جدول امتحانات الصف السادس الابتدائي 2025 الترم الثاني محافظة قنا    البورصة المصرية تخسر 17.2 مليار جنيه في ختام تعاملات الأحد    تبدأ من 5 جنيهات.. أسعار تذاكر ركوب الأتوبيس الترددي    مجلس الوزراء: مصر ضمن أفضل 12 دولة أداءً بمؤشر الأمن السيبراني العالمي    وزير الكهرباء: القطاع الخاص شريك فى مشروعات الاستراتيجية الوطنية للطاقة    غارات إسرائيلية على غزة توقع أكثر من 100 قتيل    السيسي يستقبل كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشئون العربية والشرق أوسطية والأفريقية    انطلاق بطولة بالم هيلز المفتوحة للإسكواش 22 مايو برعاية كايرو ثري ايه    وكيل تموين قنا: توريد 152 ألف طن من القمح إلى الشون والصوامع    «رغم تنازل الأب».. النقض تسدل الستار بإعدام طالبة بورسعيد.. والنيابة: الحية التي قتلت والدتها    مجلس الشيوخ يستقبل وفد تحالف الأحزاب المصرية خلال الجلسة العامة    محافظ الدقهلية يتفقد أعمال المرحلة الأولى بنادي المنصورة الرياضي فرع جمصة    حماس: الإدارة الأمريكية تتحمل مسئولية المجازر الإسرائيلية بغزة    النواب يوافق نهائيًا على العلاوة الدورية وزيادة الحافز الإضافي للمخاطبين وغير المخاطبين بالخدمة المدنية    وفاة بالسرطان.. ماقصة "تيفو" جماهير كريستال بالاس الخالدة منذ 14 عامًا؟    سويلم يوجه بإزالة تعدٍ بحرم النهر بأسوان ومحاسبة المتسببين في تلوث مصرف السيل    لدعم الاستثمار.. انطلاق القمة العقارية المصرية السعودية    ضبط شخص غافل آخر وسرق منه مبلغا ماليا بالقاهرة    جولة محافظ الدقهلية في ميدان الشيخ حسانين وشارع السلخانة بالمنصورة    بدائل الثانوية العامة 2025.. شروط الالتحاق بمدرسة العربى للتكنولوجيا التطبيقية    عاجل.. تأجيل اعادة محاكمة متهم ب "خلية هشام عشماوي"    متحف تل بسطا ينظم احتفالية بمناسبة اليوم العالمى للمتاحف    حفيد عبدالحليم حافظ عن وثيقة زواج "العندليب" وسعاد حسني: "تزوير وفيها غلطات كارثية"    الخشت يترأس جلسة علمية ويطرح رؤية علمية شرعية متوازنة    محافظ الدقهلية يفتتح الوحدة الصحية بالشيخ زايد بمدينة جمصة    التعليم العالي: قافلة طبية من المركز القومي للبحوث تخدم 3200 مريض    مشروبات تهدد صحة الكبد والكلى.. ابتعد عنها    التريلا دخلت في الميكروباص.. إصابة 13 شخصًا في حادث تصادم بالمنوفية    فيديو.. لحظة اصطدام سفينة بجسر في نيويورك ومقتل وإصابة العشرات    خذوا احتياطاتكم.. قطع الكهرباء عن هذه المناطق في الدقهلية الثلاثاء المقبل لمدة 3 ساعات    بعد عرض "كله مسموح".. كارول سماحة تشكر فريق المسرحية والجمهور    "راقب جسمك".. احذر 5 علامات تشير إلى فشل كليتيك    موعد مباراة المغرب وجنوب أفريقيا في نهائي كأس أمم أفريقيا للشباب    أوكرانيا تعلن ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 973 ألفا و730 فردا    حكاية عامل ميت عقبة.. قتل صديقه ومزّقه أشلاء بسبب زوجته    اليوم في "صاحبة السعادة" حلقة خاصة في حب نجم الكوميديا عادل إمام أحتفالا بعيد ميلادة ال 85    هيقفوا جنبك وقت الشدة.. 