أكد د. محمد كامل ريحان أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة عين شمس أنه فى الوقت الذى يعد الحديث فيه عن دعم المزارعين المصريين كفرا وخروجا عن الملة تتفانى البلدان المتقدمة فى تخصيص موازنات مستقلة بمئات المليارات لدعم مزارعيها عن طريق دفع علاوات وتعويضات مباشرة لهم، ويؤدى هذا الدعم إلى خلق فوائض زراعية أوروبية ضخمة يتم تصدير قسم منها إلى البلدان النامية بأسعار أقل من تكاليف إنتاجها الفعلية. وقال د. ريحان ل"مصر الجديدة": لقد ساهمت هذه السياسات الزراعية المتمثلة بدعم منتجاتها الزراعية فى تقليص الإنتاج الزراعى فى الدول النامية نتيجة لعدم قدرة تلك المنتجات على منافسة مثيلاتها من السلع المنتجة فى البلدان المتطورة، حيث تذهب الاحصاءات إلى أنه فى عام 2006 بلغ حجم الدعم الزراعى فى الولاياتالمتحدة نحو 372 مليار دولار؛ وبلغ إجمالى الدعم الزراعى لدول الاتحاد الأوروبى فى عام 2002 نحو 112.5 مليار دولار، وهذا ما اتاح ويتيح لمنتجاتها الزراعية المنافسة بسهولة مع السلع المماثلة فى الخارج. وأضاف: والغريب أنه فى الوقت الذى تحرص فيه هذه البلدان على تنفيذ سياسات حمائية زراعية، يرفض الحكوميون فى مصر مجرد الحديث عن هذا الدعم، مما حول حياة الفلاح المصرى إلى جحيم، وأفقد الزراعة دورها المحورى كأحد أهم مصادر الناتج المحلى وأكثر القطاعات توفيرا لفرص العمل، لافتا إلى أن هذا التجاهل المقصود من قبل الحكومة لأوضاع الزراعة المصرية دفع المزارعين إلى هجر أراضيهم بحثا عن مصادر أخرى للرزق، بحيث اضطر أصحاب المساحات الصغيرة إلى تأجير ما يملكون من أرض واستبدلوا مهنتهم بمهن أخرى كأصحاب محال بقالة أو مطاعم أو مقاهى ريفية. وأشار د. ريحان إلى أن القطاع الزراعى يعد من القطاعات الرئيسية فى الاقتصاد المصرى باعتباره قطاعاً مسئولا عن تحقيق الأمن الغذائي، ومصدرا رئيسيا لتوفير مدخلات القطاعات الإنتاجية والخدمية الأخرى، بالإضافة إلى دور الصادرات الزراعية فى تحسين ميزان المدفوعات كما انه يستوعب حوالى 34% من الأيدى العاملة، مؤكدا أن الأزمة الغذائية تطورت فى مصر تبعاً لمعدلات نمو الإنتاج والطلب الاستهلاكى على المنتجات الغذائية، وأصبح هناك شبة إجماع على أنها قد وصلت إلى حد حرج يتجلى فى تنامى الاعتماد على المصادر الخارجية لإطعام السكان، وتدهور نصيب الفرد من الناتج الزراعي، وتراجع مساهمة القطاع الزراعى فى الناتج المحلى الاجمالى. وشدد على أن التقارير الرسمية تذهب إلى أن القطاع الزراعي، قد حقق تزايدا مستمرا فى الاستثمارات المنفذة، إذا بلغ حجمها نحو 6.4 مليار جنيه عام 2005/2006، زادت عام 2006/2007 لتصل إلى 8.6 مليار جنيه، تعادل نحو 6.3% من وإجمالى الاستثمار العام، كما ارتفع معدل النمو الحقيقى بقطاع الزراعة ليصل إلى 3.3% عام 2005/2006، وقد نجح القطاع الزراعى بصفة عامة فى تطوير أدائه خلال الفترة من عام 1982/1981 إلى عام 2005/2006. وقال أستاذ الاقتصاد الزراعى إن التقارير الدولية تتفق على أنه فى كثير من الاستراتيجيات التنموية فى الدول النامية – ومنها مصر التى تتراوح بين التنمية القائمة على التصنيع، من خلال بدائل الواردات أو استراتيجية النمو الذى تقوده الصادرات لا تقوم الزراعة إلا بدور ثانوى داعم، وكثيرا ما كانت تغفل أهمية التفاعلات الايجابية بين الزراعة والقطاعات الأخرى، كما لا يعطى اهتمام كبير لتعزيز البحث والاستثمارات فى الزارعة، فكثير من