قبل التدهور المفاجئ فى حالته الصحية أجرى عبود الزمر القيادى الجهادى المحبوس على ذمة قضية اغتيال الرئيس السادات حوارا مطولا مع زوجته أم الهيثم، تحدث فيه عن رحلته فى السجون عقب اعتقاله بعد حادث المنصة من سجن المخابرات الحربية إلى السجن الحربى ثم سجن القلعة مرورا بسجن طرة ثم تغريبه إلى سجن أبوزعبل ووادى النطرون وأخيرا انتقاله إلى سجن دمنهور. وكانت الحالة الصحية لعبود ضابط المخابرات الحربية السابق تدهورت ووصلت إلى مرحلة متأخرة، حيث أصيب الأسبوع الماضى بنزيف حاد لم يعرف الأطباء أسبابه، وعلى إثر ذلك قرر الزمر أن يودع وصيته فى النيابة العامة والتى انفردت «الشروق» بنشرها على حلقتين. حكى عبود لزوجته فى الحوار التى أجرته معه وتنفرد «الشروق» بنشره، عن يومياته فى السجن، حيث يبدأ يومه عقب صلاة الفجر بالتريض ولعب الكرة الطائرة أو تنس الطاولة يتخلل ذلك صلاة الظهر، وعصرا يجلس مع المسجونين ويصلح بين المتخاصمين منهم. وذكر عبود أنه يداوم على الدعاء للمجاهدين بالنصر والتمكين للإسلام، وقال إن «السجن يعطى فرصة للإنسان للوقوف مع النفس ومراجعة مشوار حياته»، مؤكدا أن السجن لم يؤثر على معنوياته ولم يفت عضده بل زاده قوة وصلابة. كيف تقضى يومك فى السجن؟ بعد صلاة الفجر أقول بعض الأذكار ثم أجلس للقراءة أو أنام حتى الثامنة، وبعد ذلك أخرج للتريض لمدة ساعة، ثم أعود لتناول الإفطار والشاى مع أخى طارق وعدد من زملائى، وربما حضرت بعض الدروس للاستفادة، وربما ألقيت بعض الدروس على إخوانى من الجيل الجديد وأنتهز الفرصة التى أكون فيها متوضئا لقراءة القرآن أو صلاة بعض السنن.. وحين أكون مسئولا عن الجوانب الإدارية أتابع أعمال المسئولين وأقوم بتصريف الأمور وحل المشكلات والمصالحات بين الزملاء بالتعاون مع بعض الأصدقاء، يتخلل ذلك صلاة الظهر فى جماعة ثم العصر، وأتناول طعام الغداء قبل العصر أو بعده، وأحيانا أحضر بعض المواعظ فى المسجد بعد العصر، أو ألقى درسا خاصا لبعض الإخوة، وبعد ذلك أتمشى قليلا أو أمارس رياضة الكرة الطائرة أو كرة اليد أو تنس الطاولة حسب حالتى الصحية والبدنية على طول فترة سجنى ثم يحين موعد غلق الزنازين قبل المغرب فأدخل فى الموعد. هذا ما يجرى بالنهار فحدثنا عن برنامجك بعد دخولك إلى الزنزانة؟ معظم أوقات الحبس قضيتها فى الحبس الانفرادى ليس من باب العقوبة ولكنه نوع من التسكين كان معتمدا معنا نحن مجموعة 1981، حيث كان العنبر مقصورا علينا وكان به عدد يكفى لأن يكون لكل واحد منا زنزانة مستقلة يضع فيها احتياجاته ويبيت فيها ليلا فقط أما فى الصباح فيختلط بإخوانه دون موانع. وبرنامجى الليلى يبدأ بالرقود على الفراش قبل المغرب لأردد بعض الأذكار فى الوقت الذى أضع فيه الطعام على الموقد لتسخينه إذا كنت صائما فى هذا اليوم ثم أدعو الله تعالى قبل الإفطار بما يفتح به علىّ ولكنى أهتم بالدعاء للمجاهدين فى شتى بقاع الأرض وبالنصر والتمكين للإسلام وتفريج كربات المعتقلين والمسجونين وبعض إخوانى بالاسم خاصة الشهداء الذين سبقوا على الطريق وأيضا أبى وأمى وبعض أقاربى من أعمامى وأجدادى وجداتى، حيث كنت أحبهم فى صغرى. وأيضا أحيانا أدعو بالهداية لعصاة المسلمين وأن يختم لى ولزوجتى وكل أحبائى بالعمل الصالح.. وكنت أشاهد التلفاز نحو ساعتين؛ أشاهد فيها بعض النشرات وجلسات مجلس الشعب والبرامج الثقافية والدينية وربما قرأت بعض المقالات فى الصحف فى هذا الوقت الذى أخصصه لمشاهداتى وقراءتى السياسية. وبعد ذلك أطالع البرنامج التعليمى والثقافى الذى أعد به نفسى وأستكمل به ما ينقصنى من علوم مهمة ويستغرق ذلك نحو ساعتين أو ثلاثة يتخلل ذلك صلاة المغرب والعشاء ثم أنام بعد الوتر كى أستيقظ عند صلاة الفجر.. وربما نمت مبكرا كى أستيقظ قبل صلاة الفجر بساعة تقريبا كى أصلى الوتر وأدعو الله ببعض الأدعية وهكذا ينتهى اليوم والليلة. حدثنا عن الدروس التى كنت تحضرها وكذلك المواعظ التى كنت تسمعها؟ كان هناك عدد من الإخوة يلقى علينا الدروس وكان من بين من استفدت، منهم الشيخ أسامة قاسم حيث أفادنى فى اللغة العربية والأصول والعقيدة والفقه. وحضرت بعض الدروس للدكتور طارق الزمر وللشيخ عاصم عبدالماجد والشيخ أسامة حافظ وراجعت ضبط قراءة القرآن على الشيخ على عبدالمنعم وقرأت بعض المتون وحفظتها مع الشيخ محمد ياسين واستمعت لمواعظ طيبة من الشيخ كرم زهدى والشيخ ناجح إبراهيم واستمعت لدروس فى السيرة النبوية للشيخ محمد إمام. وحفظت بعض أجزاء من القرآن على يد الشيخ عباس شنن وصحبت عددا من الإخوة أفادونى بالمشورة والرأى، منهم الدكتور طارق الزمر والدكتور عصام دربالة والدكتور أيمن الظواهرى والشيخ رفاعى سرور والدكتور كمال السعيد والشيخ رفاعى طه والشيخ صالح جاهين والشيخ عصام القمرى والشيخ أحمد سلامة والشيخ مجدى سالم وغيرهم من الإخوة الأفاضل شكر الله لهم. كيف كنت تصلح بين الإخوة؟ وما نوع هذه الخلافات؟ خلافات السجون أشياء بسيطة نتيجة طول الحبس وقلة عدد الموجودين وضيق المكان والضغوط النفسية الكثيرة التى يعانى منها المعتقل أو المسجون، خاصة حالة القلق على الأسرة ومصادر الدخل ومشكلات الأبناء وأمراض الآباء والأمهات فكل هذا يقود إلى حالة من التوتر تجعل الشخص سريع الانفعال فتخرج منه بعض الكلمات التى تعبر عن الضيق والغضب ولكنه سرعان ما يعود سريعا إلى طبيعته. ألاحظ أن لديكم معلومات كثيرة عن الأحوال خارج السجون كيف تعرفون ذلك؟ إنها دعوة سيدنا يوسف عليه السلام بالا تحجب الأخبار عن المسجونين كما جاء فى بعض الآثار، لذلك فإننا طوال فترة السجن كنا نتابع الأخبار من المذياع ويخبر بعضنا بعضا، ومن الصحف والمجلات فى حالة السماح بها، وعن طريق الزيارات اليومية يتم معرفة الأخبار سواء من السجون الأخرى أو الأحوال العامة فى البلاد. ولم نشعر أننا تأخرنا عن الواقع سوى فى فترات قليلة كنا فيها تحت التحقيق فى سجن القلعة أو الحربى ولكننا استعدنا هذه الفترة من المعلومات بمرور الوقت، ولقد لاحظت أننا فى السجون على إطلاع دائم بالأحوال ربما أكثر من بعض المتابعين للتطورات على المستويين المحلى والدولى وهى من رحمة الله بنا. كيف تطالعون علومكم فى المجالات المختلفة؟ كانت لدينا فرصة التقديم فى الكليات المختلفة مثل كلية الحقوق وهى أكثر كلية بها عدد كبير من الإخوة والسبب يرجع إلى الدكتور، نعمان جمعة، حيث سمح بالتقديم للإخوة على أساس أن الإطلاع على القانون يعطى فرصة جيدة للمسجون لمعرفة حقوقه وواجباته وبالتالى تمكن العديد من الإخوة من الحصول على درجة الماجستير والدكتوراة. وتقدم آخرون إلى كليات أخرى كثيرة كالآداب وكلية دارالعلوم والتجارة وغيرها من الكليات النظرية وكذلك معهد الدراسات الإسلامية وحصلوا على دبلومات عليا فى النظم السياسية والتنظيم الدولى والشريعة الإسلامية والقانون العام والعلاقات الدولية وغيرها وكل هذه الكتب الدراسية أفسحت المجال أمام من أراد المطالعة فيها لزيادة مساحة ثقافته فى قضايا وموضوعات لها أهمية واقعية كبيرة. ولقد أنشأنا مكتبة جماعية ضمت كتبا شرعية كثيرة وكذلك فى جوانب متنوعة أخرى سياسية واجتماعية وتربوية وإعلامية واقتصادية وغيرها من الكتب النافعة التى أعطت فرصة كبيرة للإطلاع وكتابة الأبحاث، وبالتالى الارتفاع بمستوى المسجونين والمعتقلين معنا فى ليمان طرة، ولا شك أن كثرة المطالعة فى الكتب هيأت لحالة النضج التى ظهرت جليا فى مرحلة التسعينيات وتشكلت بعد ذلك الرؤية الجديدة للواقع الجديد. كيف كنت تتلقى الأخبار التى تكتب عنك؟ حينما تنشر جريدة حكومية أو معارضة خبرا عنى يبلغنى بعض إخوانى فى الصباح وربما أطلع على الخبر فى نفس اليوم ليلا وأحيانا فى اليوم التالى لأن عدد المطلعين على الجريدة يكون كبيرا، والذى كان يهمنى هو صحة الخبر المنقول عنى، حيث كنت أعانى من مشكلة صياغة بعض الصحف لأخبارى بطريقة لا تروق لى خاصة إذا كتبوا كلاما لم أقله أو استنتجوا واستخلصوا نتائج لا تتفق مع الحقيقة، لأننى كنت أخاف من المسئولية الشرعية عن أقوال لم تحدث منى، وكنت أحمد الله عندما أجد أن الخبر صحيح، ولكن حين أجد الخبر على خلاف الحقيقة فإننى أسعى أولا للتوضيح لإخوانى ثم أحاول الإرسال للصحيفة للتصويب وكانت بعض الصحف تستجيب وتنشر، والبعض الآخر لا. تتعرض أحيانا للهجوم من بعض الأقلام فما حقيقة شعورك تجاه من يهاجمونك؟ فى الحقيقة لا أغضب من النقد البناء الذى يكون هدفه الصالح العام أو تصويب الأخطاء بشكل موضوعى، ولقد شكرت من قدم لى النصح حتى لو كان قاسيا، ولكنى لا أرد على من أجد فى حديثه تجاوزا لآداب النصيحة وأشعر أن القصد هو الهجوم على شخصى فهذا يعطينى نوعا من الهمة والاطمئنان على ما أنا عليه خاصة حينما يكون الناقد شخصا ينتمى إلى الحكومة أو يخاصم التيار الإسلامى كله ويريد أن ينال من بعض الشخصيات الإسلامية على الساحة فهذا لا يشغلنى سوى دقائق قليلة هى مدة الزمن الذى أقرأ فيه المقال. لديك فى مكتبتك مجموعة من الكتب المتنوعة فما هى اختياراتك لهذه الكتب؟ المكتبة تضم قسما للكتب الشرعية وتم اختيارى لها بعد مشورة عدد من إخوانى ليتحقق عندى الحد الأدنى من الكتب الشرعية التى تلائم الداعية واحتياجاته لأداء مهمته الدعوية، ومنها كتب فى الفقه والتفسير والحديث والسيرة والآداب والأخلاق والعقيدة والأصول واللغة العربية، وتضم أيضا قسما سياسيا لكى أتعرف على مشكلات العالم وكذلك التقارير الإستراتيجية للأهرام والتقرير الارتيادى الذى تصدره مجلة البيان وكتبا فى النظرية السياسية الإسلامية ومبادئ علم السياسة وقواعد التفاوض السياسى والعلاقات الدولية والقانون الدولى والتنظيمات الدولية والسياسة الشرعية والجغرافيا السياسية . ونحو ذلك من الكتب المفيدة فى الباب والتى كنت أستشير أصدقائى فى اقتنائها وكذلك قسم فى علم الاجتماع وقسم فى علم الاقتصاد وبعض الكتب المتنوعة والمنتقاه وأيضا قسم فى علم التنظيم والإدارة وبعض الكتب فى الوعظ والتربية وبعض المجلات الإسلامية كالوعى الإسلامى والمنار الجديد ومجلة البيان وبعض أعداد من مجلة السنة وكذلك المجموعة القديمة من مجلة المسلم المعاصر، حيث بها بعض المقالات البحثية المفيدة التى يحتاج المسلم إليها. تكتب الشعر من زمن بعيد.. فهل تنوى جمع أشعارك فى ديوان؟ كانت هوايتى كتابة الأشعار ولكنى انقطعت عن ذلك بعد التحاقى بالكلية الحربية ودخولى إلى معترك الحياة العملية وذهابى إلى الجبهة فلم أكتب إلا النذر اليسير وقد فقدت ذلك كله ولا أذكر منه شيئا لأننى لا أحفظ أشعارى ولكنى أحفظ أشعار الآخرين، ولقد عاودت الكتابة فى السجن مدة بسيطة فى الثمانينيات كتبت فيها بعض ما جال فى خاطرى من أفكار وما جاش فى صدرى من مشاعر، فكتبت عن الجهاد وعن الشهيد وعن النقاب وعن فلسطين وبعض الأناشيد الحماسية والأدعية وعن المحنة وغير ذلك ولكن هذه الحصيلة لا تشكل ديوانا بل هى خواطر بسيطة يمكن جمعها بعد ذلك فى كتيب صغير وأسأل الله أن يتقبل ذلك فى سبيله ويجعله فى ميزان الحسنات. نعلم أنك كتبت قصصا للأطفال فهل يمكن أن ترى النور قريبا؟ لقد كتبت مجموعة قصصية للأطفال فى سن الابتدائى تهدف إلى تعليمهم أخلاق وآداب الإسلام ويصل عددها إلى نحو عشرين قصة بعضها على لسان الحيوانات والطيور والبعض على لسان شخصيات من أبنائنا، تحقيقا للإفادة من واقع الحياة اليومى الذى نعيشه حتى يشب الطفل وقد تعلم قصة هادفة تنمى فيه صفة من الصفات الحميدة أو تنهاه عن خلق مذموم فكتبت مثلا عاقبة الكذب وعاقبة الطمع وعاقبة الغدر وأيضا بعض الألغاز