بعيداً عن المخالفات التي رصدتها الهيئة الوطنية للانتخابات في المرحلة الأولى للانتخابات النيابية، والتي قررت على إثرها إلغاء الانتخابات في 19 دائرة. فإن الانتخابات في مصر تتفرد وتتميز بمجموعة متنوعة من المشاهد المصنوعة سلفاً، مسبقة التجهيز والتحضير، يقوم على إعدادها وإخراجها مخرج دراما "تحت التمرين". تلك المشاهد الكوميدية، والتي أستطيع أن أقطع بأنك قد لا تراها إلا في مصر، تشمل مشهد عريس وعروسة يرتديان ثياب العرس، ويتركان كل شيء خلفهما ويصران على الذهاب للجنة الانتخابية للإدلاء بصوتهما، ويتصادف أنهما دائماً ما يكونان في نفس اللجنة. مشهد آخر لشيخ طاعن في السن لا يقوى على الحركة، يتوجه إلى لجنته "على كرسي متحرك" ممسكاً ب"عكازه"، ويساعده أحد أفراد قوة التأمين الخاصة باللجنة حتى يتمكن من الوصول الصعب لصندوق الاقتراع "المقدس" لممارسة حقه "الفظيع" في الإدلاء بصوته، مساهماً بقوة مفرطة في اختيار "ابن الدائرة". لم تتوقف تلك المشاهد عند هذا الحد، بل تجدها تمتد لتصل إلى أن أحد المرضى داخل أحد المستشفيات، الذي يعاني آلاماً مبرحة وينتظر تدخلاً جراحياً خطيراً، يستدعي مدير المستشفى إلى غرفته، ويطلب منه أن يوفر له وسيلة انتقال للقيام بالواجب الوطني. مدير المستشفى بدوره يقشعر بدنه من هذا الطلب المهيب، ويطلب توفير سيارة إسعاف مجهزة لتنقل المريض إلى لجنته الانتخابية ليقوم بالواجب المقدس ويختار ابن الدائرة الذي سيعبر عنه تحت قبة البرلمان وينطق بلسانه!!! بالطبع لن نستطيع حصر تلك المشاهد المبدعة والمعبرة عن الوازع الوطني الذي وجد له مستقراً ومقاماً داخل صدر "الشيخ العجوز" والرجل المريض و"العروسين". هذا الوازع الذي أنتجه الدافع، وأفرزه الحافز، وألهبته الإرادة، وأشعلته الطاقة لدى كل هؤلاء ليكونوا مواطنين إيجابيين وفاعلين ومشاركين في عملية انتخابية يشهد لها الأموات الذين لم تنجح عمليات التنقية في حذف أسمائهم من جداول الناخبين – كما حدث في انتخابات سابقة –. لكن ليعلم صانعو تلك المشاهد العبثية أن تلك المشاهد، إن كانت تساهم في شيء، فهي تساهم وفقط في تشويه صورة الانتخابات البرلمانية التي تعاني من تشوهات خلقية وخلقية. أعود لمشهد آخر مماثل طالعته اليوم، وهو الذي دعاني لاستدعاء السطور السابقة من الذاكرة. المشهد لخصته صورة نشرتها قبل قليل صحيفة الأهرام على حسابها ب"الفيسبوك" تحت عنوان "الشباب يشاركون بكثافة في انتخابات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025". وهي صورة تجمع حوالي 100 شاب وفتاة في بداية العشرينات يصطفون في طابورين أمام إحدى اللجان الانتخابية بالقاهرة. تلك الصورة أتت بما لم يأت به الأولون، فيها مشهد مبتكر وجديد، لأنني عندما دققت في الصورة وجدتها لفئة عمرية واحدة ومتطابقة. لم يكن بينهم مواطنون في الثلاثينيات أو الأربعينيات ولا حتى الخمسينيات، لم تكن بينهم سيدة تصطحب طفلها، لم يكن بينهم من يرتدي جلباباً أو عباءة أو إلخ، ذلك رغم أن اللجان الانتخابية ليست لجاناً نوعية. فلا توجد لجنة مثلاً للشباب وأخرى للكبار، وإنما هي لجان انتخابية مكانية وجغرافية لنطاق سكني محدد يقيم فيه كافة الفئات العمرية والاجتماعية. فكيف لتلك الفئة الشبابية المتطابقة في الأعمار والأوصاف أن تجتمع في وقت واحد أمام إحدى اللجان؟! الحقيقة لم أجد إجابات مقنعة لكل تلك التساؤلات بداخلي، ولم أستبعد أن تكون تلك الصورة مشهداً جديداً من المشاهد سابقة التجهيز، وظيفتها إظهار كثافة تصويتية في منطقة معينة في توقيت محدد. أخيراً... استفيقوا يرحمكم الله