بخطوات صغيرة تسبقها أنفاس متوترة، دخل الطفل "ي"، صباح اليوم، إلى محكمة إيتاي البارود الابتدائية، مرتديًا زي "سبايدر مان"، في مشهد إنساني هزّ القلوب، تزامنًا مع ثاني جلسات استئناف محاكمة المتهم بهتك عرضه داخل مدرسته. خلف الزي الملوّن وتفاصيل البطل الخارق، كان هناك طفل لا يزال يجرّ وراءه ظلال واقعة أليمة، في واحدة من أبشع الجرائم التي عرفتها محافظة البحيرة خلال العام الماضي. طفل الحضانة الذي هزّ البحيرة لم يكن "ي" سوى طفل في الخامسة من عمره، يلهو بين جدران مدرسته الخاصة، قبل أن تتحول حياته إلى فصل طويل من الألم والمعاناة، بعدما كشفت والدته عن أعراض غريبة ظهرت عليه، لتقودها شكوك الأمومة نحو فحص طبي صادم، أثبت وجود علامات اعتداء جنسي. التحقيقات لاحقًا كشفت أن المتهم "ص"، مراقب مالي يبلغ من العمر 79 عامًا، هو من تورط في الواقعة داخل دورة مياه المدرسة. المحاكمة الأولى.. والمؤبد حاضر في يوليو الماضي، وبعد نظر الأدلة وسماع الشهود، أصدرت محكمة جنايات دمنهور حكمًا بالسجن المؤبد على المتهم، مستندة إلى تقرير الطب الشرعي الذي أكد صحة الواقعة. كان الحكم بمثابة انتصار قانوني لعائلة "ي"، لكنه لم يكن كافيًا لمحو الندوب النفسية التي تركتها الجريمة في أعماق الطفل. جلسة اليوم.. مواجهة جديدة تحت قوس العدالة اليوم الاثنين، ومع انطلاق جلسة الاستئناف، حضرت أسرة الطفل ومعها صغيرها، الذي اختار زي "سبايدر مان" ليخوض به مواجهته النفسية والقانونية الثانية، وكأنه يحتمي بصورة البطل القوي ليخفي ارتجاف روحه الصغيرة. داخل القاعة، استمعت المحكمة إلى كبير الأطباء الشرعيين الذي ناقش تفاصيل التقرير الطبي محل الاستئناف، فيما حاول دفاع المتهم التشكيك في النتائج الفنية، بينما تمسكت النيابة بما ورد في أوراق القضية. الشارع يراقب قضية "ي" تحولت منذ لحظة الكشف عنها إلى رأي عام، فأعادت فتح ملفات حماية الأطفال داخل المدارس الخاصة، ومدى كفاءة الإشراف والمراقبة فهل بعد الاستئناف تشهد مسارًا جديدًا؟. كما طرحت تساؤلات مؤلمة حول صمت الضحايا الصغار وصعوبة اكتشاف الجرائم التي تُرتكب خلف الأبواب المغلقة. بطل صغير في لحظة مغادرة القاعة، لم يكن الطفل يحمل سوى يد أمه وزي "سبايدر مان"، لكن حضوره وحده كان شهادة صامتة على صمود الأطفال أمام الألم. الجميع يترقب الحكم، لكن الحقيقة الواضحة والبينة أن هذا الطفل الصغير أثبت شجاعة لا ترتبط بالعمر، بل بقدرة الإنسان على مواجهة الأزمات مهما كان حجمها.. ولو بابتسامة تختبئ خلف قناع بطل خارق.