5 أبراج تشكل أفضل الأصدقاء    في أجندة قصور الثقافة.. قوافل لدعم الموهوبين ولقاءات للاحتفاء برموز الأدب والعروض المسرحية تجوب المحافظات    مركز الازهر للفتوى الإلكترونية يوضح عيوب الأضحية    مستشهدًا ب الأهلي.. خالد الغندور يطالب بتأجيل مباراة بيراميدز قبل نهائي أفريقيا    النائب عبد السلام الجبلى يطالب بزيادة حجم الاستثمارات الزراعية فى خطة التنمية الاقتصادية للعام المالي الجديد    نماذج امتحانات الصف الثاني الثانوي pdf الترم الثاني 2025 جميع المواد    رومانيا.. انتخابات رئاسية تهدد بتوسيع خلافات انقسامات الأوروبي    «أنتم السادة ونحن الفقراء».. مشادة بين مصطفى الفقي ومذيع العربية على الهواء    1700عام من الإيمان المشترك.. الكنائس الأرثوذكسية تجدد العهد في ذكرى مجمع نيقية    زيلنسكى ونائب ترامب وميلونى.. الآلاف يحضرون حفل تنصيب البابا لاون 14    وسائل إعلام إسرائيلية: نائب الرئيس الأمريكي قد يزور إسرائيل هذا الأسبوع    متى تقام مباراة اتلتيكو مدريد ضد ريال بيتيس في الدوري الاسباني؟    الرقية الشرعية لطرد النمل من المنزل في الصيف.. رددها الآن (فيديو)    في ذكرى ميلاده ال 123، محطات فى حياة الصحفي محمد التابعي.. رئاسة الجمهورية تحملت نفقات الجنازة    «الرعاية الصحية» تعلن اعتماد مجمع السويس الطبي وفق معايير GAHAR    مصطفى عسل يهزم علي فرج ويتوج ببطولة العالم للإسكواش    براتب 15 ألف جنيه.. «العمل» تعلن 21 وظيفة للشباب بالعاشر من رمضان    النسوية الإسلامية (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ): أم جميل.. زوجة أبو لهب! "126"    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. في أول ظهور له.. حسام البدري يكشف تفاصيل عودته من ليبيا بعد احتجازه بسبب الاشتباكات.. عمرو أديب يعلق على فوز الأهلي القاتل أمام البنك    سيراميكا كليوباترا يقترب من التعاقد مع كريم نيدفيد    الأزهر: الإحسان للحيوانات والطيور وتوفير مكان ظليل في الحر له أجر وثواب    حكم صيام الأيام الثمانية الأولى من ذي الحجة.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعذيب.. بنظام «خدمة التوصيل إلى المنازل» - سعد هجرس – المصرى اليوم
نشر في مصر الجديدة يوم 20 - 07 - 2010

للتعذيب ظاهرة قبيحة متوطنة فى مصر منذ قديم الزمان وإنكار وجودها أمس أو اليوم جريمة لا تقل بشاعة عن بشاعة التعذيب ذاته.. لأن هذا الإنكار يعنى التعتيم على استمرار هذه الوحشية، ويعنى التستر على من يقومون بارتكابها، ويعنى تشجيع غيرهم على التمادى فى ممارستها، رغم ما يترتب عليها من آثار سياسية واجتماعية وإنسانية سلبية بالغة الخطورة، شأنها فى ذلك شأن ظاهرة الفساد التى أصبحت وباءً اجتماعيا واقتصاديا، ومع ذلك تصر الحكومة على أنها «أحداث فردية»!
وإنكار وجود التعذيب تفنده أدلة دامغة كثيرة، أكثر من الهم على القلب، ويكفى أن نلقى نظرة خاطفة على الأدب المصرى القديم والحديث، فضلا عما تركه لنا المؤرخون من روايات مرعبة عن تلذذ الحكام- ومعظمهم من الأجانب المستعمرين والمماليك المجلوبين من آسيا الوسطى- تلذذهم بابتبداع أساليب جهنمية فى تعذيب المصريين والتنكيل بهم لسبب وبدون سبب.وعندما استقلت البلاد، ظن المصريون أن انتقال الحكم إلى أيد وطنية سيضع نهاية لهذه الوحشية، لكن سرعان ما تبين أن التعذيب ظاهرة عابرة للعصور، وأن «طبيعة» النظام قد تتغير، لكن «طبعه» لا يتغير أبداً، وكان التعذيب واحدًا من أوائل هذه «الثوابت»، التى استمرت من عصور «الاحتلال» وازدهرت فى عصور «الاستقلال»، بل إن الحكم «الوطنى» كان فى كثير من الأحيان أشد قسوة فى لجوئه إلى هذا السلاح الحقير.
