لا نعرف كنه هذه المهمة, التي يتصدى لها زغلول النجار، ولا مراميها. فقد نال الرجل حظوة ، وذاع صيته عند البسطاء , الذين دائما ينجذبون إلى ما لا يعلمون ، ويصدقون كل ما يقال لهم , دون بحث أو تعليل . فالرجل يأخذهم بالحيلة , فيما يدعيه ويسميه " الإعجاز العلمي في القران". هذا الإعجاز الذي لم يقصده القران ، ولم يهدف إليه . فليس في القرآن العظيم إعجاز علمي بالطريقة التي يسوقها زغلول النجار وأتباعه, إلا أنه كثيرا ما يدعو للنظر والتدبر, ليكون حافزا للمزيد من الدراسة, والاكتشاف, والتطور, والابتكار, والتجديد. فالقرآن قيمة تعليمية, وتثقيفية, كبيرة, تعطي المسلم والإنسان, بشكل عام, إحساسًا بالعمق الفكري, ويساهم في تعزيز, فكرة رفض الخمول, والتقليد, والإتباع. فهو ثورة في سبيل التحرر الفكري, يستفز طاقات الإنسان في التطور. فكان العلماء, أكثر خشية لله لمعرفتهم قوته, وبديع صنعه, إلا أنه بالطريقة التي يفهمها زغلول النجار وأتباعه, يصبح التغني بالقرآن, وتمجيده, والإدعاء بإعجازه العلمي, تعبيرا عن العجز, والجفوة. فلا يعود حافزا أو قوة مبدعة في حاضرنا , دافعة بهذا الحاضر, إلى آفاق المستقبل , لنكون أمة تتفوق على الأمم الأخرى , بما أفادته من القرآن العظيم . إن اليونان لم يكن لديهم قرآن , أو إعجاز علمي , ولم يكن لدى الفرس , وأهل الصين , كل هذه المفاهيم , التي يبثها فريق الإعجاز العلمي , لكن هذا الصنف من البشر, كانوا قد فتحوا نفوسهم , قبل أن يفتحوا العالم , وجددوا حياتهم الداخلية , قبل أن يجددوا العالم الخارجي , وعاشوا في المستقبل , قبل أن يعيشوا في الماضي و الحاضر. فالنجار يريدنا أن نفهم القرآن , على أنه أطلال , تزار وترثى , ويتغزل المرء بها , أو يريدها كوارثا وحقائقًا , ينتظر أن يكتشفها البوذي , أو الهندي , أو الأمريكي, أو الشيوعي الملحد , ليقول له النجار , خسئت أيها المخترع ! إن اختراعك , موجود لدنيا في القرآن . ثم يأخذ الإحصاءات, و الأرقام , والزوايا , من المعاهد و المراكز المنتشرة في العالم , ليطابقها قسرا, مع الظاهرة القرآنية ! إن زغلول النجار و أتباعه , بهذه الطريقة الكسلى من التفكير الزائف , إنما يعبرون عن العجز الصامت المتعجرف , الذي لا يفيد في تحقيق فكرة علمية , ولا يساهم في تطوير المعرفة الإنسانية . وهو يستلزم جملة أمور, تعالج النظرة , و الموقف , و تحرير الذات ,والارتقاء بعقل المسلم . فكل إشكال العبودية وصيغها ، والاتباع و الارتقاء ، تلغي فكرة التفتح الإنساني ، وتحول بينه وبين وعي التجربة في الحاضر، وفهم قوانين وشروط وفتوحات حركة المستقبل. إن القرآن العظيم, ومجمل الثقافة الإسلامية, من المفروض إن تساعدنا في اكتشاف الحقائق و التوصل إليها, من منظور عصرنا, وفي ضوء رؤى المستقبل, وعليها أن تحررنا من الأوهام, وهو ما لم يتحقق بعد. وهذا الذي يفعله زغلول النجار وأتباعه, هو دعوة إلى تكرار واجترار, تقتل فهم جوهر الدين, ووظيفة الإنسان أو مهمته. إن الرجل المتخلف فقط ,هو الذي ينتظر من الآخرين , أن يقولوا له ما عنده , وأن يقرروا مكانه "و إبقاء الواقع على حاله " دون أن نعير كثير التفات إلى ما يدور حولنا , ونسقط المستقبل من حسابنا . ولا نجانب الصواب إذا قلنا, بأن زغلول النجار, يريدنا أن ننام على هذه الوسادة, الخالية حتى من الأحلام القابلة للتحقق. فلكي يكون لنا في يوم ما، دوراً في الحضارة والتقدم , والاكتشاف العلمي، لا بد أن نكون أحرارًا من وهم الاقتباس , واستعارة الأمجاد , وأن يكون دورنا قياديًا في الحياة , أي في صلة الإنسان بالمادة , والأمن , والروح ، ضد حالة الخضوع والاستسلام التي ما زالت ترافقنا في ديننا و دنيانا . فأينما يكون مثل هذا الفكر الجامد, يكون الجوع, و المرض, و الفقر, و التخلف, و الحرب, وتمجيد الموت, وهو ما أثبتته التجربة, وأكده الواقع المعاصر. إننا ضد الدعوة التي تحاول أن تضلل عقولنا , لنتبنى موقفًا انهزاميًا استسلاميا , ونسميه تعبديًا، من خلال أن العالم الغربي بهيئاته العلمية والفكرية، يرحب بمثل هذا الرجل وأشكاله , و يشجع هذه الظاهرة ، لأنه يريدنا فقط , في دائرة مغلقة , نحوم فيها حول أنفسنا , ونترك للعالم فرصة التقدم , والتطور, والابتكار, والإبداع. ويشبه هذا الرجل عمرو خالد، الذي يروج للحكايات والحوادث القديمة، وللسلف الصالح . ومن قال أن السلف الصالح كله, كان صالحًا ؟ إننا بحاجة إلى منهج يساعدنا في تلمس طريقنا نحو المستقبل , وهذا المطلب , يستدعي منا التخلص من الجمود العقدي , ورفض الكسل العقلي , والنوم على وسادة الإعجاز والمعجزات . إن هذا المنهج , لا بد أن يحارب , سواءً عن وعي , أو بدون وعي . فلا بد أن ننقذ الإنسان المسلم, وغير المسلم, من خطأ وسوء تقدير فئة الذين استخرجوا قوانين, تفرض حالة الجمود على العقلية المسلمة. ولذلك نحن نريد أن نخرج بمنطلقات تحرك الدور الإبداعي للإنسان, ولا نريد إن نخرج بقوانين مقيدة. إن قوانيننا في أصلها, قبل إن تعبث بها, عقول أصحاب الدكاكين, هي ذات نظرة قائمة على الإيمان بحقيقة كون الإنسان في حركة مستمرة, وإن هذه الحركة, تعني التجاوز الدائم, لما أنجزه الإنسان بالأمس. أي اكتساب اللهب أو الشرارة من الأمس , لإبقاء شعلة الحاضر, التي نضيء بها شعلة المستقبل. إنها نظرة تليق بأمة ذات رسالة كونية, ترفض الانغلاق، كما يرفض أتباعها إن يكونوا عبئًا على مستقبل الحضارة. إنها أمة ترفض النظرية التي تحجب الواقع , وترفض الذكرى التي تجمد الحياة، وترفض الخيال الذي يبقيها في الحلم . فالحاضر هو مركز اهتمامها, والصلة الجدلية بين أطراف المعادلة الزمنية, هي الأساس. إن النقل يقتل روحنا , والرفض يقتل وسائلنا في الاقتران ، و المطلوب ,هو الفهم , والتفاعل , والتكييف , ومن ثم الإبداع . كحالات ليست تمامًا كحالات و وسائل الآخرين، وإنما كحالات و وسائل مرتبطة بواقعنا . إن منطلقات زغلول النجار وأتباعه, ومفاهيمه الدينية العلمية الضيقة, تكاد تكون معوقة لمسيرة أمتنا العلمية، وحاجزًا بيننا وبين تحقيق أهدافنا. فالأمة ما تزال تعيش حالة من الركود والانسحاب إلى الماضي , ضمن جو يسوده التغني بالإعجاز العلمي في القرآن , وهي حالة انهزامية , ترسخ قناعات واهية , بأننا الأفضل , والأكثر تقدما , و بأننا نستطيع إن نستغني عن العالم ,و نحاربه بإعجازنا العلمي الذي ندعيه في القرآن العظيم , و وتنتصر عليه . إن دور الأمة من المساهمة في الحضارة الإنسانية , معطل , ولا تزول هذه المعوقات , إلا بتحرير النفس , من العقد والأوهام , التي تؤطر تاريخنا الإسلامي . إننا لا نؤيد إن تقف حركة التطور في العالم , على ضوء ما يفهمه , بعض المسلمين من القرآن . ولا نريد بأي شكل من الأشكال , إن يكون نشاطنا في العصر الراهن , عبئا على الآخرين . فالسير باتجاه الإعجاز العلمي , تجربة معرضة للخطإ , ويمكننا إن نقلص هذا الخطأ , إذا ما استلهمنا الجوهر الإيجابي , لدور القرآن في حياتنا . إن كثيرا من العناصر الأساسية, المكونة لجوهر الفكر الإسلامي, تضطرب في نفوسنا, وفي بؤر تفكيرنا, بعد إن ثبت فشلها, وعدم صلاحيتها للحياة. إن قراءة لهذا الفكر على نحو جديد , تعني فيما تعني , جمع الشتيت وعرضه في نسق جديد. وأمام أضواء جديدة , ليبلغ طاقته الموحدة , في اندفاعة جديدة , تكون هي الفعل المحرك لعناصر الحاضر. بمعنى آخر, إظهار تلك الأفكار المبدعة, ضمن أطر حياتنا الجديدة, بكل ما تحتويه من قوى مساعدة, على استمرار فكر الإنسان المسلم, في قوته الإبداعية. إن الصلة بين المسلم ودينه, هي صلة توازن فكري عملي, وليس علمي فقط. وليست صلة إنشائية نظرية , محورها الهوس الديني . إن القرآن هو الأساس الروحي للمسلم , والكيان المعنوي للأمة وللبشرية جمعاء . فهو في جوهره, كلام الله, أنزله على النبي العربي الأمين, ليبلغه للناس. ومن هنا, فهو يدخل في حقل الهداية, الذي يمكن إن نزيد منها وعيا, ونأخذ منها قبسا, في إضاءة الطريق أمامنا, ومعرفة الحق من الباطل, وهذا فرق جد كبير, بين ما يقصده القرآن و مايهدف إليه , وبين ما يروج له زغلول النجار وأتباعه. فالقرآن استفاد من العلم الطبيعي , في مجموعة آيات , لإقناع العرب . وهي لم تكن في ظاهرها , بعيدة عن مستوى العربي , في ذلك الوقت , لأنها لو كانت بعيدة عن مستواه , لانغلقت عليه , ونفر منها . ويكفي القران فخرًا, أنه لا يوجد فيه ما يتعارض مع حقيقة علمية , وهذا هو إعجازه الحقيقي , وإذا وجدنا شيئا في ظاهره يتعارض , فإننا لو أولناه التأويل الصحيح والممكن , لوجدناه لا يتعارض معها على الإطلاق , لأنه كتاب الله, وهو خالق كل شيء.