نوبواكي نوتوهارا تلخيص وترجمة : منى فياض صدر مؤخراً كتاب لكنه لم يلفت الأنتباه بشكل كاف وهو كتاب الياباني نوتوهارا حول "العرب من وجهة نظر يابانية" . يكتب نوتوهارا بعد أن تعرف على العالم العربي منذ العام 1974 وزار العديد من بلدانه وأقام فيها لفترات يرصد إنطباعاته المحايدة عن هذا العالم. ومن اللافت أن أول ما يقوله عن عالمنا العربي "أن الناس في شوارع المدن العربية غير سعداء ، ويعبر صمتهم عن صرخة تخبر عن نفسها بوضوح". وهو يعيد هذا الشعور إلى غياب العدالة الاجتماعية لأنها أول ما يقفز إلى النظر ، وهذا ما يؤدي في نظره إلى الفوضى. كما أنه يلاحظ كثرة إستعمال العرب لكلمة ديموقراطية وهذا لا يعبر سوى عن شيء واحد وهو النقيض لتلك الكلمة إلا وهو القمع وغياب الديموقراطية. ولهذا القمع وجوه عدة مثل منع الكتب ، غياب حرية الرأي و حرية الكلام ، تفشي ظاهرة سجناء الرأي. ويشير نوتوهارا كمراقب أجنبي إلى أن العالم العربي ينشغل بفكرة النمط الواحد على غرار الحاكم الواحد لذلك يحاول الناس أن يوحدوا أشكال ملابسهم وبيوتهم وآرائهم. وتحت هذه الظروف تذوب إستقلالية الفرد وخصوصيته وإختلافه عن الآخرين. كما يغيب أيضآ مفهوم المواطن الفرد وتحل محله فكرة الجماعة المتشابهة المطيعة للنظام السائد. وعندما تغيب أستقلالية الفرد وقيمته كأنسان يغيب أيضا الوعي بالمسؤولية عن الممتلكات العامة مثل الحدائق ، الشوارع ، مناهل المياه ، وسائل النقل الحكومية ،الغابات بأختصار كل ما هو عام والتي تتعرض للنهب والتحطيم عند كل مناسبة. ويجد نوتوهارا أن الناس هنا لا يكترثون أو يشعرون بأي مسؤولية تجاه السجناء السياسيين الشجعان الذين ضحوا من أجل الشعب ، بل يتصرفون مع قضية السجين السياسي على أنها قضية فردية وعلى اسرة السجين وحدها ان تواجه اعباءها. وفي هذا برأيه اخطر مظاهر عدم الشعور بالمسؤولية. ثم يعطي مثلآ لذلك عن زياراته الخمس لتدمر (سوريا) دون أن يعرف أن فيها سجنآ مشهورآ وهو حتى الآن لا يعرف موقع هذا السجن بسبب الخوف الذي يحيط به بالطبع. فعند السؤال عن سجن ما يخاف الشخص ويهرب، كأن الامر يتعلق بسؤال عن ممنوع او محرم. ثم تطرق لمشكلة أكبر إلا وهى الخوف الذى يمنع المواطن العادي من كشف حقائق حياته الملموسة وهكذا تضيع الحقيقة وتذهب إلى المقابر مع أصحابها. الناس في العالم العربي "يعيشون فقط" بسبب خيبة آمالهم وبسبب الأحساس باللاجدوى او اليأس الكامل، وعدم الإيمان بفائدة اي عمل سياسي. في العالم العربي يستنتج الشخص افكاره من خارجه بينما في اليابان يستنتج الناس أفكارهم من الوقائع الملموسة التي يعيشونها كل يوم وهو يتابع في مجتمع مثل مجتمعنا ليضيف حقائق جديدة بينما يكتفي العالم العربي بإستعادة الحقائق التي كان قد أكتشفها في الماضي البعيد. والأفراد العرب الذين يتعاملون مع الوقائع والحقائق الجديدة يظلون أفرادآ فقط ولا يشكلون تيارآ إجتماعياً يؤثر في حياة الناس. ويشير هنا إلى التجربة اليابانية التي عرفت أيضآ سيطرة العسكر على الأمبراطور والشعب وقيادتهم البلاد إلى حروب مجنونة ضد الدول المجاورة أنتهت إلى تدمير اليابان ، ومن ثم تعلم الشعب الياباني أن القمع يؤدي الى تدمير الثروة الوطنية ويقتل الأبرياء ويؤدي إلى إنحراف السلطة. "لكن اليابانيين وعوا إلى أخطاءهم وعملوا على تصحيحها وتطلب ذلك سنوات طويلة وتضحيات كبيرة ، فعلموا أن عليهم القيام بالنقد الذاتي قبل كل شيء وبقوة ، أن الإنسان بحاجة إلى النقد من الخارج ومن الداخل مهما كان موقفه أو وظيفته الاجتماعية او الهيئة التي ينتمي اليها ، أن غياب النقد يؤدي إلى الأنحطاط حتى الحضيض" وكتب أيضآ "كثيرا ما ووجهت بهذا السؤال في العالم العربي لقد ضربتكم الولاياتالمتحدة الأميركية بالقنابل الذرية فلماذا تتعاملون معها ؟ فالعرب ينتظرون موقفآ عدائيآ من اليابانيين تجاه الولاياتالمتحدة الاميركية ، ولكنهم تناسوا أن طرح المسألة على هذا النحو لا يؤدي إلى شيء ، فعلينا نحن اليابانيين أن نعي أخطاءنا من الحرب العالمية الثانية أولا ثم نصحح هذه الأخطاء ثانيا ، واخيرا علينا ان نتخلص من الاسباب التي ادت الى القمع في ليابان وخارجها. اذن المشكلة ليست في ان نكره اميركا اولا، المشكلة في ان نعرف دورنا بصورة صحيحة ثم ان نمارس نقدا ذاتيا من دون مجاملة لأنفسنا. اما المشاعر وحدها فهي مسألة شخصية محدودة لا تصنع مستقبلا" ففي اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، "مد الياباني يده الى الاميركي يطلب مادة متوافرة عند الآخر. وقتئذ كان شعورنا غير واضح ، فمن جهة لم يكن عارا علينا ان نأخذ ممن يملكون ولكن من جهة ثانية ، لم تكفّ نفوسنا عن الأضطراب والتوتر الداخلي، والشعور بالحرج، عرفنا معنى أن لا نملك ومعنى الصدام بين ثقافتين او الأحتكاك بينهما". ويشير المؤلف الى الكاتب المصري يوسف أدريس الذي تعرف على المجتمع الياباني وكان يتساءل دائما عن سر نهضة اليابان وتحولها من بلد صغير معزول إلى قوة صناعية وإقتصادية ، إلى ان حدث مرة ان راقب عاملآ وهو عائد إلى فندقه في منتصف الليل يعمل وحيدا وعندما راقبه وجده يعمل بجد ومثابرة من دون مراقبة من احد وكأنه يعمل على شيء يملكه هو نفسه ، عندئذ عرف سر نهضة اليابان أنه الشعور بالمسؤولية النابعة من الداخل من دون رقابة ولا قسر أنه الضمير اكان مصدره دينيآ و آخلاقيا. وعندما يتصرف شعب بكامله على هذه الشاكلة عندها يمكنه ان يحقق ما حققته اليابان ، ومن الأمور التي لفتت نظره في مجتمعاتنا شيوع الوسخ في الشوارع مع أننا نرى أنفسنا من أنظف شعوب العالم ونتباهى أن صلاتنا تدعونا للنظافة! فهل يقتصر مفهوم النظافة على الشخص والمنزل فقط ؟ لقد دهش نوتوهارا مرة عندما زا ر منزل صديق له في منطقة تعاني من سوء نظافة شديد كيف أن الشقة كانت كأنها تنتمي إلى عالم آخر. فالناس هنا لا تحافظ على كل ما هو ملكية عامة، وكأن الفرد ينتقم من السلطة القمعية بتدمير ممتلكات وطنه بالذات. وتدعم دراسة أخرى هذه الملاحظات، فيظهر لدى الكبار في السن من العرب توجها أوضح لتعليم أطفالهم أحترام كبار السن والحاجة إلى تحصيل حياة أفضل وأحترام الذات، بينما تتأخر قيم أخرى مثل المسؤولية والأعتماد على الذات وتقبل الآخرين وهي التي وضعها عرب أميركا في اعلى سلم خياراتهم. وتبين هذه الدراسة اعطاء اهمية كبيرة للدين في كل من الاردن والسعودية والمغرب ومصر إي أكثرية العرب ! فنجد المصريون والسعوديون ان تعليم الدين يعد أهم قيمة لتعليم الأطفال ، وكذلك أختار المغاربة تعليم الدين والطاعة ليمنحوهما اعلى درجات ، وكانت قيمة احترام الذات من ادناها". والمشكلة ليست في تعليم الدين بالطبع، لكن سؤالنا متى لم يكن تعليم الدين اولوية في عالمنا؟ وما دام الامر كذلك فلماذا نحن على هذه الحال؟ واين القوى والحس بالمسؤولية والضمير الديني بينما يتفشى الفساد الى هذه ا لدرجات المخيفة؟ المشكلة اذن كيف يتم تعليم الدين وعلى اي قيم دينية يتم التركيز؟ ومن المشاكل التي نعاني منها، ويشير اليها نوتوهارا ما يسميه الموظف المتكبر حيث كتب "يواجه الياباني في المطار الشعور بالاهانة امام طريقة تعامل الموظفين مع المسافرين وإيقافهم بأرتال عشوائية وتفضيلهم السماح لبعض لشخصيات المهمة بالمرور أمام نظر جميع المسافرين" وهذا الامر لا يواجه الياباني فقط بل يواجهه كل مواطن عربي غير مدعوم بواسطة او معرفة موظف ما ، كذلك يندهش الاجنبي من مسألة الغش المتفشية في بلادنا، ويشير إلى غش موظفة مصرف تعرّض له في تبديل العملة ، فهو لم يفكر بعدّ النقود بعدما استلمها واستغرب ان تسرقه وهي كانت لطيفة معه ومبتسمة!! مرة طلب منه موظف مبلغا من المال في مطار عربي ، فأعطاه أياه معتقدا أنه رسم، لكن نقاش زميل للموظف وتوبيخه له جعله يعتقد أن في الأمر سوء إستخدام وظيفة. لكن بعد ذلك ترك الموظف زميله ومشى دون أن يفعل اي شيء أنه الصمت المتواطئ (لا دخل لي) الذي يؤدي إلى غياب إي رقابة واطلاق الحرية للفاسدين. لذا لا نعود ندهش عندما يسرد لنا كيف عرض عليه موظف متحف شراء قطع آثار قديمة. لكنه كياباني لم يستطع ان يصدق كيف ان موظفآ أختاره وطنه ليحرس آثاره يخونه ويخون شرفه وتاريخه ويبيع آثارا تركها اجداده منذ آلاف السنين! ويروي على لسان صديق له ياباني الجنسية وله وجه مبتسم كيف انه لما مر امام منزل مسؤول صفعه الحارس ظنا منه انه ربما يضحك عليه. موظف السفارة اليابانية قال له: "اشكر ربك انه اكتفى بصفعك"!، يرى في ذلك تواطؤا غير مبرر ولا يليق ببعثة اجنبية" وأكثر ما يثير دهشة كاتبنا الياباني إعتياده على أن رئيس الوزراء الياباني يتغير كل سنتين لمنع إي شكل من أشكال الإستبداد فالحكم الطويل يعلم الحاكم القمع ، بينما في البلاد العربية يظل الحاكم مدى الحياة! فالحاكم العربي يتمتع بإمتيازات ما قبل العصور الحديثة وإستثناءاتها ، ومهما كان الفرد إستثنائيا فان مهمات قيادة الدولة اوسع من غي فرد استثنائي. فالحاكم عنده مهمة اكبر من الانسان العادي بينما قدرته محدودة. الفرد الذي يفشل في تحمل مسؤوليته يغير ويحاسب. والحاكم مثل اي مواطن آخر، فهناك مساواة فعلية امام القانون ويعطي مثال سجن رئيس وزراء ياباني وإعتقاله كأي مواطن ياباني عندما أكتشف ضلوعه في فضيحة لوكهيد. لا شيء يحمي الفرد اذا كان مذنبا ومع ذلك نجد أن أبنته الآن عضو بارزة في البرلمان ، مما يعني أنه لم يحل ذنب والدها في وصولها بكفايتها إلى ما هي عليه. أن اكثر ما أثار دهشته كيف ان الحاكم العربي يخاطب مواطنيه : بيا ابنائي وبناتي! الأمر الذي يعطيه صفة القداسة وواجب طاعته. وهو بهذا يضع نفسه فوق الشعب وفوق النظام والقانون، ويحل محل الاب ويتخذ صفة الاله الصغير. اما عن تعامل العرب مع مع اطفالهم، فهو يشير الى وجود الاعتداء الجنسي الذي لم يفصّله نظرا الى حساسيتنا تجاه الموضوع واكتفى بلفت النظر الى مسألة ترك الاولاد في الشوارع من دون رقابة الاهل ، لا يمكن في فرنسا او اي بلد مماثل رؤية اولاد في الشارع من دون مرافقة بالغين ، ناهيك عن شيوع استعمال الضرب في المدارس وسماع بكاء الأطفال. ربما يجعلنا ذلك نتأمل في انفسنا ونقوم بنقدها على نحو جذري كي نعرف مكامن الخلل في قيمنا وسلوكنا ونظامنا التربوي ولكي نحاول اللحاق بمتطلبات عصر لن يقف منتظرا ان نجهز لدخوله فليس كل الحق على... الآخرين.