بينما يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تتزايد الضغوط على تل أبيب لوقف انتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني، يتسبب الحصار الذي يفرضه جيش الاحتلال على القطاع في أزمة غير مسبوقة، ما دفع أبرز حلفاء تل أبيب الأوروبيين إلى التصعيد الدبلوماسي. وفي بيان ثلاثي مشترك، حمّلت بريطانياوفرنسا وكندا، إسرائيل المسؤولية عن التدهور الحاد للأوضاع الإنسانية في غزة. وطالبت الدول الثلاث بوقف فوري للعمليات العسكرية ورفع الحصار عن القطاع المحاصر. لم تكتفِ الدول الأوروبية بالمطالبة فقط، بل حذّرت باتخاذ إجراءات "ملموسة" ما لم توقف إسرائيل انتهاكاتها، ما عزز الضغوط الدولية على حكومة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو. البيان الذي صدر عن الدول الثلاث والتي تُوصف بأنها من بين أبرز حلفاء إسرائيل، أثار تساؤلات حول مدى تأثيره على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. من جانبه، هاجم رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بريطانياوفرنسا وكندا، بعد التلويح بفرض عقوبات على إسرائيل بهدف الضغط من أجل إنهاء العدوان على غزة. واعتبر نتنياهو، تصريحات الدول الأوروبية الثلاث بمثابة "مكافأة وجائزة كبرى لحركة حماس"، مؤكدا أن "لا يمكنه أن يتوقع أن أي دولة قد تقبل بأي شيء أقل من هزيمة حماس.. وبالطبع إسرائيل لن تقبل". وقال نتنياهو، إن الحرب الجارية في غزة يمكن أن تنتهي بمجرد الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، وموافقة حماس على إلقاء سلاحها ونفي قادتها إلى خارج القطاع، مشددا على ضرورة "جعل غزة منطقة منزوعة السلاح". البيان الثلاثي.. تبعات وتصعيد في إطار تصعيدي، أعلنت المملكة المتحدة، الثلاثاء، تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل، فضلا عن فرض عقوبات على مستوطنين متطرفين، وكذا استدعاء السفير الإسرائيلي في لندن "للتشاور"، وفق ما ذكرته وكالة "أسوشيتد برس". وفي ما يخص الاتحاد الأوروبي، أكدت مفوضة الشؤون الخارجية كايا كالاس، استعداد أغلبية وزراء خارجية التكتل لمراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، بما يشمل تعليق العمل ببعض بنودها التجارية والعلمية ما لم تلتزم إسرائيل بالقانون الدولي الإنساني. إسرائيل.. تصعيد مقابل وتوتر دبلوماسي مع احتداد الخطاب الأوروبي تجاه تل أبيب، استدعت وزارة الخارجية الإسرائيلية سفراء فرنسا وكندا للاحتجاج، فيما حذّر مسؤولون إسرائيليون من أن أي "مساس بالمصالح الاستراتيجية" لدولتهم سيؤدي بلا شك إلى تدهور كبير في الثقة المتبادلة مع أوروبا. لماذا تأخّر الموقف الأوروبي ضد إسرائيل؟ على الرغم من الخطاب الأوروبي غير المسبوق منذ بدأ العدوان الإسرائيلي على غزة، فإن محللون ومراقبون اعتبروه متأخرا بعد مرور نحو عام ونصف على بدء الإبادة في القطاع، غير أن مراكز أبحاث دولية أرجعت الأمر إلى عدّة أسباب: في سياق ذلك، يرى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن الاتحاد الأوروبي وجد نفسه أمام خيارين: أولا، حفاظه على القانون الدولي، وثانيا، رغبته في الحفاظ على نفوذه الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط. وحذّر المجلس، من أن التردد في اتخاذ إجراءات مؤثرة من شأنه أن يضر بمصداقية الأوروبيين على المستوى الدولي ويضعف قدرتهم على رعاية حل الدولتين. كذلك، يقول المحللون في معهد كارنيجي الأوروبي في بروكسيل، إن تعليق الاتحاد الأوروبي اتفاقية الشراكة مع إسرائيل قد يرسل إشارة قوية في ما يتعلق بربط حقوق الإنسان بشروط التعاون مع التكتل، لكنهم يرون في الوقت نفسه أن تأثير هذه الخطوة قد يبقى رمزيا ما لم تقترن بضغوط اقتصادية ملموسة. عزى محللون وخبراء دوليون، تأخر الموقف الأوربي ضد إسرائيل إلى مخاوف داخلية من حدوث انقسامات بين الدول الأعضاء في الاتحاد حول تحديد مسار التعامل مع إسرائيل، ما قد يؤدي إلى إضعاف سياسة الاتحاد الخارجية وإفقادها فعاليتها في النزاعات العالمية، وفق ما ذكره "المعهد الأوروبي لتنمية السياسات". يؤكد ذلك، تصريح مفوضة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس، التي بررت الإجراءات ضد إسرائيل بأن "هولندا حشدت الدعم الكافي لمقترحها بمراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل". التصعيد الأوروبي.. لماذا الآن؟ تشير تقارير إعلامية غربية، إلى أن القادة الأوربيين باتوا قلقين من صعود الأحزاب اليمينية في بلادهم، فضلا عن تخوفهم من عمليات استقطاب جماهيرية تحدث حالة انقسام مجتمعي داخلي بسبب الحرب في غزة. ويرى خبراء المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن أزمات الحقوق والحريات مثل ما يحدث في غزة، يستخدمها اليمينيون وقودا لتعبئة قواعدهم الانتخابية للمتطرفين، إذ تؤكد تقارير حديثة أن التعاطف الشعبي مع غزة يثير موجة احتجاجات ومطالبات بالتضامن. وفي مقابل ذلك، يشير المجلس إلى أن اليمين المتطرف في أوروبا يستثمر هذه المشاعر الداعمة لفلسطيني في تمرير خطابات معادية للإسلام والمهاجرين، معتبرين أن التضامن مع فلسطين "مضر بأمن أوروبا واستقرارها". وفي أواخر مارس الماضي، أظهر تحليل أكاديمي شمل قرابة 18 مليون تغريدة لبرلمانيين أوروبيين في 17 دولة غربية، ارتفاعا ملحوظا في خطاب الكراهية السياسي، مؤكدا أنه مرتبط بشكل مباشر بتصاعد نفوذ أحزاب اليمين المتطرف. وأوضح التحليل، أن الأحزاب اليمينية الأوروبية، استخدمت الصراع في غزة لتعميق الانقسامات وإضفاء شرعية على خطاب الكراهية والعنف.