فى لقائه مع منى الشاذلى سهرة الأربعاء بدا دكتور سيد متناقضا تماما مع مستر بدوى، إذ قال الشىء ونقيضه فى الجلسة ذاتها، فالرجل يقطع بأن علاقته بصحيفة الدستور الذبيحة انتهت تماما، ولا يملك من أمرها شيئا، ثم يعود ويطلق وعودا بتبنى مطالب محررى الجريدة استغلالا لعلاقته الوطيدة بالمالك الجديد. قبل ذلك برر البدوى وشريكه ادوارد قرار إزاحة إبراهيم عيسى بأن وجوده كان معوقا لانطلاق المشروع إعلانيا واقتصاديا، ثم اعترف فى العاشرة مساء بما اعتبره سرا جديدا وهو توقيعه على عقود إعلانات بنحو 22 مليون جنيه سنويا بعد أن اشترى الدستور. وفى حدود معلوماتى المتواضعة فإنه لايعقل أن يقدم أحد من المعلنين على دفع كل هذه الملايين لوضع إعلاناته فى صندوق فارغ لا يجذب أحدا. لم أستوعب أيضا، ولا أستطيع أن أصدق، أن الصدفة البحتة كانت وراء شراء البدوى للدستور ثم استقالته وبيع أسهمه بعد نجاح عملية التخلص من إبراهيم عيسى. مرة أخرى، التوقيت مريب والسيناريو لايدخل عقل طفل، لأن الرجل الذى استطاع تكوين امبراطوريته فى الإعلام وصناعة الدواء فى غضون سنوات لا يمكن أن يدير استثماراته وصفقاته بالصدفة، ولا يقدم على دفع مبالغ هائلة لكى يحول صحيفة ناجحة إلى مجرد صندوق فارغ. الأكيد أن هذه العملية الخاطفة تمت لصالح أطراف خفية، صحيح أن النظام مستفيد مما جرى لكن ليس بالضرورة أن يكون هو واضع السيناريو أو المنتج المنفذ. إننا للأسف نعطى النظام أكبر من حجمه فى هذا النوع من العمليات الخطيرة التى لايقدر عليها إلا شياطين البيزنس البارعون فى خصخصة المخصخص وتأميم المؤمم، باعتبارهم أمة رأسمالية واحدة ذات رسالة خالدة، نجحت فى تفريغ مفهوم الوطن من محتواه المعروف، وتحويله إلى «مجموعة» تضم عدة شركات على رأس كل واحدة منها رجل أشبه بحاكم ولاية، ولم يعدموا نفرا من الثوريين المزيفين السابقين يهتفون بأسمائهم على الهواء مباشرة. غير أن الصادم فى حلقة منى الشاذلى المثيرة أن يخرج نقيب الصحفيين ليقول إن النقابة ليست طرفا فى الموضوع، وكأنها مجرد وسيط أو فندق يحتضن المفاوضات ليس أكثر، أو ربما كان يعتبر سكان الدستور الأصليين مجموعة من المسافرين تعرضوا لخديعة من توكيل رحلات سياحية. النقابة طرف يا سيادة النقيب، كما أن دكتور بدوى لاعب رئيسى فى الأزمة رغم بيعه أسهمه لصالح مستر إدوارد، فالأول يذرف الدمع ساخنا على عيسى ودستوره والثانى يواصل مهمته فى تغيير الجغرافيا السياسية والتحريرية للجريدة لإنشاء واقع جديد.