أثار حشد القوات العسكرية الأمريكية بالقرب من فنزويلا، وسلسلة الهجمات على قوارب يُشتبه في استخدامها لتهريب المخدرات قبالة سواحلها، شبح الانقلاب أو الهجوم الأمريكي ضد الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية. ولم تُخفِ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رغبتها في إزاحة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو من السلطة، إذ وصفه ترامب بأنه تاجر مخدرات، واتهم فنزويلا بإفراغ سجونها في الولاياتالمتحدة وتصدير المخدرات إليها. كما صرّح ترامب بأنه يدرس تنفيذ عمليات برية داخل فنزويلا، ما أثار تكهنات بإمكانية تدبير انقلاب أو شن غزو عسكري للإطاحة بمادورو، رغم أن خبراء استبعدوا هذا السيناريو نظرًا لما قد يواجهه من مقاومة واسعة. وقال ويليام ليوجراندي، أستاذ الحكومة في الجامعة الأمريكيةبواشنطن وخبير شؤون أمريكا اللاتينية، إن إرسال الجيش الأمريكي لهزيمة الجيش الفنزويلي واحتلال البلاد "أمر غير مرجح"، مضيفًا أن "فنزويلا ليست دولة صغيرة"، وأن أي تدخل مباشر سيكون محفوفًا بالمخاطر. وبحسب وزارة الدفاع الأمريكية، فقد دمّرت القوات الأمريكية منذ أوائل سبتمبر 9 قوارب على الأقل، ما أسفر عن مقتل 37 شخصًا، فيما أعلن وزير الدفاع بيت هيجسيث أن الجيش الأمريكي شنّ غارتين جديدتين على سفن يُزعم أنها تحمل مخدرات في شرق المحيط الهادئ. وزعمت الولاياتالمتحدة، دون تقديم أدلة، أن تلك السفن كانت تُستخدم في تهريب المخدرات، مؤكدة أنها تتعامل مع تجار المخدرات المزعومين كمقاتلين غير شرعيين، ما دفع مراقبين إلى اتهام واشنطن بانتهاك القانونين الأمريكي والدولي عبر هذه الضربات. وفي خطوة أخرى تصعيدية، أعلن ترامب الأسبوع الماضي أنه وافق على تنفيذ عمليات سرية لوكالة المخابرات المركزية (CIA) داخل فنزويلا، كما رصدت الولاياتالمتحدة مكافأة بقيمة 50 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقال مادورو بتهمة تهريب المخدرات. ونقلت وكالة أسوشيتد برس أن الولاياتالمتحدة حشدت قوات عسكرية في المنطقة، تشمل قوة مهام بحرية مكونة من ثماني سفن حربية، وسربًا من الطائرات المقاتلة في بورتوريكو، وأكثر من ستة آلاف بحّار ومارينز. ورغم أن نية ترامب في شن هجوم غير مؤكدة، يشير ليوجراندي إلى أن القوات الأمريكية المنتشرة حاليًا غير كافية لاحتلال البلاد، كما قد يواجه الرئيس الأمريكي رفضًا من داخل قاعدته السياسية التي تُعارض التدخلات الخارجية. وقال جيف رامزي، الزميل البارز في مركز "أدريان أرشت لأمريكا اللاتينية" بالمجلس الأطلسي، إن الهجوم على فنزويلا "ليس واردًا"، موضحًا أن البلاد تمتلك أحد أكبر مخزونات الأسلحة في نصف الكرة الغربي، فضلًا عن جماعات مسلحة ستقاوم أي تدخل عسكري، مثل جيش التحرير الوطني الكولومبي (ELN) والمعارضين السابقين من قوات (FARC) إلى جانب عناصر موالية للجيش الفنزويلي وقوات شبه عسكرية تُعرف ب"كوليكتيفوس". وأشار رامزي إلى وجود ميليشيا بوليفارية مدنية جنّدها مادورو خصيصًا لمواجهة احتمال التدخل العسكري الأمريكي، محذرًا من أن أي هجوم قد يؤدي إلى "انهيار " في بلد لا يبعد سوى ثلاث ساعات بالطائرة عن ميامي. كما لفت إلى أن فنزويلا تمتلك نظام دفاع جوي قادر قد يفرض مواجهة مباشرة مع الطائرات الأمريكية في حال استهداف الأراضي الفنزويلية. وفي الشهر الماضي، حلقت طائرتان فنزويليتان من طراز إف-16 فوق مدمرة أمريكية دون أن تهاجماها، وهو ما اعتُبر تحذيرًا متبادلًا بين الجانبين. وقال رامزي إن عدم إسقاط تلك الطائرات يُظهر أن واشنطن لا تزال تضع بعض القيود على ردودها العسكرية. ويرى المراقبون أن تغيير النظام في فنزويلا، حتى بدون تدخل عسكري مباشر، سيكون تحديًا كبيرًا، رغم أن الولاياتالمتحدة ليست غريبة عن الإطاحة بزعماء في أمريكا اللاتينية، حيث غزت غرينادا عام 1983 وبنما عام 1989، كما دعمت عمليات انقلاب عبر وكالة المخابرات المركزية في غواتيمالا وتشيلي. لكن ليوجراندي يرى أن نجاح تلك العمليات اعتمد على انقسام الجيش المحلي ضد حكومته، وهو ما لا يبدو مرجحًا في الحالة الفنزويلية، مضيفًا أن "الجيش لن ينفصل عن النظام بسهولة". وفي السياق ذاته، أوضح رامزي أن مادورو نجح في تحصين نظامه ضد الانقلابات عبر كسب ولاء كبار الضباط، قائلاً: "لقد أمضى 25 عامًا في حماية نفسه من الانقلابات، ولا أرى الجيش ينقلب عليه ليلتحق بمعارضة وعدت بمحاسبته منذ عقدين". وأشار ليوجراندي إلى أن إجراءات ترامب الأخيرة تهدف لإظهار صرامته في ملف المخدرات، مؤكدًا أنه قد يكتفي بشن ضربات محدودة على قوارب التهريب المزعومة قبل إعلان "النصر" الرمزي، مضيفًا: "يمكنه تفجير المزيد من القوارب والقول: لقد أوقفنا تدفق المخدرات". ويعتقد رامزي أن الرئيس ترامب لم يحسم بعد قراره النهائي بشأن فنزويلا، في ظل وجود تيارين متعارضين داخل إدارته: أحدهما يقوده وزير الخارجية ماركو روبيو المؤيد لتغيير النظام بالقوة، والآخر يمثله ريتشارد جرينيل، المبعوث الرئاسي الخاص، الذي يفضّل المسار الدبلوماسي والتفاوض مع مادورو. ويبدو أن جناح روبيو هو المسيطر حاليًا، لكن رامزي حذّر من أن أي محاولة لإسقاط مادورو بالقوة قد تُغرق فنزويلا في فوضى، مشيرًا إلى أن "طبيعة ترامب التجارية قد تدفعه في النهاية للبحث عن صفقة بدلاً من الحرب".