هاني الفرماوي لا اعرف سببا لهذا الشعور القاتل الذي يجتاحني ولا املك تفسيرا لكل ما أمر به في حياتي من تخبطات واحباطات سوي ذلك الالم الذي يسكنني ويجعلني اشعر انني عدت أعواما واعواما للوراء، واني سافرت في الزمان الي اقصي ما عاني الانسان فيه من ظلم وقمع واضطهاد، بل احيانا كثيرة اجد نفسي اكثر ألما من ذلك الرجل الذي ظل يحمل صخرة فوق كتفيه صاعدا بها في اتجاه قمة جبل شاهق الإرتفاع، ومع كل خطوة تتجدد اماله في الحياه مره اخري، كل خطوة تداعبه احلام اليقظة، تخبره ان عذابه الابدي قد قارب علي الانتهاء، ان عزيمته وقوته ورغبته في الحياة قد توصلانه الي شئ من الراحة بعد ان تجرع امر جرعات الالم واليأس، هذا الرجل الذي نزف عمره عرقا ودما فوق صخر جبل ملتهب، يدفع صخرته بقدميه الحافيتين ويديه العاريتين، حتي يتلاشي كل شئ ويعود ثانية الي نقطة الصفر، وتهوي من بين يديه الصخرة ليهوي خلفها الي سفح الجبل مرة اخري ليعاود المحاولة دون فائدة مرات ومرات ومرات إلي الأبد،، إذا كنت قد اجدت التعبير عما تختلج به نفسي فسوف اجيده عندما اقول ان حالتي الخاصة تمثل جزءا صغيرا لا يتجزأ من ملايين الحالات التي تعيش علي أرض مصر تحمل الصخر املا في الوصول إلي قمة جبل تربعت عليه فئة قليلة من السادة، فئة قليلة تحكم شعبا كلما اوشك علي ادراك القمة يجد ارجلهم تدفع الصخر من فوق اكتافه، لا لإنهاء معاناته،انما ليعاود الكرة مرة اخري ليكمل العقاب الأبدي الذي أصدرته محكمة الحزب الحاكم وجندت من أجله كل امكانيات وثروات الشعب ليظل دائما وأبدا منكلا يحمل فوق عنقه هامات لاتجرؤ علي النظر لأعلي، بل لا تجرؤ علي مجرد التفكير في تغيير شئ من الواقع المرير الذي يعيشونه،، فمصر بكل فئاتها اصبحت عاجزة أمام القوي المفرطة التي يتخذها النظام سبيلا للسيطرة علي عقول الشعب المصري للقضاء علي أي بصيص للأمل قد يدفع الناس لترك السلبية المتوارثة لديهم من جيل إلي جيل، ونهر سياسة التجويع والحرمان التي يمارسها النظام، فالشعب المصري يعاني الفقر المدقع في ظل غلاء لا يرحم، كما يعاني المرض وقلة الرعاية الصحية ونقص الخدمات الضرورية اللازمة لحياة آدمية تتناسب مع موارد دولة كبيرة مثل مصر، بينما يعيش أولائك السادة وأتباعهم عيشة رغده في قصور فارهة فاقت قصور ملوك روايات ألف ليلة وليلة!! فالشعب المصري لا يحمل صخرة واحدة فقط فوق أكتافه، انما توجد آلاف الصخرات تسحق عنقه كل يوم، فإذا دققنا النظر فيما حولنا من فساد ومحسوبية ونفوذ سندرك حقيقة مايدور في كل ركن من اركان هذه البلاد، سندرك حقيقة سياسة القمع المتبعة ضد الشعب المصري كي يظل دائما جثة هامدة العقل في تابوت من التغيب والسطحية وانعدام الثقة في أي صوت ينادي بالتغيير، ناهيك عن المؤامرات القذرة التي يعدها أبالسة النظام ممن باعوا انفسهم واماتوا ضمائرهم كي يشوهوا الرموز الوطنية آملين ان تشويه صور الآخرين سيجمل من صورهم القبيحة التي ارغمونا عليها وارغموا شعبا من اعظم الشعوب علي رؤيتها حتي نجحوا في تحويله إلي مجموعات من عرائس الماريونت التي يحركونها يمينا ويسارا كما يشاءون. فكيف يمكن لحكومة استبدلت أعضاءها من اساتذة جامعيين ومفكرين بمجموعة من المرتزقة ورجال الأعمال والمليونيرات الذين لا يهمهم سوي انفسهم فقط ان يدفعوا هذا البلد نحو الامام؟؟ وكيف لمن ملأ قلبه الجشع والطمع ان يوافق علي تمرير قانون يخدم مصالح الفقراء والمحتاجين ومحدودي الدخل؟؟ فعلي سبيل المثال هل يمكن لرجل البرلمان الذي يمتلك مصنعا او مؤسسة ما، ان يساند قانون يرفع من مستوي دخل العامل البسيط، دون ان يضع في الحسبان ان ثروته التي تنمو بكد وعرق هذا العامل سوف يستقطع منها جزء ضئيل قد يكون سببا في توفير جزء بسيط مما يستحقه هذا الكادح؟؟ وهل يمكن ان يتنازل عن استعباد واستنزاف طاقات هذه العمالة حتي اخر قطرة من دماءهم بإجبارهم علي العمل ساعات اضافية دون مقابل كي يزيد ارباحه وثروته؟؟ لا يوجد احتمال ولو ضئيل ان تكون الاجابة علي هذه التساؤلات "بنعم" فمن يخدم النظام من اجل مصلحته لا يمكن ان يشعر بمعاناة الفقراء والمحتاجين،، وسيظل سيزيف "المواطن المصري" يحمل معاناته وآلامه فوق اكتافه في ظل القهر والاستبداد والفقر والمرض إلي أجل غير مسمي.