قال لى: الحديث عن الذات خطوة علاجية ناجعة دوما ً .. لم أًصدقه , لكن كانت هذه. هكذا بدأ الأمر : قهقهة عالية ترِّن فى أذنى ؛ كأنها صادرة من فم امرأة عجوز لها أسنان متخلخلة و لسان كبير متضخم , تلف ملفعا ً أسوداً لا يكشف إلا عن إحدى عينيها الرماديتين , خُيّل لى أنها تجلس خلف باب غرفتى تأكل عنباً فى قصعة صدئة متآكلة الجوانب !. حسناً , لا يهم كيف عرفت شكل أسنانها ؛ مثل تلك القهقهة لا تصدر إلا عن فم كذلك الوصف ..!! مضى الليل بأكمله و أنا استمع لصوت مضغها وسط تلك القهقات الخبيثة و أزيز صدرها المرعب حتى قررت النهوض من فراشى لأتاكد من وجودها حقا ً . فتحت الباب وجدتها هناك , إلتفتت ناحيتى و عنقود العنب يتدلى من يدها : ها قد خرجت أخيرا ً ؛ تعالى و استلقى مكانى . صباحا ً ؛ عندما وجدونى نائمة قرب باب الغرفة , إعتقدوا أن ذلك أحد عوارض الإكتئاب إثر فسخ خطوبتى , لم يصدق أيا ً منهم أن عجوزا ً غريبة كانت نائمة فى فراشى ليلا ً ,كذلك أى من أحاديثى عن زياراتها الليلية و صوتها الذى يرشدنى طيلة اليوم لم يكن كافيا ً لحملهم على تصديق مزاعمى بشأن وجودها حقيقة . الإيمان بشيء غير منطقى و مناف للعقل كثيرا ً ما يحتاج لحادثة قوية تصفع بحسابات المنطق عرض الحائط .. حدث ذلك فى اليوم الذى وجدونى فى الحمام منكفأة داخل المغطس بعد أن أشعلت النار على رسائله ؛ هداياه ؛ عطره ؛ و قميصه الذى يحمل عرقه و رائحته . كانت النيران تأكل فى جسمى وأنا أغنى و العجوز أيضا ً بقربى تغنى : أبجى على البمبرة و ابجى على التينة .. و ابجى على من ذبح قلبى بسجينه ... قبل أن تنهال السجادة فوق رأسى كانت العجوز تصرخ بى : خذى قطعة القماش الصغيرة . خذى ما تبقى من قميصه .. بعد خروجى من العيادة النفسية و انتظامى على العلاج بدا الأمر وكأنى استعدت ذاتى مجدداً . نعم كنت أشتاق أحيانا ً لتلك العجوز الطيبة ! و الأصوات الأخرى التى تخاطبنى عبر المذياع أو التلفاز و أخرى فى رأسى لكن يبدو أن الجميع مرتاح الآن .. بدأ المرض يصبح حادثة منسية تماما ً لولا أنى بدأت أسمع طنينا ً موسيقيا ً حادا ً لا يتوقف حتى اثناء نومى , كتمت هذا الأمر و لم أخبر به أحدا ً . كان البيت يتهيأ لزفاف أختى القريب و خشيت أن يفسر الأمر كأحد عوارض الغيرة أو طريقة بائسة للفت الإنتباه و التعاطف . فى يوم الزفاف رادونى حلم غريب : كنت و أهلى فى حظيرة مظلمة يتوسطها رجل بدين تغطى قامته القصيره ملابسه مهلهلة و مثقوبة بدا الجميع متذمرا ً من البلبلة التى تحدثها حركاته البهلوانية حتى علا صوت الضحك فجأة عندما أطاح الرجل بجسمه على الأرض محدثا ً صوتا ً مدويا ً و رائحة كريهة ؛ أخذ الجميع يصرخ : عليه اللعنة ؛ هذا المجنون لقد أطلق ريحا ً ؛ أوووف .. استيقظت مذعورة أبكى : أيها الحمقى ؛ إنه ميت .. إنه ميت .. لم يصبنى الهلع عندما وجدت الرجل البدين إلى جانبى يناولنى قطعة القماش الصغيرة , خطفتها من يده و رحت أشمها ؛ رأيتها تلتف حول أصبعى و أنا أرتعش فوق السرير و أتلوى .. أنتحب طويلا ً و عقد القماش تزداد .. تزداد .. أرخى الرجل البدين يديه على ظهرى لمواساتى ؛ لكزته بيدى ثم خرجت و أنا أصيح مشيرة إلى أصبعى البنصر و قد أسود تماما ً : انظروا إليه .. إنه ميت .. إنه ميت .