في لحظة تاريخية تعيد رسم ملامح مدينة كانت على هامش الخريطة السياحية لعقود، خطفت إسنا الأضواء العالمية بفوز مشروع "إعادة إحياء مدينة إسنا التاريخية" بجائزة الآغا خان للعمارة لعام 2025، إحدى أهم الجوائز المرموقة عالميًا. ويأتي هذا الإنجاز بعد أكثر من 20 عامًا على آخر تتويج مصري بهذه الجائزة، ليعيد لمصر مكانتها كمركز حضاري ومعماري عالمي. لسنوات طويلة، ارتبط اسم إسنا بمعبد خنوم فقط، فيما كانت شوارعها ومبانيها التراثية تعاني الإهمال والتداعي، لكن المشروع الذي أطلقته مؤسسة تكوين بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار ومحافظة الأقصر، وبشراكة دولية، نجح في إعادة رسم ملامح المدينة، وتحويلها إلى متحف مفتوح ينبض بالحياة. اليوم، أصبحت إسنا وجهة سياحية متكاملة؛ فقد تضاعف عدد زوارها ثلاث مرات، وتحولت أسواقها القديمة ومبانيها التراثية إلى نقاط جذب، بينما أصبح سكانها أنفسهم حراسًا لتراثهم الحي. وصفت لجنة التحكيم العليا للجائزة المشروع بأنه "يتجاوز مفهوم الحفاظ العمراني التقليدي"، إذ نجح في دمج البعد المادي مع غير المادي للتراث، وإشراك المجتمع المحلي في عملية التطوير. وأشارت اللجنة إلى أن المشروع أعاد الحياة لنسيج عمراني كامل، عبر ترميم المباني، وتنشيط الأسواق، وإحياء الحرف التقليدية، مما يعزز الهوية الثقافية ويخلق فرص عمل جديدة. شمل مشروع إعادة إحياء إسنا: ترميم وكالة الجداوي وفتحها للجمهور لأول مرة منذ 70 عامًا، تطوير سوق القيسارية التاريخي بالتعاون مع أصحاب المحلات، تحسين موقع معبد خنوم وتزويده بخدمات للزوار، ترميم استراحة الملك فاروق في المطاعنة، إعادة تجديد واجهات 15 مبنى وموقعًا تراثيًا، تطوير شارع السوق، تدريب أكثر من 400 شاب وشابة على الحرف التقليدية والترميم والإرشاد السياحي، وإطلاق مشاريع اقتصادية للنساء مثل "مطبخ أوكرا" و"ورشة الأعمال الخشبية". وأكد المهندس كريم إبراهيم، مدير المشروع، اعتزازه بهذا التقدير الدولي، مؤكدًا أن "الجائزة تحتفي بالعمارة كأداة للتنمية الشاملة، وليست مجرد تكريم لتصميم معماري". وأضاف أن هدف المشروع كان إعادة إسنا إلى الخريطة الثقافية والسياحية وتحفيز اقتصادها المحلي. وأشار محافظ الأقصر، المهندس عبد المطلب عمارة، إلى أن الفوز يعزز جهود الدولة في تنمية صعيد مصر، مشيرًا إلى مشروعات تطوير كورنيش إسنا وتحويله إلى واجهة حضارية وسياحية حديثة. وتمنح جائزة الآغا خان، التي انطلقت عام 1977، كل ثلاث سنوات لأبرز المشاريع التي تمزج بين الابتكار المعماري والاحتياجات الإنسانية. وكان آخر فوز لمصر عام 2004 عن مكتبة الإسكندرية، واليوم يعيد مشروع إسنا لمصر مكانتها العالمية ويقدم نموذجًا ملهمًا للتنمية في مدن تاريخية أخرى.