اقتصاديى التنمية لم يعيروا القطاع الزراعى إلا أهمية ضئيلة نسبيا رغم أن اى ثورة صناعية تحدث لابد عادة أن تسبقها بعقود على الأقل ثورة خضراء. وأكد أن إهمال القطاع الزراعى يعد احد أهم العوامل الكامنة وراء تعميق العجز الغذائى فى مصر، بالإضافة إلى عدم جدوى السياسات الزراعية المتبعة للحد من التبعية الغذائية للخارج وتحقيق الاكتفاء الذاتي، محذرا من تداعيات تأثير الأزمة المالية على القطاع الزراعي، مما يهدد عمليات التنمية الزراعية، مشيرا إلى ان انخفاض الاستثمارات فى قطاع الزراعة سيؤدى إلى انخفاض فرص العمالة فى هذا القطاع، ودخول فئات جديدة خاصة من المجتمع الريفى تحت خط الفقر، بالإضافة إلى حدوث هجرة محتملة من أبناء الريف خاصة فى الوجه القبلي، وظهور نمط الإنجاب التعويضى بشكل كبير بسبب تزايد الفقر. وتوقع أن يتفاقم الوضع الغذائى العالمى خاصة إذا أثرت الأزمة المالية على التزامات الدول المانحة على الدعم المقدم للقطاع الزراعى فى الدول النامية ومنها مصر، فإن مثل هذه الخطوات ربما تزيد من مخاطر وقوع أزمة غذاء أخرى اشد شراسة ومن المنطقى أن حالة انعدام الاستقرار الكبير القائمة حاليا فى أوساط الأسواق المالية الدولية ومخاطر الركود الاقتصادى العالمى ربما تدفع البلدان إلى اتخاذ إجراءات الحماية التجارية وإعادة تقييم التزاماتها بصدد المساعدات الإنمائية الدولية. ولفت إلى أن مصر تتجه حاليا نحو مراجعة آليات دعم التنمية الزراعية بما يضمن إعادة توجيه الموارد داخل القطاع الزراعى وتطبيق سياسات الدعم المشروط التى تتبناها دول الاتحاد الأوروبى ووضع الإطار المؤسسى اللازم لدعم صيانة وإدارة المخزون الاستراتيجى المستهدف على أن يتضمن ذلك مشاركة القطاع الخاص فى إدارة وتدوير المخزون بالإضافة إلى إنشاء جهاز لتنمية التجارة الداخلية لتيسير حصول المستثمرين على الاراضى اللازمة لإنشاء المراكز التجارية والتوسع فى إنشاء نقاط للتخزين والتوزيع بجوار الاراضى الزراعية. وطالب د. محمد ريحان بضرورة أن يتم تناول سياسات الدعم للقطاع الزراعى فى مصر فى إطار من الاهتمام، لأن المنتج الزراعى المصرى جزء من المنظومة العالمية ولا ينفصل عنها، وبالتالى فإنه فى ظل وجود الدعم الأوربى والأمريكى لمنتجاتها سوف يتعرض المنتج المصرى لظلم فادح، ومن ثم تزداد اقتصاديات الدول النامية تدهورا مع استمرار دعم القطاع الزراعى والصادرات الزراعات مع تدنيتها أو إلغائها فى الدول النامية ومصر من بينها. وشدد على أهمية دعم القطاع الزراعى المصرى بشكل مباشر وغير مباشر، وذلك أسوة بما هو قائم سواء فى الولاياتالمتحدة أو الاتحاد الاوروبى، لأن المزارع فى الدول النامية وفى مصر بصفة خاصة يحتاج إلى الرعاية والعناية فهما الطريق لمواجهة الأزمة الغذائية من جهة وهما الطريق لمواجهة الأزمات الاقتصادية والكساد العالمى من جهة أخرى ، ذلك لان الدول الزراعية المنتجة هى أكثر الدول ملائمة لمواجهه مثل هذه الأزمات. وخلص إلى أن سياسات الدعم للقطاع الزراعى عديدة ومتنوعة وضرورية فى نفس الوقت، لان العائد على الاستثمار اقل كثيرا وخاصة لصغار الزراع، ومن ثم فانه حتمى فى ظل الأوضاع المحلية والعالمية الراهنة، وبطبيعة الحال فان هذا الدعم يمكن أن يكون الطريق لتخطيط الإنتاج من جانب ولجذب الاستثمارات من جانب أخر حتى يمكن مواجهة بعض سياسات التحرر الاقتصادي، ووصولا إلى الاستخدام الاقتصادى الأمثل للموارد المتاحة وخاصة الموارد المائية.