مثل لغز السمكة الملونة ولغز البيض المسلوق ولغز الحقيبة السوداء ولغز الثعلب المكار.. وغير ذلك من الأفكار الهادفة.. ولكن إعدادها لتكون فى متناول أيدى الأبناء يحتاج إلى بعض الجهد لتخرج فى صورة جذابة وتحتاج إلى ناشر يهتم بتأهيل أطفالنا ولا يحمّل الأسرة تكلفة عالية فى شراء هذه المطبوعات القصصية لأطفالها. كيف تتغلب على حالة الملل التى تصيب المسجون عموما لأن هناك نوعا من الرتابة اليومية فى الحياة داخل السجون؟ الفضل يرجع إلى الله تعالى، حيث أعطانا المزيد من الصبر على هذه الأحوال الصعبة.. ولقد شاهدت بعض المسجونين فى قضايا جنائية تموت بعد أيام من الحكم عليها حزنا على الحرية.. ولكن أصحاب القضية يصمدون من أجل عقيدتهم ودعوتهم ويحتسبون الأجر عند الله تعالى ويعتبرون أن أى مكان يُقدر الله لهم العيش فيه هو مجال للعمل الإسلامى والدعوة إلى الله، وبالتالى لا فرق بين وجودهم فى السجن أو خارج السجن ثم هناك بعض الأمور تعين على تحمل المشاق وهى الاستعانة بالصبر والصلاة.. ولا شك أن الصحبة الطيبة تعين أيضا بالتخفيف من الآلام والوعظ والنصيحة وهناك أشياء أيضا مفيدة فى كسر حالة الملل هى الرياضة وبعض الروضات الترويحية التى نجتمع فيها فى المسجد ونستمع إلى بعض النوادر والفكاهة من إخوة أفاضل أرادوا أن يخففوا عنا ويجددوا نشاطنا.. وهناك أيضا الكتب الثقافية المسلية وبرامج إذاعية متنوعة ولا ننكر أيضا فضل إخواننا من المجموعات التى جاءت بعدنا فى التسعينيات، حيث زاد عدد المسجونين فى السجن وهذا أتاح فرصة الالتقاء بهم ومحادثتهم عن أحوالهم وظروف القبض عليهم وما جرى معهم فى رحلة حياتهم العملية. ولا شك أن متابعة الجرائد والتعرف على الأحداث الدائرة على الساحة المحلية والدولية أدخل علينا نشاطا وحيوية بمقدار سرعة الأحداث المتلاحقة. ولعل التنقلات التى شهدناها من سجن إلى آخر كسرت حواجز الملل التى كانت تتراكم فى المكان الواحد. وأخيرا أؤكد أن المسجون أو المعتقل الذى يعيش لهدف سامٍ وغاية نبيلة يستعين بالله تعالى فى اجتياز المحن ويبذل جهوده لاستعادة نشاطه بل وبعث النشاط والهمة فى نفوس إخوانه داخل السجون بل وربما خارجها. ما السجون التى تنقلت بينها فى رحلة سجنك؟ بداية، كنت فى سجن القلعة فترة التحقيقات ثم انتقلت إلى سجن المخابرات الحربية ثم إلى السجن الحربى ثم عدت إلى سجن القلعة فترة بسيطة للتحقيق عام 1982 ثم ذهبت إلى سجن ليمان طرة ثم إلى سجن استقبال طرة ثم عدت إلى ليمان طرة ثم تم تغريبى إلى سجن أبوزعبل نحو عامين ونصف العام ثم عدت إلى طرة ثم انتقلت إلى سجن وادى النطرون رقم 2 ثم انتقلت إلى سجن دمنهور حتى الآن. حدثنا عن علاقتك بإدارة السجن خلال هذه الرحلة؟ المبدأ العام هو أننى أنظر إلى إدارة السجن باعتبارها قطاع خدمات يقوم على رعاية المسجون وقضاء مصالحه وبالتالى لا توجد عداوة متأصلة، ولهذا فإن الجميع لهم منا المعاملة الحسنة بالمعروف وهم محل دعوتنا. فكانت سياستنا منذ البداية تقوم على الاحترام فيما بيننا ولهذا كانت الأمور شبه مستقرة فيما عدا بعض الأوقات الحرجة التى وقع فيها الهروب فكنا نتعرض للتضييقات الشديدة والتفتيش المستمر وكان يقع فيها بعض التجاوزات من جانب الإدارة وكنا نرد على ذلك ونقاوم بكل الوسائل سواء بالإضرابات عن الطعام أو برفع القضايا أو بتحريك وسائل الإعلام لنقل الصورة الحقيقية عن أوضاع السجون بهدف التخفيف ورفع المعاناة. الشعور بالظلم ودافع الانتقام ما علاقتهما عندك؟ معلوم لدى الكافة أن الضغط يولد الانفجار وأن المظلوم يسعى للانتقام من ظالمه فى أى فرصة تلوح له، ولكن دراستى الشرعية فى سيرة رسولنا الكريم وجدت فيها منهج العفو والصفح عمن ظلمه من قومه ولم ينتقم لنفسه وكان بوسعه أن يبطش بهم ولكنه لم يفعل، أملا فى هدايتهم وبالفعل هدى الله قريشا وصاروا رجالا محسنين حملوا أمانة الإسلام وفتح الله على أيديهم البلدان شرقا وغربا.. ومن هنا فإن رسولنا القدوة قد رسم لنا سبيل المسلم الذى يرجو ثواب الله تعالى ويحب الخير لأمته فاخترت العفو والصفح وعدم الانتقام من أحد ظلمنى سواء من الإخوة أو من الخصوم والأعادى وتركت ذلك، أملا فى أن يعفو الله عنى. هل نستطيع القول إن السجن غير من ملامح شخصية عبود الزمر؟ السجن فى حد ذاته يمكن أن يكون له أثر سلبى على حياة الإنسان خاصة السجن الطويل الذى قد يصيب بالأمراض وينعكس ذلك على طبيعته الشخصية فقد يصبح حاد الطبع ومتوترا وقلقا وساخطا على من ظلمه وهذه الصورة غالبا ما تظهر على المسجون فى القضايا الجنائية.. أما المسجون السياسى الذى يضحى من أجل مبادئه وعقيدته لا يجعل لهذه السلبيات طريقا إلى شخصيته بل يأخذ من السجن ما يفيده ويجعله شخصية أفضل مما كانت عليه لأن السجن يعطى الإنسان فرصة للوقوف مع النفس والنظر فى الحال ومراجعة مشوار حياته قبل السجن وهو ما يعتبر بمثابة التقويم لمرحلة كاملة لابد وأن يضعها فى اعتباره وهو يخطو نحو المستقبل فالسجن والحمد لله لم يؤثر على معنوياتى ولم يفت فى عضدى بل زادتنى المحنة قوة وصلابة وخبرات فى مجال الحياة وأتيحت لى فرصة مطالعة العلوم بشكل معقول يتناسب مع دورى فى العمل ومهمتى التى رسمتها لنفسى فى مجال العمل الإسلامى والدعوة إلى الله تعالى وبكل تأكيد تغيرت شخصيتى بمرور الوقت والتقدم فى السن وتحصيل الخبرات من الزملاء والمواقف المختلفة ولقد اتضح ذلك من خلال رؤيتى الجديدة للواقع الجديد والتى تشكلت من خلال مخزون كل خبراتى السابقة ونظرى فى معطيات الواقع ومتغيراته ومشاوراتى مع أصدقائى وزملائى ومراجعتى لأقوال السادة العلماء فى الواقع الجديد. ما أفضل شىء استفدت منه فى رحلة سجنك الطويلة؟ الفوائد كثيرة ولا تكاد تحصى، ولكن إذا كان المطلوب فى السؤال الحديث عن أهم هذه الإفادات، فيمكن القول إن الرضا بما قسم الله لى يأتى فى المقدمة وهو أن يتعلم الإنسان الرضا وهو شعور جميل جدا ويعطى الإنسان روحا معنوية عالية وصبرا على المحنة وعزيمة على المواصلة وعدم اليأس وراحة نفسية كبيرة، حيث يدرك الإنسان أن ما عند الله خير وأبقى وأن الذى أصابه لم يكن ليخطئه فلا يعتريه ندم على شىء فاته فى الدنيا.. واستفدت وقفة مع النفس راجعت فيها حياتى ورتبت فيها أمورى كى أعمل بعد ذلك على بصيرة ووضوح واستفدت صحبة طيبة مع إخوان أفاضل شكلوا معى مجموعة من العلاقات الحسنة والمحبة فى الله والتناصر فيما بيننا لخدمة هذا الدين العظيم. ولا أخفى سرا حين أقول إن الله تبارك وتعالى وقانى شرورا كثيرة، حيث لم أشاهد هذا الانهيار الأخلاقى الذى يجتاح المجتمع فكان السجن عصمة لى من مشاهدة ذلك. خرجت عدة مرات للزيارة المنزلية ما تعليقك على ما تشاهده فى الشارع عند ذهابك وعودتك؟ الطريق مزدحمة بشكل كبير ويؤكد عدم التخطيط العمرانى الجيد منذ فترة طويلة مما أدى إلى هذا التراكم البشرى الهائل وكذلك تلك الحشود من السيارات التى تقف فى صفوف على أجناب الطريق فضلا عن تلك العربات الكثيفة التى تسير فى نهر الطريق ولاحظت أن هناك انتشارا لظاهرة الحجاب وهو أمر طيب شاهدته عند مرور العربة التى أركبها أمام العديد من المدارس الإعدادى والثانوى. ولاحظت أن هناك صخبا شديدا فى الشوارع بشكل يكاد يؤذى الآذان مع وجود موسيقى وأغان لم أفهم معناها! وشاهدت شبابا يتسكع فى الطرقات ليلا أمام محال تعمل حتى الثانية صباحا وربما حتى الصباح ومقاهٍ مفتوحة يجلس عليها الرجال والنساء إلى وقت متأخر وكأنه لا يوجد عندهم عمل فى الصباح التالى فكل هؤلاء لا يمكن أن يذهبوا إلى وظائف أو مجال عمل ولكنهم بالطبع سينامون حتى الظهر! وهذا أعطانى مؤشرا لحجم البطالة وضياع الشباب وإهدار الأوقات والطاقات التى تحتاجها الأمة الإسلامية لنهضتها ورفعتها ولقد أصبح كل هذا صفة لازمة لمجتمعنا أفرزتها سياسات إعلامية وتربوية فاشلة هدمت القيم والأخلاق. هل تشعر بتقصير من المجتمع نحوك وكذلك الدكتور طارق حيث لم نشهد مطالبة بالإفراج عنكما؟ فى البداية عام 1981 كنا نشعر أن الواجب علينا هو تحرير الشعب من قبضة الاستبداد.. وبعد أن وقعنا فى الأسر وطالت فترة السجن ناشدنا منطمات المجتمع المدنى أن تعمل جاهدة على رفع المعاناة عن المسجونين والمعتقلين ولكننا لم نطالب بموقف شخصى لنا.. وأنا لا أحب أن أعتب على أحد وأطالبه بمواقف ربما تكون ظروفه لا تسمح بذلك فالمسألة متروكة حسب قدرة المنظمات الحقوقية ونسأل الله تعالى لنا الفرج من عنده. هل تطلب شيئا من المجتمع؟ أطلب الدعاء لنا ويكفى الشعب المصرى ما به من هموم ومشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية كان الله فى عونه.. ولهذا فليس لى مطلب والله المستعان.