ولا يكاد يوجد تيار سياسى نجا من هذا البطش الرهيب، فالشيوعيون تعرضوا لتعذيب رهيب فى السجون والمعتقلات قبل ثورة 23 يوليو وبعدها.والأعجب أنهم رغم مشاركة بعضهم فى دعم حركة الضباط الأحرار قبل 23 يوليو 1952- بصورة مباشرة وغير مباشرة- ورغم نضالهم ضد النظام الملكى وتعرضهم للتنكيل على أيدى رجاله، فإنهم تعرضوا لتنكيل أكبر على أيدى رجال «الثورة»، واستشهد عشرات منهم فى معتقلات جمال عبدالناصر تحت وطأة تعذيب تشيب لهوله الأبدان لمجرد استرجاع تفاصيله الوحشية، ومن نجا من الموت ظلت آثار التعذيب الوحشى على جسده طول العمر، علمًا بأن من هؤلاء أبطالاً أسطوريين فى مواجهة هذا البطش الجبان.. نذكر منهم على سبيل المثال الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله والدكتور فؤاد مرسى والمهندس فوزى حبشى والدكتور فخرى لبيب وغيرهم عشرات من المناضلين، الذين تحملوا ما لا طاقة لبشر على احتمال عشر معشره، والكتابات عن ذلك العار أصبحت كثيرة ويمكن للأجيال الشابة أن ترجع إلى ما تتضمنه من شهادات مكتوبة بالدم.. كذلك الحال بالنسبة للإخوان المسلمين الذين تعرضوا لصنوف شتى من التعذيب البشع، والكتابات الإخوانية بهذا الصدد كثيرة أيضًا ومروعة جدًا.
ورغم أن الشيوعيين والإخوان المسلمين بينهم أكثر مما صنع الحداد، فإن تاريخ المعتقلات والسجون المصرية حافل بأشكال متعددة من التضامن فيما بينهم فى أوقات المحن والشدائد، وكثيرًا ما قام الشيوعيون بالإضراب عن الطعام احتجاجًا على إساءة معاملة المعتقلين من الإخوان المسلمين، والتهديد بأنهم لن يقوموا بفك الإضراب إلا بعد وقف تعذيب المعتقلين من الإخوان.
كان ذلك مثار دهشة السجانين، الذين كانوا يضربون كفا على كف ويقولون: كيف تضربون عن الطعام وتعرضون حياتكم للخطر من أجل أناس يعلنون على الملأ أنهم أعداؤكم وأنهم لن يعودوا عن الفتك بكم إذا سنحت لهم الفرصة؟!وكان الرد الدائم هو: المواجهة السياسية بيننا وبين الإخوان المسلمين فى الشارع شىء والوقوف إلى جانبهم فى المعتقل وفى مواجهة التعذيب وسوء المعاملة قضية أخرى تمامًا، القضية الأولى قضية سياسية والمسألة الثانية مسألة إنسانية ولا يجب خلط هذه بتلك.ولا يقتصر التعذيب على السياسيين المعارضين لنظام الحكم فى مختلف العصور، بل يمتد إلى جميع المواطنين «العاديين»، الذين لا ناقة لهم ولا جمل فى السياسة ولا يقتربون من الاهتمام بالشأن العام بأى صورة من الصور.بل إن تعذيب المواطنين غير المسيسين هو الأكثر شيوعًا وربما الأكثر قسوة والأكثر عبثية فى بعض الأحيان، حيث يكون بلا مبرر «وهو فى كل الأحوال غير مبرر» بل يكون «التعذيب للتعذيب» فقط إذا استعرنا تعبير «الفن للفن» أى يكون من أجل «استمتاع» من «يتسلى» بممارسته!والخطير أن هذه «التسلية» أصبحت ظاهرة شائعة فى كل أقسام الشرطة ومنتشرة انتشار لعبتى «الطاولة» و«الدومينو» على القهاوى!
