إسرائيل تُريد مُحيطَها الجغرافي منزوع السلاح، بلا أنياب، ليس لديه قدرة على الاعتراض أو المقاومة. هي تُريد مُحيطاً "حَنجَرياً"، يشجب ويستنكر ويدين، وفي أحسن الأحوال، يُطلِق نداءات للمجتمع الدولي، ومُناشدات لمجلس الأمن، ويوجه رجاءات واستغاثات يميناً ويساراً. هي تُريد محيطاً إقليميًا مفعولًا به، وهي الفاعل الأوحد، وساعة المواجهة يكون مُطلِقًا للصرخات والآهات، لا مُطلِقًا للرصاص والقاذفات... لتكون هي الآمرة الناهية، المُتحَكِمة والمُسيطرة، المُحدِدة حصراً للمسارات والاتجاهات. هي من تقود وحدها سيارة المستقبل، والجميع قُعود، في خنوعٍ وخضوع، منتظرين محطة الوصول التي حددتها سلفاً لنفسها وبنفسها. محطة الوصول، مكتوبٌ عليها: "أهلاً بكُم في إسرائيل الكُبرى.. من النيل إلى الفرات". السؤال الجوهري: ما علاقة محطة الوصول، بنزع سلاح المحيط الجغرافي؟ الإجابة بكل بساطة: هي أن نزع سلاح دول الجوار، خاصة التي تقع ضمن "مشروع إسرائيل الكبرى"، مُضافاً إليها دول جوار الجوار، هو بمثابة "الوقود والبنزين" الذي تحتاجه السيارة للوصول إلى المحطة الأخيرة. هي تعلم جيداً أن نزع السلاح، وشطب مُصطلح "الاعتراض باستخدام القوة" من جانب مُكونات محيطها الجغرافي – ومحيط محيطه – هو ما يُمكنها من السير سريعاً، واختصار الوقت اللازم للبلوغ المبكر لمحطة الوصول. وأن استمرار وجود السلاح في يد المعترضين المحتملين على مشروعها التوسعي، الاحتلالي والاستيطاني، سيُبطئ حركتها، ويُهدئ من سرعتها، ويحول بينها وبين محطة الوصول. لذلك، ليس مُستغرباً أن يكون على رأس قائمة قاموسها الدبلوماسي والسياسي، بل والعسكري، مصطلحات وعبارات مثل: ("منطقة عازلة... منزوعة السلاح" – "منطقة آمنة... منزوعة السلاح" – مطالبات بنزع سلاح... إلخ). إن تلك المصطلحات، وما على شاكلتها، هي الأكثر استخداماً في الخطاب الإسرائيلي، المُوجَّه لدول الجوار بمحيطها الإقليمي، وللمجتمع الدولي على حدٍ سواء. تستخدمها، ولا تكل ولا تمل من تكرارها صباحاً ومساءً منذ عقود طويلة. تأكيداً لكل ما سبق: ستجد إسرائيل قد دخلت مؤخراً في مواجهة مع إيران، هدفها المُعلن عسكرياً، هو تدمير المشروع النووي الإيراني، والبرنامج الصاروخي الباليستي، والقضاء على قدرات إيران العسكرية – لا مانع من أن ترفع إسرائيل عبارة "التهديدات الإيرانية" لتجميل المشهد – وعندما وصلت المواجهة إلى مائدة التفاوض سياسياً، طالبت إسرائيل بنزع السلاح الإيراني. وهو الأمر نفسه الذي فعلته قبل ذلك بشهور قليلة مع حزب الله اللبناني، واجهته عسكرياً للقضاء على قدراته التسليحية، ثم عاودت سياسياً المطالبة بنزع سلاح حزب الله. وهو نفس الأمر أيضاً الذي تفعله حالياً مع كتائب المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، حيث دخلت في مواجهة عسكرية للقضاء على قدرات المقاومة التسليحية، وحالياً، وخلال المفاوضات غير المباشرة في الدوحة، يتمحور مطلبها الأساسي حول نزع سلاح المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. خلاصة الموقف: إن إسرائيل ماضية – مدعومة أمريكياً – نحو استكمال تنفيذ مشروع "إسرائيل الكبرى"، وأنها تُدرك جيداً أن نزع سلاح دول الجوار بالكامل، هو السبيل والأداة الناجعة لتحقيق ذلك سريعاً. وللأسف، فإنها نجحت في تحقيق جزء كبير من هذا الهدف، وما تبقى أمامها لبلوغ هدفها، أقل بكثير مما أنجزته. ولو نظرنا حولنا – أقصد حولها – في العراق وسوريا ولبنان والسودان واليمن، ومن قبلهم فلسطين، وغيرها، لتأكد لنا أنها قطعت مسافة كبيرة في مشوارها ورحلتها إلى محطة: "أهلاً بكم في إسرائيل الكبرى".