بخطوات واثقة , وقامة ممشوقة , وعطر نفّاذ , وملامح وجه باهرة الجمال , وشعر مسترسل كالليل المذاب فى ليلة يتوسطها بدر التمام ..كانت ( داليا ) تمضى بثيابها المحبوكة على جسدها , وقد التوت أعناق الرجال وراءها تتابع خطواتها الموسيقية الرشيقة , فى شارع جزيرة العرب بحى المهندسين الراقى ! (عمارة 10 لو سمحت ؟!) . أشار لها بوّاب أحد العمارات الشاهقة مجيبا على سؤالها ( كمان عمارتين على ايدك اليمين ! ) . ها هى العمارة ...! . دقائق وتصل إلى أول خطوات المجد !! ..شركة اراب موفيز يونايتد !! كانت (داليا ) احدى ( نجمات ) كليّة التجارة بجامعة القاهرة . كل طالب يتمنى أن يصادقها . كل طالبة تتابعها بحسد خفى, وترقب لكل ما يصدر عنها , واهتمام فائق غير معلن بكل ما ترتديه باعتبارها الأكثر أناقة بين كل الطالبات ..على الرغم من انتمائها للطبقة الوسطى . لكنّ ..( داليا ) ..تعرف دائما كيف تشدّ الأنظار !! . وكعادتها ...فبعد انضمامها إلى فرقة من الهواة للتمثيل على المسرح الجامعى ...لم تستغرق أكثر من شهر حتى صارت مثار تنافس خفى من جميع زملائها فى الفرقة على خطب ودّها كما يقولون . حقّا..للجمال ِ سطوة ! . و( داليا ) تعرف تماما..كيف تمسك ( خيوط ) اللعبة. كيف لا تخسر أحدا . كيف لا تعد أحدا بأى وعود كذلك ! . وكان طبيعيا أن يتضاعف طموحها بعد حصولها على جائزة أفضل ممثلة على مستوى الجامعات المصرية فى أول مشاركة لها مع زملاءها . الآن ..أصبح اسم ( داليا ندير ) ينافس فى الشهرة والذيوع داخل أروقة الجامعة أسماء الدكاترة والمعيدين وأوائل الدفعات . ( داليا ) كانت تزهو أمام نفسها بمدى تفوّقها على كل بنات جنسها ..وإن كانت تدّعى التواضع والبساطة أمام الجميع فى كل تصرفاتها . كانت تقف فى غرفة نومها الخاصة أمام المرآة لتستعرض قوامها ..من كل الزوايا ...لتهمس لنفسها ضاحكة ( no mercy !! ) . اليوم اختبار كاميرا..أو بلغة المهنة تست كاميرا فى هذه الشركة الكبرى فى الإنتاج.ومَنْ الممتحن ؟..( كاميليا رمزى )..المخرجة الشهيرة . فى الطابق السادس من عمارة 10 , باب شديد الفخامة بجواره لافتة فخمة أيضا باسم الشركة . كان الباب مفتوحا ..فدخلت وهى تحاول التظاهر بالثبات والثقة , رغم أن قلبها يكاد ينخلع من فرط التوتر والانفعال ..هل ستنجح ؟..هل سيزين اسمها الأفيشات ؟..هل ستكون ضيفة فى البرامج ككبار النجوم ؟. كل هذا يتوقف على نجاحها اليوم !.هى التى لم تعرف الفشل فى حياتها أبدا . أشارت إليها احدى الفيتات بالجلوس . صدمها المشهد بعد جلوسها فى قاعة الانتظار الكبيرة . بنات معظم أعمارهن بين العشرين والثلاثين . سُمروشُقروبِيض .طويلات وقصيرات . ممتلئات حتّى الترهل ورفيعات حتّى الهزال .ثياب متفاوتة ومتنافرة الألوان . كاجوال وكلاسيك . باديهات وجينزات و فساتين وتاييرات . جيبات فوق الركبة بشبر وبشبرين وتحت الركبة كذلك ! . بعضهن يدخن بشراهة ممقوتة والبعض الآخر يكاد يفتك بقطعة عَلَكْ تطحنها بقوة و ميوعة فى آن ! أخذت (داليا) تسعل من أثر سحائب الدخان التى خنقت المكان . مرّ الوقت ثقيلا وهى لا تستطيع تركيز تفكيرها فى أى شىء . كان يتم النداء بشكل عشوائى