاقية عنتيبي كان النظام السابق في مصر مشغولا بمسألة التوريث وتزوير الانتخابات. وأشار إلي أننا كان ينبغي ان نراعي أهدافنا من التفاوض مع دول الحوض وضرورة ان نتذكر أثر هذه الأهداف علي التنمية الشاملة من خلال تكتل إفريقي أو سوق مشتركة أو تجمع اقليمي, موضحا أن مصر علي سبيل المثال مراقب في الايجاد وانضمت إلي الكوميسا متأخرة ومتفرجة. وأوضح أنه من الاخطاء الجسيمة التي وقعنا فيها أيضا وتوقيع اتفاقيات مع الكونغو وأوغندا وأثيوبيا اعترفوا خلالها بحقوقنا التاريخية ثم لم نذهب للتصديق عليها في البرلمان مما زاد من تسريع دول الحوض بوتيرة اتفاق عنتيبي وأصبحوا غير محتاجين لاستئذان مصر فيها. وشدد د. فليفل علي ضرورة التعامل مع دول الحوض ككتلة واحدة, مشيرا إلي أن هناك ثلاثة أحواض أولها أثيوبيا وينبغي تركيز الجهود فيها علي المحافظة علي حصة المياه حيث إن فرصة زيادتها محدودة, وثانيا جنوب السودان وهي دولة جديدة بعد الانفصال عن الشمال وتوجد بها المنابع وينبغي أن يكون لدي مصر برنامج عمل معها باعتبارها محافظة مصرية, مشيرا إلي أن أوغندا أيضا بها إمكانات كبيرة لزيادة حصة مصر المائية, وثالثا دول الهضبة الاستوائية من أوغندا وجنوبا حيث تقع في حزام مطير بنحو1000 متر مكعب من المياه, ولديهم مشكلة كبيرة في تثبيت التربة ويمكننا المساهمة في معالجة انجراف التربة لديهم وزراعة المستنقعات. وأشار إلي أن هناك واجبا علي وزارة الموارد المائية يتعلق بالصرف الزراعي وتعديل نظام الري, مشيرا إلي أن الدولة بخلت سابقا علي الوزارة والتمويل في هذا الصدد. وأوضح أن ركائز عملنا علي السودان وحوض النيل ليس الذهاب للبحث عن الماء فقط, ولكن إنشاء سوق مشتركة للتعاون وإطلاق سياسة الاعتماد المتبادل, وتصدير العمالة المصرية للعمل في دول الحوض, مشددا علي أهمية الوجود البشري المصري في دول الحوض, إلي جانب الاستثمار في مشروعات الزراعة في دول الحوض المكلفة في المياه. ومن جانبه قال د. عبدالفتاح مطاوع بوزارة الأشغال والموارد المائية: إن ثورة25 يناير نقلت مصر نقلة موضوعية في نظر الأفارقة والعالم, مشيرا إلي أن ملف المياه حدث له تسييس, والبعض يتحدث فيه دون أن يعرف شيئا عنه, وهو أمر في منتهي الخطورة. وأشار إلي أن توليد الطاقة علي أساس التعاون مع دول الحوض أمر غاية في الأهمية, مشددا علي أن موقف مصر التفاوضي قوي للغاية. وقال: لابد أن نحول مشكلة حوض النيل إلي فرصة, مشددا علي ضرورة المحافظة علي السلام في دول الحوض, وضرورة الوجود المصري هناك لتحقيق هذه الأهداف. ومن جانبه قال حلمي شعراوي المحلل السياسي المتخصص في الشئون الإفريقية: إنه ليس من اللائق أن نلخص الوجود المصري في إفريقيا في مسألة المياه, وأن المسألة أعمق من ذلك بكثير, مشيرا إلي غياب مصر عن التكتلات الإفريقية. وأشار إلي ضرورة الاتصال بالدول المعارضة لموقف دول الحوض مثل الكونغو وإريتريا إلي جانب بحث مسألة الاستثمارات العربية في دول الحوض حيث أقامت الإمارات مشروعا زراعيا بنحو مليون فدان بإثيوبيا. وقال: إن أبرز كروت الضغط علي إثيوبيا احتلالها لإقليم أوجادين الصومالي وضمها لإقليم أروميا وتدخلها بقوات هناك هي وبوروندي, وتساءل: لماذا تدخل عمرو موسي في ليبيا ولم يتدخل في الصومال حيث يقتل المدنيون هناك علي يد بوروندي وإثيوبيا؟! ومن جانبه قال د. شوقي عبدالعال أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة: إنه لا يصح أن تتحدث منظمة الوحدة الإفريقية عن قدسية الحدود وفقا للاتفاقيات الاستعمارية, وترفض الاعتراف باتفاقيات المياه باعتبارها استعمارية. وأوضح أن اتفاقية فينا لتوارث الدول للاتفاقيات في مصلحتنا, كما أن الاتفاقية الإطارية لاستخدام المجاري الدولية في غير أغراض الملاحة لمصلحتنا. وأضاف أن المشكلة تكمن في السياسة حيث أهملنا القارة الإفريقية, والمؤسسة الرئاسية السابقة أهملت إهمالا مروعا مصالح مصر وعلاقتها بهذه القارة. ووصف د. شوقي الاتفاق الإطاري لدول الحوض بأنه اتفاق غير ملزم لدول غير ملتزمة, ودعا لوضع استراتيجية تتحرك عليها في فترة عودة مصر بعدما كانت غائبة. وقال هاني رسلان رئيس برنامج دراسات السودان ودول حوض النيل بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام: إنه ليس هناك مخرج لمصر سوي من خلال التعاون الوثيق مع القارة الإفريقية, خاصة دول حوض النيل, مشددا علي ضرورة طرح حلول توافقية تحفظ المصالح المصرية, إلي جانب بذل الجهد لتعزيز المنافع وتقليل المخاطر, والبديل حالة صراع ليس من مصلحتنا الدخول فيها. وقال: إننا في لحظة نادرة بعد الثورة يمكننا استثمارها بالدخول في عهد جديد يراجع جميع السلبيات الماضية ويضع سياسة جديدة لجميع الملفات, ومن بينها أزمة مياه النيل, إلي جانب ضرورة التنسيق بين الوزارات المختلفة لحل هذه الأزمة. وأشار إلي أن اتفاقية عنتيبي ستدخل حيز التنفيذ في شهر مايو المقبل, ومن ثم أصبح الوقت ضيق أمامنا بما يستلزم ضرورة تحرك المجلس العسكري لحل هذه المشكلة. ومن جانبه قال د. طارق فهمي رئيس الوحدة الاستراتيجية في المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط: إن إسرائيل توجد في حوض النيل من خلال رفع شعار تسعير المياه مقابل النفط في إطار خطط موضوعة, ولديها خطتا2028 و2035, وتتركز الأخيرة علي استغلال الموارد المائية لدول الحوض من خلال عمل هيكلي لإقامة المشروعات هناك, وليس فقط من خلال رجال الأعمال, وتوجد مؤسسات إسرائيلية كاملة تعمل لهذا الهدف مثل وزارة المال الإسرائيلية والكيبوتس تحت مسمي تسعير المياه.