اعطني حجرا أثريا ومعلما تراثيا واحدا أصنع لك مزارا سياحيا متميزا لا ينقطع الناس عن زيارته, هكذا يتعامل الغرب مع تراثهم وحضارتهم, هكذا يحافظون عليها ويجيدون تسويقها. حتي لتجد زوار صخرة واحدة لها طابع تاريخي في إحدي المدن الصغيرة يتعدي بمراحل عدد زوار معبد بحجم مدينة كاملة مثلما الحال في مصر. مئات المعالم الأثرية المكتشفة والتي تحتاج لتسويق جيد يضعها في مكانتها الحقيقية كمزار سياحي عالمي, وآلاف من المناطق الأثرية المهملة والمهددة بالضياع والدمار, كنوز لو وجد مثلها في أي دولة تعرف قيمة تراثها وحضارتها لأصبحت من أغني دول العالم, ولكنها هنا ضاعت بين براثن الإهمال والتغافل والسرقة, وها هو ملحق الصعيد يلقي الضوء علي بعض تلك الآثار المهملة ليطرح تساؤلا فحواه.. إلي متي سيظل الإهمال والتدمير هو السمة الغالبة في تعاملنا مع تراثنا وحضارتنا بدلا من المحافظة عليهما؟!.. لم تعد أثرا تاريخيا بقدر ما أصبحت نصبا تذكاريا وشاهد عيان علي الإهمال والتراخي وعدم الإكتراث والإحساس بالمسئولية والقيمة التاريخية والحضارية لتراثنا. قنطرة المجذوب بأسيوط ورغم الإعلان عن أنها ضمن مزارات أسيوطالسياحية في كل النشرات الخاصة بالسياحة وعلي الموقع الرسميبالمحافظة فإن واقعها الحالي أبعد ما يكون عن السياحة والآثار, بعد أن تحولت إلي خرابة يسيطر عليها تجار الخردة والباعة الجائلون, ليتم استغلالها كجراجللسيارات الخردة, بحيث تم كسر جزء من الحائط الأثري لشق طريق لنزول السيارات لأسفل القنطرة والذي تحول إلي مخزن, بالإضافة إلي قيام بعض الباعة الجائلين بتحويل أجزاء منها إلي مراحيض عمومية ومقالب قمامة يلقون بها ما يفيض عن أكشاكهم التي نصبوها حول السور من الخارج. وقد أنشئت هذه القنطرة التي تقع تحت أرض ميدان المجذوب علي مسافة30 مترا جنوب شرق جامع المجذوب في عصر محمد علي باشا الذي أعاد بناءها سنة1251 ه/1835 م مكان قنطرة قديمة في نفس الموقع بعد أن تهدمت الأولي تماما. وعلي الرغم من أنه لم ترد أي نصوص تدل علي تاريخ إنشائها أو اسم المنشئ فإنه من المرجح أنها كانت قنطرة قديمة مخصصة للصرف الحوضي لمياه الري وهو نظام قديم عرفته مصر منذ أقدم العصور, ومن خلال الرسومات التي رسمها دتروتر ووردت في كتاب وصف مصر الذي وضعته الحملة الفرنسية يتضح أن شكل القنطرة كان عبارة عن ثلاثة عقود مدببة تستند علي ثلاث دعامات وضعت رأسيا بين فتحات العقود, كما يتضح باللوحة أن علي يمين الداخل للمدينة مسجدا هو مسجد المجذوب. و من خلال الطراز المعماري الذي بنيت به القنطرة يمكن نسبتها إلي العصر المملوكي, وقد قام أحمد باشا طاهر بترميمها في سنة1239 ه/1823 م, وقد أشار علي باشا مبارك في كتابه الخطط التوفيقية الجديدة إلي أن حسين باشا مدير أسيوط قام في الفترة من سنة1250 ه إلي سنة1251 ه(1834-1835 م) بتجديد القنطرة فوق الأساس الذي وضعه أحمد باشا طاهر وعلي نفس الطراز ووضع لوحة تأسيسية بالركن الشرقي للواجهة الداخلية للدروة الجنوبية مؤرخة بسنة1251 ه. هذا وتتكون قنطرة المجذوب من جسم بني من الداخل بالطوب الأحمر وغلاف من الخارج بالحجر الجيري المنحوت وتتكون من ثلاثة عقود نصف دائرية ودروتين شمالية وجنوبية وظهر, وواجهة القنطرة الرئيسية هي الواجهة الجنوبية لمواجهتها لماء النيل الذي يتدفق من الجنوب إلي الشمال ويزخرف الدعامات الحاملة للعقود الثلاثة زخارف قوامها زخارف متنوعة لأشكال هندسية ونباتية وحيوانية تمثل حيوانا خرافيا جسمه جسم حيوان يشبه القط والوجه لطائر له منقار مفتوح وله ذيل طويل يلتف حول ظهره وله خمسة أرجل. وهذا ويوجد لوحة تأسيسية أخري هامة بالركن الشرقي للواجهة الداخلية للدروة الجنوبية وهي لوحة من الرخام الأبيض وقد كتب علي اللوحة بالخط النسخ ستة أسطر لأبيات شعرية توضح تاريخ إنشاء القنطرة وهو سنة1251 ه. ولم يكن في ظل الوضع الحالي الكارثي لتلك القنطرة أن نغفل تأكيدات محافظأسيوط اللواء نبيل العزبي بأنالقنطرة تدخل ضمن خطة التطوير التي وضعتها المحافظة لتطوير المناطق الأثرية المختلفة والتي تضمها أسيوط وتشمل مختلف العصور الإسلامية والقبطية والفرعونية, حيث تمت مخاطبة المجلس الأعلي للآثار بشأن تطوير هذه المنطقة أكثر من مرةلكونها تضم أيضا وكالات أثريةمثل وكالة ثابت والتي يرجع تاريخها إلي أكثر من250 عاما ولكن لم يتم الاستجابة حتي الآن. نقلا عن جريدة الأهرام