اليوم.. "الشعب يأمر"، وعلى الجميع السمع والطاعة. اليوم، انتهى الاستفتاء على الدستور، وأيا كانت النتيجة فيجب احترامها سواء خرجت ب "نعم"، أو انتهت إلى "لا". ظل كثيرون يتاجرون بعبارة "الشعب يريد".. حتى ضج الشعب منهم، وقرر أن يخرج بنفسه فى "طوابير الحرية" ليعلن عن رأيه، ويحدد موقفه، والوسطاء يمتنعون. انتزع الشعب الصلاحية من أى فصيل أو حزب أو تيار أو نخب للحديث باسمه، وسحب توكيل النيابة عنه من الجميع، ليعلن عن نفسه بنفسه ولنفسه. لن يكون مسموحا لأحد بعد اليوم أن يقول "الشعب يريد نعم"، إن خرجت النتيجة ب "لا"، ولا أن يزعم أن "الشعب غير موافق"، إذا ما انتهى فرز المرحلتين، مضافا إليه نتائج المصريين بالخارج إلى أن الشعب "موافق" على مشروع الدستور. لن يكون من حق أحد –أيا كان- أن يزعم أنه يتكلم "حصريا" بلسان الشعب، أو أنه يحتفظ بحق التعبير عن كل المصريين "إكسكلوسيف"! لا أذهب بذلك إلى "إخراس" الرافضين إن تم تمرير الدستور، أو "قطع ألسنة" المؤيدين إن رفض الشعب "مشروع الغريانى"، ولكن يجب أن تكون المعارضة بنسبة، والتأييد بحساب، دون أن يدعى أحد "احتكار" تمثيل الشعب، ولا أن يجرؤ مخلوق على "احتقار" خياراته. الشعب اليوم يسترد قراره، ويمسك مصيره بيده، استمع إلى مؤيدين لمشروع الدستور، وتعرف على آراء المعارضين، أتيحت له الفرصة أن يتابع أعمال التأسيسية على الهواء مباشرة، من مراسم التشكيل، حتى جلسة التصويت، كما تعرض لوابل من البرامج والقنوات التى تخصصت فى نقد الدستور، والهجوم على التأسيسية، والتهجم على أعضائها. ما يهمنى فى هذا الإطار، أن الشعب كان متاحا له الاستماع إلى هؤلاء وأولئك، وبعد أن فرغ الطرفان من مرافعاتهما، آن لصاحب الكلمة أن يحكم ويختار، يأمر فيطاع. لا أحب استباق الأحداث، ولا التبكير بنتائج، ولا ترويج نسب، إلا أن القراءة السريعة لاتجاهات التصويت بالمرحلة الثانية، والنتائج غير الرسمية للمرحلة الأولى، تشير إلى أن الاحتمال الأرجح هو الموافقة على الدستور، بنسبة تأييد كافية وزيادة لإقراره، لكنها لا تعبر عن إجماع أو توافق أو اكتساح، وربما تتراوح ما بين 60% إلى 65%. الحقيقة أن هذه النسبة هى التى كنت أتمناها فى قرارة نفسى قبل بدء التصويت، تحديدا "65%" لأنها نسبة قادرة على إعطاء دروس مستفيضة لكل أطراف العملية السياسية، من سلطة إلى أحزاب وقوى مؤيدة، إلى جبهات وتيارات معارضة.. هى النسبة التى تجعل الجميع فى مرحلة "ما بعد نعم" يعمل وهو يقف على أطراف أصابعه إرضاء للشعب، دون تكبر بنصر ساحق، أو تجبر بانتكاسة تعطل المسيرة وتوقف الحال.. ولنا فى ذلك حديث مطول بعد إعلان النتائج الرسمية. تحية للشعب المصرى العظيم، الذى "علّم" الجميع.. و"علّم" عليهم!