بعد يوم عمل شاق في ربوع القاهرة؛ ذهاباً و إياباً؛ وصلت إلي المنزل متأخراً؛ بدأت ألملم أوراقي الخاصة؛ و اجلس للكتابة و هي عاداتي اليومية بعد أن أطالع صحف اليوم التي لم أستطع قراءة موضوعاتها في الصباح و تركتها للماء لكي أقوم ببعض التعليقات؛ و إدخال بعضها الآخر للأرشيف؛ و إذ بمنادٍ ينادي بالشارع ليلاً؛ اقرأ الحادثة؛ السيدة التي قتلت زوجها في شارع العشرين؛ الزوجة الخائنة تعترف أمام النيابة؛ الجريمة التي هزت شارع العشرين بعين شمس؛ ذعر النساء و الأطفال من مشاهد الجريمة؛ الحادث المروع؛ أستطاع المنادي أن يجذب أذان المستمعين؛ و أكثر عدد من الناس إلي الشرفات؛ بل بداء البعض و خاصة النساء يلقون بأسبتتهم لشراء العدد ( ربما من أجل غرض في نفس يعقوب؛ أو الكلام .... بإجازة أو خلي بالك يا أبو العيال ) الأطفال و المراهقون يريدون معرفة تفصيل الحادث؛ .... لا أحد يعرف هذه السيدة أو يعرف أولادها؛ و بسرعة غريبة و مدهشة أشتري عدد كبير في الجريدة ( .... ) و بدء البحث عن قصة الجريمة في طيات الصفحات؛ انصرف الشابين اللذان يحملان هذه الصحيفة إلي الشراع الخلفي؛ بعد نسبة مبيعات لا بأس بها؛ تسللت وراءهم بهدوء؛ ليتكرر نفس المشهد أمامي في هذا الشارع؛ مشهد توزيع الجريدة بنفس الطريقة؛ و باع الشابين و انصرفا راشدين سعداء؛ جائني أحد الشباب يسأل أرجوك ابحث معي عن هذه الجريمة التي حدثت في شارع العشرين؛ قلت له أنا لم أقرأها بعد؛ لكنني سوف أنظر معك؛ فتحت الجريدة ؛ يا لهول .... كلها فضائح و جنس و شذوذ؛ و قتل و عري .... إلخ إلخ. " مني إستعانت بعشيقها لقتل الزوج " خبر ربع صفحة من القطع المتوسط؛ مثل التي تأتي ملحق بالجرائد الحكومية ما هذا يا سادة؛ فشلت الصحف الصفراء في اجتذاب قارءها في الشارع؛ فشلت في التوزيع و شد القاريء حتي بالأخبار السوقية؛ مثل إحدي هذه الجرائد هذه الأسبوع و للأسف منشور الإعلان الخاص بها في صحيفة الأهرام و تدعي " حوادث المشاهير " نشرت هذا العنوان الدال صابرين تخصص جمع بين الأزواج ولا نعرف صابرين الممثلة أم العاهرة؛ و تفتح لا تجد أسم صابرين ولا يحزنون. و بموازاة ذلك نبرر رغبات محمومة في الترويج للفضائح لأسباب عديدة؛ بدل من قصص السلعوة؛ و العفاريت؛ و إشاعات أساطير الزئبق الأحمر؛ و التماسيح ؛ و ظهور مربح العزراء؛ و الفتنة الطائفية بالأسكندرية؛ و الصعيد؛ قصة الراهب الشاذ؛ و الشذوذ الجنسي عند الفنانين؛ و رغم أن هناك قصص واقعية لأشخاص اشد غرابة من العفاريت و أكثر سطوعاً من الزئبق الأحمر؛ لكن حكايات الجنس و الشذوذ و الضياع؛ و التفكك الأسري تستهوي هذه الصحافة؛ أكثر من ذلك ظهرت شخصيات فنية تستهوي القضية و تبحث عنها؛ فإن لم تجد صنعتها بمهارة و قدمتها علي طبق في ذهب لتخدم الصحافة الصفراء و القنوات الحمراء؛ لقد أنتشرت في السنوات الأخيرة مكاتب بواجهة رسمية و غير رسمية لصناعة الأزمات الداخلية ثم حلها؛ كما انتشرت في فترات سابقة مكاتب لصناعة النكات و ترويج الإشاعات؛ و شيئاً فشيئاً برزت و نبرز هذه الأيام هذه الصحافة؛ و يعد فشلها الزريع في إجتذاب القاريء المحترم و صاحب الثقافة بدأت تروج بطريقة أخري طريقة الميكروباصات؛ العرض السريع و الكاذب في كل منطقة يكتبون عن حادث سواء حقيقي أو مفتعل؛ و ينزل باعة محترفون مدربون جيداً علي كيفية عمل و عرض الإعلانات قبل الباعة الجائلون؛ معيا فلاية تنزل كل أملاية " ولاعة تولع في المحيط " اشتري يا بيه اشتري يا باشا؛ جاء اليوم الذي نقرأ الصحافة من هذه النوعية بالعفية؛ و لسان حال هؤلاء يقول نعدكم غداً بفضيحة جديدة تشد أنتباهكم و تخرجكم من واقعكم؛ و نعدكم ان نرجع لكم في هذه المنطقة بفضيحة و حادث جديد..و اللي يعيش ياما يشوف.