الرئيس بدأ يتحرك بشكل منفرد عن الحزب وعن الجماعة الخطاب الأخير نقطة فارقة في خطاب الرئاسة العام الموجه للخصوم والشعب الخطاب أقرب لخطابات السادات قبل ثورة التصحيح
خطاب الرئيس بالأمس 24 مارس يمثل نقطة فارقة في خطاب الرئاسة العام الموجه للخصوم والموجه للشعب كذلك. هو خطاب مفاجئة بلا شك .. ونوصي بمشاهدته دون أحكام مسبقة لمتابعة التغيرات الحادثة في هذا الخطاب. إنه خطاب تخلى عن كل وسائل وأسباب اللياقة والدبلوماسية ليقدم رسائل حازمة قاطعة دالة على تغير حاد في المزاج الرئاسي تجاه التعامل مع حالة الفوضى السياسية والأمنية الموجودة. ليس واضحاً إن كان هذا التحول لفظيا فقط أم أنه سيكون مقدمة لتغيرات حادة أيضا على ساحة الفعل. هذا التغير في الخطاب الرئاسي قد يعني انكشاف مؤامرة لا يمكن السكوت عنها .. أو أن الرئاسة منفعلة بسبب تكرار مشاهد العنف والفوضى وانتشار القتل في الشارع المصري .. أو أن الضغط الإعلامي والاجتماعي على الرئاسة قد أثمر تغيرا في الأداء استشعارا لخطورة الموقف. هذه احتمالات لا يمكن القطع أيهم أقرب للصواب .. ولكن الخطاب بالأمس يمثل انتقالة لفظية مفاجئة .. ولا يجب التهوين من دلالاتها. التلويح أكثر من مرة أن هناك "دول حولنا لا تريد لنا الخير" .. وأنها "دول لا قيمة دولية لها " .. مع أنباء سفر مدير المخابرات العامة للإمارات .. مع الحديث عن المال القادم من الخارج .. كلها معاً تشير أن مصر تهدد علنا بمواجهة مع دول محددة .. وأشخاص بأعينهم .. وأن أجهزة الأمن القومي قد أطلعت الرئيس على ما يستوجب التحرك الفوري. ارتفاع نبرة الهجوم على الفلول وعلى قياداتهم التي تم الإفراج عنها .. والتهديد حتى بأن "حياتهم لا تساوي"، وأن الرئيس يهدد بمراقبة حياتهم بشكل لصيق .. مع شبهة التجاوز القانوني في ذلك .. هو أيضاً يشير إلى وجود ما يستدعي هذه العبارات التي قد تكون كارثية من النواحي القانونية لها، ولكنها تعكس تغيرا حادا في نمط الرئاسة في التعامل مع هذا الملف. كان واضحاً في خطاب الأمس أنه لأول مرة يمكن القول أن الرئيس كان يتحدث عما لديه هو .. وليس عما يشير به المستشارون من الحرية والعدالة أو جماعة الإخوان . تقديرنا هو أن الرئيس بدءا من الأمس بدأ يتحرك بشكل منفرد عن الحزب وعن الجماعة .. ولا يعني ذلك أن هذا التصرف صحيح أو خطأ بالنسبة للرئيس أو بالنسبة لمصر .. ولكنه ظهر بمثابة تغيرا حادا في نمط العلاقة حرر الرئيس من ضغوط واضحة كانت تجعل خطاباته دون روح رئاسية. الخطاب بالأمس – رغم أنه لم يكن دبلوماسيا .. بل كان أحيانا شعبويا بدرجة تتجاوز الحدود المقبولة – ولكنه كان خطابا يحمل معاني متسقة ومتناسقة مع الحدث وتعبر عن روح شخصية واحدة، وهي شخصية الرئيس، ولا يعني ذلك أن هذا خطأ أو صواب ولكنه كان واضحا. لو كان كلام الرئيس مقصودا، ونظنه كذلك .. وليس دعائيا .. ولا نظنه دعائي فقط .. فنحن مقبلون على أحداث متسارعة تضع الرئاسة في محك خطير .. قد تخرج الرئاسة منه أقوى وأكثر قدرة على التأثير في الحياة العامة المصرية .. وقد يستلزم ذلك تجاوزات متعددة على الصعيد القانوني