هل كانت الحكومة تتوقع حدوث ارتفاع كبير في أسعار اللحوم؟! أما إنها مثل بقية المواطنين الغلابة فوجئت بما حدث؟! الإجابة سواء بالنفي أو الإيجاب تمثل مصيبة كبري، لأنها تدل علي قصر النظر في التعامل مع بعض الأزمات والمشاكل التي تواجهنا. أزمة الارتفاع في أسعار اللحوم، كانت نتيجة لمجموعة من الإجراءات والسياسات الخاطئة، التي قامت بها الحكومة، عندما تركت المزارعين والمربين يواجهون الغلاء الفاحش في أسعار الأعلاف بطريقتهم الخاصة، وهي ذبح الماشية والتوقف عن التربية. وتكرر السيناريو بطريقة أخري، خلال أزمة أنفلونزا الطيور، وأيضاً خلال أزمة أنفلونزا الخنازير. ورغم اختلاف أسباب الأزمتين إلا أن تعامل الحكومة معهما تم بأسلوب واحد، وإجراء واحد، رغم كل التحذيرات التي أعلنها الخبراء والمختصون. الأسلوب هو القضاء علي الثروة الداجنة، وأيضا القضاء علي الخنازير، وتمهيد الأجواء لتقبل نظرية يؤمن بها بعض المسئولين، وهي عنصر التكلفة كأساس جوهري للمفاضلة بين الانتاج المحلي والاستيراد. الدواجن واللحوم المستوردة أرخص بكثير من تكلفتها كإنتاج محلي، دون الأخذ في الحسبان عائد الانتاج المحلي من حيث عملية تشغيل المواطنين، أو ما يتم ضخه للاقتصاد القومي، من عائد بعض المجالات المرتبطة بهذا النشاط. حدث ذلك أيضاً في محصول مثل القمح والقطن، حيث بدأ تقليل المساحات المزروعة، ربما لأن الأسعار العالمية أرخص، ودون أن نضع في الاعتبار حجم الدعم المقدم للمزارعين في الدول الخارجية. وتكرر الأمر أيضاً خلال أزمة انفلونزا الخنازير، حيث تم اعدامها، وأصبح الاستيراد بديلاً سهلاً وأكثر ربحاً لفئة جديدة من المستوردين، الذين يسعون جاهدين إلي ضرب الانتاج المحلي، لتحقيق مصالحهم الخاصة. في فبراير عام 6002، كتبت مقالاً بعنوان »يا حكومة عايزين فرخة« قلت فيه »بعد أسبوع من الأزمة.. أرجوكم انتبهوا أيها السادة!! انتبهوا جيدا لكل النتائج الحتمية، التي سنواجهها بعد انقضاء موجة انفلونزا الطيور، والتي ستحول مصر مرة أخري إلي دولة مستوردة لكل احتياجاتها من الدواجن والطيور والبيض، بعد أن كنا دولة مصدرة، وبعد أن حققنا الاكتفاء الذاتي منها!!. انتبهوا أيها السادة.. لأن طابور الجمعيات سوف يعود من أجل الفوز بدجاجة مثلجة مستوردة. انتبهوا لأن حالة الذعر والهلع وأسلوب المعالجة والمكافحة، خرج عن الحدود الطبيعية، وبدلاً من اختيار أسلوب محاصرة المرض، وتحصين مواقع الانتاج، اخترنا أسلوب الابادة والحرب الشاملة ضد الطيور، لأننا جعلنا الناس تعتقد أن خطراً محدقاً يتهدد حياتهم، بدلاً من التوعية الهادئة والرصينة، واتخاذ التدابير الوقائية. لقد اخترنا أسلوب قتل المرضي بدلاً من علاجهم، وحجتنا في ذلك تعاليم وتدابير منظمة الصحة العالمية، ولست أعرف لماذا لم نطبق تعاليمها فيما يخص مرض الفشل الكلوي أو أمراض الكبد والتدخين، التي تحصد كل عام حياة المئات في بلادنا!! لقد عانت مصر كثيرا في سبيل توطين هذه الصناعة، واستنباط سلالات من الدواجن تستطيع التكيف مع ظروفنا المناخية، بالاضافة لنشأة صناعات جديدة للأعلاف المحلية، وهي صناعات تدور استثماراتها في حدود تزيد بكثير عما تعلنه الحكومة، وهي 17 مليار جنيه، ويقدر بعض الخبراء حجمها الحقيقي في حدود تقارب 30 مليار جنيه، ويعمل فيها ما يزيد علي 3 ملايين مواطن. حققت مصر الاكتفاء الذاتي من الدواجن، وبأسعار مناسبة للمواطنين، نظراً لانخفاض تكلفة انتاجها بمصر عنها في دول العالم. وكلنا لانزال نتذكر الأيام »السوداء« التي كنا نستورد فيها كل احتياجاتنا من الدواجن والبيض، وبكميات لا تناسب حجم الطلب عليها، وهو ما أنشأ سوقا سوداء ظلت أحد المعالم الأساسية في بلادنا لسنوات طويلة. كلنا نتذكر أن هذه الأزمات كانت سبباً في لجوء بعض المستوردين لشراء الطيور الجارحة، وتقديمها للمواطنين بديلاً عن الدواجن، وذلك سعيا للثراء السريع«. للأسف الشديد، حدث ما توقعته وتكرر الأمر في معالجة انفلونزا الخنازير، والتي كان من نتائجها زيادة الطلب علي اللحوم البلدية. وخلال العامين الماضيين كان لارتفاع أسعار الأعلاف تأثير مباشر في عزوف المربين عن تربية الماشية، فاضطروا لذبحها، وهو ما أدي لنقص كبير في أعدادها، لنترك الساحة خالية أمام مستوردي اللحوم، والذين يتحكمون اليوم في السوق دون ضابط أو رابط. وليت المستوردين اكتفوا بذلك، وإنما تدور بينهم الآن حرب خفية تستخدم فيها أسلحة كثيرة، منها بعض الشائعات حول بعض أنواع اللحوم المستوردة من دول معينة، لحساب دول أخري، وللأسف المواطن المصري هو الذي يدفع الثمن في البداية والنهاية.