وما حدث للشاب السكندرى خالد سعيد هو مجرد مثال لذلك، ولم يعد مقبولاً القول بأن ما حدث لهذا الشاب المسكين مجرد «حادث فردى» لأننا جميعا نعرف أن سوء المعاملة هو القاعدة وليس الاستثناء، ولدينا الآن تقارير وتقارير أخرى لمنظمات حقوقية تشمل رصدًا لأسماء مصريين قتلوا من جراء التعذيب فى أقسام البوليس، ولدينا الآن إحصائيات صادرة من وزارة الداخلية- وليس من أى جهة أخرى- عن تقديم ضباط وضباط صف إلى المحاكمة الجنائية وصدور أحكام ضدهم بتهمة تعذيب مواطنين ولدينا شكاوى كثيرة لم يتم تقديمها إلى القضاء من تعرض مصريين أبرياء للتعذيب.كما أن لدينا بالنسبة للسياسيين عدداً معتبراً من أحكام القضاء، التى تتضمن رصدًا وإدانة لأشكال شتى من تعذيب المعارضين، وقد استشهد الكاتب النبيل والذكى الأستاذ نبيل زكى بعدد من هذه الأحكام فى مقاله بجريدة «الوفد» يوم السبت الماضى.
إذن.. لم يعد يجرى تبرير هذه الظاهرة الحقيرة بأنها «أحداث فردية» فهى ليست كذلك بكل تأكيد.والاعتراف بأنها ليست كذلك لا يعنى بالضرورة التحامل على أجهزة الأمن المصرية أو إنكار دورها ودور معظم رجالها فى الحفاظ على أمن الوطن.العكس هو الصحيح.. ألا وهو أن هؤلاء الذين يمارسون تعذيب المواطنين، بما فى ذلك الخارجون منهم عن القانون، هم الذين يسيئون إلى مؤسسة الأمن ويشوهون - بممارساتهم القبيحة وغير المهنية- إنجازات الأغلبية من أبناء هذه المؤسسة فى جميع المجالات.
■ ■ ■
ولعل مظاهرة الإسكندرية التى اجتذبت أكثر من عشرة آلاف شخص تدفقوا إلى شوارع الثغر، احتجاجًا على تعذيب الشاب خالد سعيد أن تكون منعطفا فى التعامل مع هذه الظاهرة، وأن يستوعب كل الأطراف مغزاها العميق، فهؤلاء الآلاف ليسوا أقارب خالد سعيد، ولا من معارفه، وكثير منهم ربما يعجبون بشخصيته أصلا، لكنهم جميعا تظاهروا دفاعاً عن «كرامة» المصريين، وهذه مسألة ملفتة للنظر، حيث يقول لنا التاريخ إن ثورات المصريين- على عكس بلاد الدنيا كلها- لا تندلع من أجل الخبز، بل تندلع من أجل الكرامة.. كرامة مصر وكرامة المصريين.وهذا هو أحد الأمور، التى يجب أن ندرك مغزاها فى مظاهرة الإسكندرية التى تعد- حتى الآن- أكبر مظاهرة عرفتها مصر فى السنوات الأخيرة، بما فى ذلك المظاهرات التى خرجت من أجل الأجور ولقمة العيش.
■ ■ ■
وليس المطلوب الآن التنديد فقط بالتعذيب أو استنكاره، المطلوب أكثر هو الاتفاق على آليات محددة لوقفه وهذه الآليات بعضها تشريعى وبعضها الآخر تنفيذى عاجل.من هذه الأبحاث التشريعية إعادة تعريف التعذيب فى الترسانة القانونية المصرية وتغليظ عقوبته وسد الثغرات التى يفلت منها مرتكبوه حاليًا.أما الآليات التنفيذية.. فهى كثيرة لكن معظمها يعتمد على اقتناع أجهزة الأمن بأن منع هذه الظاهرة هو أقصر الطرق للحفاظ على الأمن وليس العكس، وأنه تجب إعادة تأهيل العاملين فى هذه المؤسسة الأمنية وتثقيفهم بثقافة حقوق الإنسان ونبذ أساليب التعذيب وشتى صور الإكراه البدنى والنفسى.وارتكازًا على هذه الثقافة البديلة يمكن مطالبة المؤسسة الأمنية بالاستعانة بمنظمات حقوق الإنسان وإشراكها فى الإشراف المشترك على أماكن احتجاز المواطنين بأقسام الشرطة، والحرص على حضور عناصر منها كمراقبين فى بعض مراحل التحقيق.المهم.. أن نبتكر مبادرات وطنية للتخلص من هذه الوصمة، التى تقتل روح الانتماء فى الداخل، وتسىء إلى بلادنا فى الخارج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.