والأمني .. وسيتم تفسيرها على أنها استثناءات لابد منها .. وقد أشار الرئيس بالأمس لذلك. بالأمس كان خطاب الرئيس المصري أقرب لخطابات الرئيس السادات قبل ثورة التصحيح مباشرة .. وهي التي أطاح فيها بخصومه. هناك فوارق كبيرة في الشخصيات بلا شك، وفوارق زمنية وأخرى مرتبطة بطبيعة الخصوم، ولكن الروح العامة للخطاب بالأمس كانت تعكس نفس حالة الترقب التي صاحبت ثورة التصحيح في عصر السادات. السيناريو الآخر لهذا التسارع، وهو ألا ينجح الرئيس فيما قد أشار إليه من تهديدات .. وأن يعوق تنفيذها كيد الخصوم وضعف همة الأنصار وتشتت الرؤية داخل الحزب والجماعة وعلاقتهم بالرئاسة .. مما قد يؤدي إلى فقدان الرئاسة للقدرة على التأثير في حال عدم مصاحبة الفعل للكلمات .. وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انهيار مؤسسة الرئاسة إما عمدا من قبل خصومها أو حقيقة بسبب انهيارها تحت الضغط من الخصوم. وهذه الحالة يمكن تؤدي إلى انتقال مفاجيء في السلطة خارج الإطار الزمني المتوقع لذلك، وبأسلوب أقرب إلى الإنقلاب .. وأبعد عن الانصياع للإرادة الشعبية للمواطن المصري، وقد يتم تسويق ذلك أيضاً على أنه استثناءات ضرورية من أجل مصلحة الوطن .. وقد يستدعى الجيش مرحليا لضمان مثل هذه الانتقالة المفاجئة في الحياة السياسية المصرية. مصر مقبلة على مرحلة متسارعة من الأحداث في الغالب، وسيتم خلالها الكشف عن الكثير من الحقائق التي ساهمت في تردي الأوضاع الأمنية والاجتماعية في مصر في الشهور الماضية. إن لم يتبع الرئيس أقواله بأفعال تحفظ مكانته الرئاسية .. وما قد يصاحب ذلك من تجاوزات استثنائية .. فقد تخسر الرئاسة مكانتها في مصر إلى مدى طويل بإجراءات قد تبدو أيضاً استثنائية من قبل خصوم الرئاسة. الكل سيستخدم الوضع الأمني والاجتماعي والدول المحيطة مبرراً لما سيتخذه أي طرف من إجراءات تتجاوز الدستور والقانون والإرادة الشعبية .. ولكن مصر مؤهلة لهذا التجاوز في المرحلة القريبة القادمة، وهو أمر لن يكون مقبولا في سياق الحريات العامة والحقوق المدنية .. ولكن الطرف المنتصر سينجح في تبرير ما سيفعله بأنه كان ضرورة استثنائية لا مفر منها. لا نقدم هذا التقدير للموقف لنقف على خط الحياد، ولكن لنؤكد أن الرئاسة المصرية بحاجة إلى أن تمسك بزمام الأمور في مصر بكل قوة ممكنة .. دون التجاوز في مخالفة الدستور أو القوانين أو الحقوق المدنية للأفراد والجهات، وأن الخيار الأصح لمصر هو أن تقوم الرئاسة بتغييرات جوهرية في طريقة عملها ... وتغييرات ملموسة في إدارة الشأن المصري عبر التخلص من الحكومة الفاشلة، وتكوين تحالف وطني حقيقي من كل القوى الوطنية للمساعدة في حل مشكلات مصر، والضرب بيد من حديد ضمن الأطر القانونية لذلك على كل من يستخدم المال السياسي القذر القادم من الخارج لإرباك الحياة السياسية المصرية أو للإنقلاب على الإرادة الشعبية للمواطن المصري. نتمنى حدوث ذلك دون تجاوزات استثنائية. ونتمنى أن تتخلص الرئاسة من ارتعاش اليد .. ومن الإرتهان لرأي حزب أو جماعة .. وأن يظهر واضحا أن مصالح مصر فوق أي مصالح أخرى.