احتياطي غذائي : إذا كان خبراء الزلازل يؤكدون ان خطورة الزلازل تكمن في التأثيرات المباشرة لها، التي تختلف حسب قوتها، فإنهم يحذرون أيضاً من أن توابع الزلازل قد تكون أشد خطراً وفتكاً. خاصة انها تأتي بعد حدوث الزلازل بفترات، تحاول خلالها أجهزة الانقاذ التقاط أنفاسها، والتي تؤدي لهدوء في وتيرة عملها واستعداداتها، وهنا تكمن الخطورة الكبري. ويبدو أن نجاح مصر الكبير في تخطي الأزمة المالية العالمية الأخيرة، التي عصفت بالعديد من الكيانات الاقتصادية العملاقة، جعلنا ننسي أو نغفل التعامل مع تداعيات تلك الأزمة، ومحاولة الدول الكبري تعويض خسائرها الفادحة خلال الأزمة علي حساب الدول الأخري، وما قد يؤدي إليه ذلك من انتكاسات وتأثيرات سلبية، تنعكس علي أحوال معيشة المواطنين. الأمر إذن يدعونا إلي إعادة النظر في التدابير والاجراءات، التي اتخذتها الحكومة خلال فترة الأزمة، التي أدت لتراجع معدلات النمو وما أحدثه ذلك من تأثيرات، لعل أكثرها خطورة هو تزايد نسبة البطالة وتزايد نسبة الفقر مرة أخري، بعد ان لاح في الافق بوادر كثيرة لانفراجها قبل الأزمة العالمية، بالاضافة لتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وحدوث خلل كبير في حركة الصادرات المصرية. من هنا، فإن المرحلة القادمة تتطلب اجراءات خاصة.. في رأيي ان أهمها هو توفير احتياطيات متزايدة من المواد الغذائية، والتي تؤكد كل المؤشرات انها سوف ترتفع ارتفاعاً كبيراً. لقد أكدت الاحصائيات الصادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، ان أعلي نسبة من الانفاق في مصر توجه للغذاء، وتزداد هذه النسبة لتصل إلي ما يقارب 4.55٪ في الأسر، التي يقل اجمالي انفاقها عن الفي جنيه سنوياً، علي حين تنخفض هذه النسبة مع ارتفاع دخل الاسرة، لتصل إلي 7.22٪ فقط للأسر التي يبلغ اجمالي انفاقها السنوي 05 ألف جنيه فأكثر. كما ان نسبة انفاق الأسرة الريفية علي الطعام والشراب، أعلي بكثير عنها في الحضر، وأشارت الاحصائيات إلي أن الطعام والشراب يمثلان أهم بنود انفاق الأسرة المصرية، غير ان نسبة الانفاق علي الطعام والشراب تنخفض، كلما ارتفع مستوي معيشتها. الاحصائيات تؤكد أن العالم سوف يتعرض إلي موجة من ارتفاع الأسعار، ربما لم نشهد مثيلاً لها منذ سنوات طويلة. فبعد موجة الانخفاض الطاريء في أسعار المواد الغذائية، التي وصلت لذروتها العام الماضي. يعود مؤشر العولمة ليطبق من جديد علي رقاب كل بلدان العالم النامي، بعد ان بدأت بالفعل عمليات اصلاح واسعة في أجهزة المصارف العالمية التي تعرضت للانهيار، والتي أدت إلي أزمة مالية فرضت انخفاضات كبيرة في أسعار المواد الغذائية. اقتصاد الأقوياء تعرض لضربة موجعة، ويخطيء كل من يعتقد ان اقتصاديات الدول المتقدمة سوف تسمح بتكرار مثل هذه الضربة مرة اخري، بل ان الفترة القادمة سوف تشهد محاولات مؤكدة لتعويض الخسائر الضخمة، التي تعرضت لها خلال الفترة الماضية. وفاتورة استيراد الغذاء ستكون أول الفواتير الموجعة، بالنسبة للدول المستهلكة ومنها مصر. منظمة الاغذية والزراعة العالمية تؤكد ان هناك انخفاضاً كبيراً في مخزون العالم من الحبوب، حيث انخفض إلي 504 ملايين طن، وهو أدني معدل منذ 52 عاماً، وتوقعت المنظمة حدوث ارتفاعات حادة في أسعار الحبوب، أوائل العام القادم، ومنها ارتفاع متوقع في أسعار القمح بمعدل يزيد عن 001٪ من أسعاره الآن، بالاضافة لارتفاع أسعار الأرز بنسبة 021٪ والفول بنسبة تقارب 09٪ وزيت الصويا بنسبة 57٪.