لعلّ المرء لا يبتعد كثيراً عن موضوعات الإنتفاضة السورية إذا انتقل بالحديث إلى إنتفاضة عربية أخرى خاصة إذا كانت تتعرّض لتعتيم مقصود في وسائل الإعلام العربية والأجنبية على حدّ سواء كما هي حال انتفاضة أهلنا في البحرين. فهنا ما يتجاوز حسّ التضامن الطبيعي أو واجباته السياسية والأخلاقية إلى ذلك الطراز من التعاضد المتبادل الطبيعي بدوره مثلما يتكاتف الطغاة سرّاً وعلانية ، كذلك يتوجب أن يتكاتف طالبوا الحرّية علانية كما يُفضّل وأياً كانت جزئيات اتفاقهم أو اختلافهم حول التفاصيل. أجدني إذاً أترك التعليق على وقائع 'جمعة الغضب' المجيدة في سورية بعد إنحناء بأقصى الإجلال أمام تضحيات شعبنا في هذه الجمعة والجُمَع والأيام التي سبقتها وأيام 'كسر الحصار' التي أعقبتها فأذهب إلى البحرين دون أن أبتعد كثيراً عن سورية فبالنظر إلى أنّ خطاب آل خليفة هناك يتطابق مع خطاب آل الأسد هنا، حول 'المؤامرة' و'العملاء' و'الفتنة'... العنصر المشترك الأهمّ في انتفاضة البحرين الراهنة، وكذلك في سوابق الإحتجاجات الشعبية على امتداد تاريخ البلد هو أنّ اختلاف المواطنين في المذهب الديني لم يحلْ دون اتحادهم في ائتلاف وطني يطالب بالإصلاحات. أمّا العنصر المشترك الثاني فهو أنّ السلطة لم تقمع الانتفاضات الشعبية لأنها تهدد نظام الحكم وامتيازات الأمراء ومصالحهم المحلية فقط، بل كذلك خدمة لأجندات خارجية ومصالح قوى إقليمية ودولية. ولعلّ الكثيرين يجهلون أنّ زنزانة نابليون بونابرت في جزيرة سانت هيلين، استقبلت أيضاً ولكن بعد أكثر من 140 سنة عدداً من النشطاء البحرينيين الذين طالبوا بإصلاحات دستورية وقُمعوا بشدّة على يد شرطة أمير الجزيرة وقوات الإنتداب البريطانية معاً. فقبل هؤلاء في سنة 1938 كان الحاكم البريطاني السير شارلز دارليمبل بيلغريف الذي اختار لنفسه لقبBelgrave of Bahrain!) ) قد نفى إلى الهند عدداً من المثقفين والتجار ونقابيي عمّال النفط، بعد أن شاركوا في إضراب دعا إلى انتخابات حرّة وإصلاحات دستورية. وفي سنة 1922 إندلعت إنتفاضة شعبية ضدّ الضرائب التمييزية التي فُرضت على قطاعات دون أخرى من المواطنين ولإلغاء نظام السخرة الذي اعتُبر حقاً ملكياً سامياً للأسرة الحاكمة. الإنتفاضة الراهنة إندلعت أذن لتحقيق مطالب إجتماعية وسياسية ودستورية لا علاقة لها بما تزعمه السلطات وما تتبناه معظم دول الخليج وجمهرة المحللين والحكومات في الغرب من توتر بين الشيعة والسنّة. فالغالبية الساحقة من مواطني البحرين بصرف النظر عن انتماءاتهم المذهبية هم ضحايا الفساد الواسع والتسلط المطلق وانقلاب البلد إلى مزرعة استثمارية لآل خليفة، فضلاً عن حقيقة ديمغرافية مأساوية تشير إلى أنّ 54' من سكان البلاد (قرابة 1,2 مليون) هم عمالة آسيوية بصفة عامة، والكثير منهم يجري توظيفهم في مؤسسات الجيش والأمن وأجهزة القمع على إختلافها. ومن مفارقات الفساد الكبرى أنّ البحرين تتألف من 33 جزيرة ولكنها صارت بلا شطآن عملياً لأنّ نسبة 20' من أراضي البلد الراهنة هي نتاج تجفيف مياه البحر، (وبالتالي قتل الحياة المائية والبرّية الطبيعية) بهدف إقامة المجمعات التجارية والمنشآت السياحية، التي يملكها أفراد العائلة الحاكمة غالباً هنالك فمثلاً عقود تأجير بين الدولة والمستثمرين تمتد على 100 سنة، بقيمة 30 فلساً (أقلّ من دولار أمريكي) في السنة وثمة عقار مخصص لبناء البريد المركزي في المنامة تمّ تأجيره كموقف سيارات لأحد فنادق الخمس نجوم بقيمة 50 ديناراً (قرابة 130 دولاراً) سنويآ ً! حيث تستضيف البحرين قاعدة الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، كما تشكّل منطقة عازلة بين السعودية وإيران، ممّا يفسّر القلق الأمريكي الشديد إزاء تطورات الإنتفاضة الشعبية كما يفسّر التدخّل العسكري السعودي المباشر الذي أتخذ صفة قوات 'درع الجزيرة' التابعة لمجلس التعاون الخليجي وأعتبره وليد المعلّم وزير الخارجية السوري مشروعاً مثلما يفسّر موقف طهران، التي لا تكفّ عن التذكير بأنّ البحرين أرض إيرانية، ليس في عهد الثورة الإسلامية فحسب، بل منذ الإمبراطورية الصفوية، مروراً بسنة 1957 حين أتخذ البرلمان الشاهنشاهي قراراً بإعتبار البحرين الولاية 14 في إيران. وهكذا أعتمد آل خليفة نهجاً مزدوجاً يراوح بين إستخدام القوّة والمماطلة في آن معاً، حتى جاء التدخل العسكري السعودي ليرجّح خيار القبضة الحديدية وحدها فأعلن الأمير حالة الطوارىء، وجرى إعتقال عدد من قادة المعارضة كما إستخدمت الوحدات العسكرية الذخيرة الحية وسقط عشرات الشهداء ومئات الجرحى. ولم يكن غريباً أنّ أخوّة الإستبداد والفساد التي جمعت وتجمع آل خليفة مع آل الأسد وآل القذافي وآل صالح وجميع عوائل الإستبداد العربية، وحّدت أيضاً خياراتهم الأمنية العسكرية في قمع الإنتفاضات دون أن تلغي حقّ هذا المستبدّ أو ذاك في تنويع أساليب البطش والتنكيل والهمجية. فإذا كانت السلطات البحرينية قد حرصت على تفكيك النصب التذكاري في 'دوّار اللؤلؤ' فإنّ سلطات النظام السوري عجزت عن منع المتظاهرين من تحطيم أصنام النظام، الأب مثل وريثه. وفي الموقفين تذكرة بما قالت العرب: العِيان لا يحتاج إلى البيان!