اعتمدت السياسات المصرية عبر عقودها الأخيرة على استراتيجية إلقاء الجزء الأكبر من المسئولية الاقتصادية على عاتق القطاع الخاص ويمثله قطاع الأعمال وفى سبيلها لتحقيق أكبر درجة ممكنة من التشبه بالرأسمالية الغربية بعد فترة تأرجح بين تطبيق القواعد الاشتراكية والانفتاح الاقتصادى والسوق الحر ثم الاقتصاد الحر ثم الهرولة سريعاً نحو الرأسمالية منحت الحكومات المتعاقبة التسهيلات لرجال الأعمال بهدف انشاء رأسماليات عملاقة لمجابهة الشركات العالمية العابرة للقارات وكان الهدف من تسهيل الطريق أمام الرأسماليات المنشودة والتى وصلت إلى حد التفريط كمنح ملايين الأمتار من الأراضى لشركات مقاولات بعينها مثل (طلعت مصطفى ) . وكان الهدف هو أن تتولى مثل هذه الرأسماليات مسئولية تشغيل العمالة والقضاء على البطالة , وزيادة الدخل القومى ,وفى خلال ذلك ظن بعض رجال الأعمال أنهم فوق القانون فعاثوا فساداً فى البلاد وحققوا أرباحاً مضاعفة ولم يحققوا ماهدفت إليه الدولة , ثم جاءت الأزمة المالية العالمية والتى تحولت إلى أزمة اقتصادية عامة وعالمية واتخذت الدول التى صدرت الرأسمالية مثل أمريكا لكل دول العالم اجراءات اشتراكية مثل شراء الدولة الأمريكية الحصة الأكبر فى جنرال موتورز , لحمايتها من الانهيار بعد اعلان افلاسها , وعلى مستوى مصر تحدث الرئيس مبارك عن اعادة تعريف لدور الدولة فى الاقتصاد خلال مشاركته فى اجتماعات الدول الثمانى الكبار منذ عدة شهور وطالب وزير التجارة والصناعة المصرى المهندس رشيد محمد رشيد فى فاعليات دولية أيضاً بنفس الطلب , ويبدو أن النظام المصرى بدأ يتخلى عن سياسة محاباة رجال الأعمال لأنها لم تحقق أهدافها التى ذكرناها فى بداية هذه السطور , وهو ما يحكى فى قضية مقتل الفنانة سوزان تميم , حيث ترك هشام طلعت مصطفى يواجه العدالة بحق ,وذلك له أسباب أخرى منها حالة الغضب الشعبى نتيجة سياسة المحاباة هذه التى أصبح النظام الحاكم محملاً بشكل مباشر لتحمل التبعات التى نتجت عنها سواء عن طريق الانتخابات العامة أوالرئاسية أو انقلاب الشارع المصرى عبر كثير من التظاهرات والاضرابات والاعتصامات التى نجحت كثيراً فى تحقيق بعض أوكل مطالب العمال . ويبدو أن رجال الأعمال بدأو يشعرون بالتغير فى اتجاه الدولة نحوهم فبدأوا يتحركون دفاعاً عن مصالحهم أو على الأقل للعمل على عدم جنوح الدولة فى اتجاه آخر بعيدا عنهم . وتمثل ذلك فى بيان ألقاه شفيق بعدانى وكيل اتحاد الصناعات المصرية وهو المؤسسة التى أثرت بشكل خطير عبر السنوات الماضية على سياسات مصر الاقتصادية وإن كان هذا غير واضحا للعامة وكثيرا من الخاصة وإذا قرأنا البيان ببعض من الظن السئ فإننا سنجده يتستر خلف المصلحة العامة لتحقيق مصالح رجال الاعمال ولكننا نحاول أن نقلل من حدة هذا الظن السيئ لصالح المصلحة العامة أيضاً فقد أكد بيان وكيل اتحاد الصناعات فى فقرته الأخيرة والتى نراها الأهم على الاقل شعبياً .على أن ارتفاع الأسعار يرجع فى الاساس لأسباب خارجية كارتفاع أسعار الحاصلات الزراعية (رغم أن الفلاح المصرى يبيعها بأرخص الأسعار ولاترتفع أسعارها إلا بعد تخزينها لدى رجال الأعمال ) ..والمواد الأولية مما انعكس على الداخل وارتفع معدل التضخم فى سبتمبر الماضى إلى 24.3 % وخلال الشهر الماضى 10.2 % حسب البيان كما اتهم البيان بصورة كبيرة غياب التنظيم وعدم كفاية القوانين كقانون حماية المستهلك –والكلام لوكيل اتحاد الصناعات أحد أكبر رجال الأعمال الصناع - وقانون المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية ,ولم ينس شفيق بغدادى أن يختم بيانه بالتأكيد على ضرورة تطوير وإعادة تنظيم التجار ة الداخلية وتحديث الطار التشريعى المنظم للقوانين المتعلقة بها وتوفير أسواق تجارة كبيرة لمواجهة انتشار التجارة العشوائية . وإذا عدنا إلى صلب البيان سنجده يتحدث عن أهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة كأحد أهم عناصر التنمية الاقتصادية كونها تستوعب أكبر عدد من العمالة وتوليد دخول جديدة وقد يفهم البعض أن المقصود هنا هو مشروعات الأفراد الصغيرة إلا أن بغدادى فى شرحه لهذه الجزئية ألمح إلى أنه بالنظر إلى الاقتصاديات العالمية يتضح أن كثيراً من كبار رجال الأعمال المصريين من ذوى المشروعات الصغيرة أو المتوسطة والتى طالب لها بالمساندة عن طريق زيادة حجم الائتمان لها بتكلفة أقل , مشيراً إلى ما قام به البنك المركزى من خفض للفائدة أكثر من مرة لا يعنى خفض الفائدة على الاقراض فى البنوك بنفس النسبة ,فهناك معايير أخرى تتحكم فى ذلك مثل نوعية الصناعات ومجالها والتدفقات النقدية . وبالتأكيد أبرز البيان أن القطاع الخاص يتحمل أكثر من 60% من حجم الاستثمارات الاجمالية 2009 ,2010 حيث أن حجم الاستثمارات المطلوبة لتحقيق معدل نمو 5% فى ظل الظروف الحالية هى 242 مليار جنيه منها 135 مليار على الأقل للقطاع الخاص . ولأول مرة نلحظ مرارة فى هجوم رجل أعمال كبير وإن كان ممثلاً لزملائه خاصة الصناع الذين يعتدون بأنفسهم كمنتجين حقيقيين حيث انتقد بكلمات واضحة عدم تحقيق الحكومة ما وعدت به من تخصيص 500 ألف فدان للاستثمارات الجديدة فى المجلات المختلفة للتصنيع الزراعى . كما انتقد شفيق البغدادى سياسة التعليم بشكل عام والتى فشلت فى تخريج النوعيات المطلوبة لسوق العمل المصرية رافضاً اتهام القطاع الخاص الاجتماعى فى مجالات عدة منها دعم الجمعيات الخيرية والمستشفيات كمستشفى سرطان الأطفال وبنك الطعام ,وغيرها .. إلى هنا والصورة تبدو أن فى باطنها مرحلة جديدة قد تمر بفترة عواصف ولكنها ربما ينتج عنها نظام أكثر عدلاً بين فئات المجتمع المصرى .