بعد غياب لأكثر من عقدين، عادت مصر لتتألق على خريطة العمارة العالمية، بفضل فوز مشروع "إعادة إحياء مدينة إسنا التاريخية" بجائزة الآغا خان المرموقة لعام 2025. تأسس جائزة الآغا خان للعمارة عام 1977 بمبادرة من سمو الأمير كريم آغا خان، بهدف تكريم المشاريع التي تحقق التوازن بين التميز المعماري، وتلبية الاحتياجات الاجتماعية، والثقافية، والبيئية للمجتمعات المحلية، وقد حصلت مصر على الجائزة في سبع مناسبات سابقة، من آخرها متحف النوبة عام 2001 ومكتبة الإسكندرية عام 2004، إلا أن أي من المشاريع المصرية لم يُدرج في القائمة القصيرة منذ ذلك الحين. تقع إسنا على الضفة الغربية لنهر النيل على بعد 55 كم جنوبالأقصر، كانت المدينة في السابق جزءًا من محافظة قنا الحديثة، ولكن في عام 2009 تم دمجها في محافظة الأقصر الجديدة، وتتكون من عدة قرى معظمها يقع غرب النيل. وتشتهر إسنا بسوقها السياحي النشط الذي يتكون من شارعين يؤديان من الكورنيش إلى وسط المدينة ومعبد إسنا، الذى يقع على بعد حوالي 200 متر من النهر و9 أمتار تحت مستوى الشارع. وتُعد الزراعة القطاع الاقتصادي الأبرز في إسنا، خاصةً زراعة الطماطم التي تُلقب ب"ملكة الزراعة" هناك، وتشتهر المدينة بكونها أكبر مركز لإنتاج وتجفيف وتصدير الطماطم إلى أوروبا، حيث تُساهم بنسبة 5% من إجمالي إنتاج مصر، وتُصدر بشكل خاص إلى إيطاليا. فيما يعتبر قطاع السياحة ركيزة أساسية أخرى للاقتصاد المحلي، حيث يعمل به نحو 50% من القوى العاملة، وتستمد المدينة أهميتها السياحية من كنوزها الأثرية، فإلى جانب معبد إسنا الذي يُعد من أجمل المعابد في مصر، يوجد بمعالم إسلامية مهمة مثل المئذنة العمرية. وبحسب الموقع الرسمي لجائزة الأغا خان على شبكة المعلومات الدولية الانترنت، لم يكتفِ مشروع "إعادة إحياء مدينة إسنا التاريخية" بإنقاذ الآثار، بل حولها إلى محرك للتنمية، وأشادت لجنة تحكيم جائزة الآغا خان بكون المشروع تجاوز الحدود التقليدية للحفاظ العمراني، لأنه لم يركز على معبد خنوم الشهير فقط، بل امتد ليشمل النسيج العمراني للمدينة بأكملها، بما في ذلك المباني التجارية، والمساكن، والأسواق القديمة. أكدت اللجنة أن المجتمع المحلي كان شريكًا أساسيًا في هذا الإنجاز، حيث أسهم السكان في إعادة الحياة إلى المدينة التي كانت على وشك التدهور، مما أطلق زخمًا تجديديًا مستدامًا، ووصفت اللجنة المشروع بأنه "خطة حفاظ" لمنطقة عمرانية غير أثرية، وهو ما يُعد سابقة في السياق المصري. لعدة سنوات، كانت إسنا مجرد محطة عابرة للسياح، يزورون فيها المعبد ثم يغادرون، لكن من خلال التعاون بين مؤسسة تكوين، ووزارة السياحة والآثار، ومحافظة الأقصر، وشركاء دوليين، تحولت المدينة إلى وجهة سياحية وثقافية متكاملة، وارتفع عدد الزوار أكثر من ثلاثة أضعاف، وأُعيد دمج المدينة في المسارات السياحية التي تشمل الحضارات المتنوعة التي مرت بها، من العصر اليوناني الروماني إلى العصر الإسلامي. لم يقتصر العمل على ترميم المباني فقط، بل امتد إلى بناء القدرات البشرية وتنمية الاقتصاد المحلي، وشملت التدخلات: إعادة فتح وكالة الجداوي الأثرية بعد 70 عامًا، وتطوير سوق القيسارية التقليدي، وتحسين موقع معبد خنوم، وترميم استراحة الملك فاروق، بالإضافة إلى تدريب أكثر من 400 شخص من أبناء إسنا على الحرف التقليدية، وإدارة مواقع التراث، والإرشاد السياحي، وتوثيق 25 وصفة طهي تقليدية، وإنشاء مشروعات اقتصادية بقيادة النساء مثل "مطبخ أوكرا"، ودعم أكثر من 15 منشأة محلية لتقديم خدمات سياحية. يُشير المهندس كريم إبراهيم، مدير مشروع إعادة إحياء مدينة إسنا التاريخية، إلى أن الجائزة تحتفي بدور العمارة كأداة للتنمية المستدامة، وليس مجرد تصميم، فيما أكد محافظ الأقصر، المهندس عبد المطلب ممدوح، أن هذا الفوز يدعم جهود الدولة المصرية لتطوير صعيد مصر، مشيرًا إلى مشاريع مستقبلية مثل تطوير كورنيش المدينة ليصبح واجهة حضارية جديدة.