العلاقة بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوالصين منذ جاء الرئيس ترمب إلى البيت الأبيض أول هذه السنة، تبدو وكأنها تعود إلى ما قبل اختراع النقود في التعامل بين الدول بعضها وبعض، أو حتى بين الأفراد بعضهم وبعض. وقتها كان التعامل بنظام المقايضة كما يعرف كثيرون منا، وهو نظام كان يقوم على أن تتبادل الدول السلع، وبغير أن يكون المال، أو النقود، أو الفلوس، وسيطاً بينها في التعاملات التي تتطلب وجود المال هذه الأيام. كانت الدولة التي تملك قمحاً تتبادله مع الدولة التي تملك الفول مثلاً، وهكذا تحصل كلتاهما على ما تحتاجه مما لدى غيرها بغير أن تدفع مالاً، وقد بقي الحال يمضي على هذه الصورة بين بقية الدول الى أن صار المال هو المقابل المدفوع في سبيل الحصول على السلع أو الخدمات. بدت المقايضة واضحة مرتين بين ادارة الرئيس ترمب وحكومة الرئيس الصيني شي جينبينج، وقد كانت إحداهما قبل شهرين تقريباً، ثم كانت الثانية قبل أيام عندما ذهب الرئيس الأمريكي إلى جولة في جنوب شرق أسيا، والتقى خلالها مع الرئيس شي في كوريا الجنوبية. في المرة الأولى كانت الصين تريد لعدد من طلابها أن يتلقوا التعليم الجامعي في جامعات الولاياتالمتحدة ذات السمعة العلمية الكبيرة، وكانت جامعة هارفارد على سبيل المثال بين هذه الجامعات، وكانت الولاياتالمتحدة تريد من ناحية أخرى أن تحصل على جانب من المعادن النادرة التي يمتلكها الصينيون وتكاد تكون محتكرة من جانبهم. وكان أن وصل الطرفان الى اتفاق تحصل بموجبه الولاياتالمتحدة على ما تريده من المعادن النادرة، ويتعلم الطلاب الصينيون في الجامعات الأمريكية التي يريدونها في المقابل. ولكن ما كادت أسابيع تمر حتى كانت حكومة الرئيس شي قد تراجعت فيما جرى الاتفاق عليه، فخرجت لتعلن أن قيوداً سوف يتم فرضها على تصدير المعادن النادرة، وبغير أن تقول ما إذا كانت واشنطون هي المقصودة بالذات بهذه القيود، أم أنها قيود على كل العواصم ؟ ولكن كان من الواضح أن واشنطون هي المقصودة بالذات، لأنها تحتاج المعادن النادرة في السلاح المتطور، وفي التكنولوجيا العصرية، وفي السيارات الكهربائية، وفي الذكاء الاصطناعي، وفي كل شيء يميزها كدولة متقدمة على كل الدول. وعندما بدأ ترمب جولته الأسيوية كان من الواضح أن حسم موضوع المعادن النادرة هو الأصل في الجولة كلها، وهذا ما تابعناه أثناء زيارته الى اليابان، حيث وقّع اتفاقاً يوفر له ما يحتاجه من المعادن اليابانية النادرة، ولكنه عندما التقى الرئيس شي في كوريا الجنوبية كانت المعادن الصينية النادرة حاضرة بنداً أول في اللقاء. وقد جرى الاتفاق على أن تتراجع الصين عما فرضته من قيود، وأن يتراجع ترمب عما فرضه من رسوم جمركية على الواردات الصينية للولايات المتحدة، وكان الاتفاق نوعاً من المقايضة التي أحياها الرئيسان الأمريكي والصيني بعد أن ماتت وشبعت موتاً، ولكنها المصالح بين الدول التي تعيد إحياء المقايضة وغير المقايضة.