غدًا.. في ساعة الغروب.. دورةٌ أخرى لاجترار الذكريات الأليمة.. فوق ذلك الحجر الذي.. سقط بالمصادفة أمام بيتنا... اليوم، الجمعة، 1422 هجرية أتممت عامي الثلاثين.. ليلة ميلادي وافقت ليلة وفاة سيدنا أبي بكر الصديق... عرف أبي هذه المعلومة مصادفةً، يوم ميلادي، في الدرس الذي ألقاه إمام مسجد القرية، بعد تلاوة القرآن الكريم، في الذكرى الأولى لوفاة جدي. .... لذلك يتذكرون يوم ميلادي بالتقويم الهجري ... ....................... .. من عشر سنوات .. كنت أبحث عن عمل، دون جدوى، بعد تخرجي من المدرسة الثانوية الصناعية المشتركة... ....................... .. من عشرين سنة .. كنت تلميذًا بالمدرسة الابتدائية الأميرية، أسير يوميًا مسافة ثلاثة كيلومترات .. بين بيتنا ومدرستي... ....................... .. من ثلاثين سنة .. ولدتني أمي، يوم الأحد الموافق الثاني عشر من شهر رجب سنة 1392 هجرية. .................... ولكن .. هل يمكنني استرجاع جزء آخر من ذاكرتي قبل ذلك؟ هل من ذاكرة للجنين في رحم أمه؟ .. يقولون إن الجنين في بطن أمه يشعر كأنه في عالم رحب فسيح !! ................. .. شهر واحد قبل الميلاد .. سمعت أمي وأبي يتناقشان حول اختيار اسم لي.. ........... أنا اسمي "بكر" ........... .. شهران قبل الميلاد .. سمعت أجراس بائع العرقسوس كانت أمي تجلس في سوق البندر، تبيع بيض الدجاج الذي تربيه في بيتنا.. تمنيت لو كان باستطاعتي مخاطبتها لتجلب لي كوبًا من العرقسوس.. .................... .. ثلاثة شهور قبل الميلاد .. أحسست أبي يداعبني، وتمنيت لو استمرت تلك المداعبة طويلاً... .................... .. أربعة شهور قبل الميلاد .. سمعت أمي تصرخ من شدة الألم.. كنت أقوم بحركة لولبية قافزًا فوق مجموعة من الحبال مبهرة الألوان التي تملأ بطنها... .................... كانت أمي كريمة جدًا بأن وفرت لي كل تلك الألعاب، وكان أبي رقيقًا جدًا وهو يداعبني من حين لآخر، يبتكر طرقًا عديدة تمنع عني الملل من تكرار المداعبة يوميًّا... .................... .. خمسة شهور قبل الميلاد .. ............. إنني، على ما يبدو، لن أستطيع اليوم أن أتذكر أكثر من ذلك... .................... .. ثلاثون سنة بعد الميلاد .. اليوم، الجمعة، أجلس بمفردي فوق ذلك الحجر الذي يرقد أمام بيتنا منذ سنوات لا أذكر عددها.. كل ما أذكره أننا استيقظنا يومًا فوجدناه أمام البيت دون أن نعرف له مصدرًا... .................... ذهبت أمي إلى الحقل ومعها الغذاء لأبي .. لا زلت أجلس بمفردي .. أحاول جاهدًا استشراف المستقبل ، لكن هيهات، فالصورة قاتمة جدًّا.. ولا تسمح لي برؤية شيء آخر... لا أبتهج إلا حينما أطلق العنان لنفسي في اجترار ذكرياتي السعيدة، لكنها كادت تتآكل من فرط ما استرجعتها.. وقد غشيها رُكامًا من الذكريات الأليمة... ............. .. إذن .. سوف أحاول غدًا استرجاع جزء آخر من ذاكرتي قبل الميلاد.. عسى أن أجد فيها ما يدعو إلى البهجة [email protected]