صور- نادر نبيل: من أعلى الطريق الدائري يظهر بأدواره الأربعة عشر حديثة البناء، وواجهته ذات اللون الأصفر الذي يميزه وسط العقارات المجاورة، هكذا بدا حتى مساء السبت الماضي، قبل أن تندلع النيران في بدروم العقار، وتتصاعد ألسنة اللهب، لتترك بصمتها على الواجهة التي استحال جانباً منها إلى اللون الأسود، فيما وجد السكان أنفسهم بلا مأوى، بعضهم طالت النيران شقته، مثل سيد جودة "شقا عمرنا كله راح، فلوس ودهب وأوراق، أنا عندي ابني في ثانوية عامة التابلت تبتاعه ولّع ومش عارف هنعمل إيه"، يقول الرجل الأربعيني. "سيد" أول من سكن بالعقار المبني عام 2015 على مساحة ألف متر، كان يقطن في نفس المنطقة المتاخمة للطريق الدائري قرب نزلة حي الهرم، لكنه في عام 2017 أراد أن ينتقل هو وزوجته وولديه لشقة ذات مساحة أكبر، وقريبة من الطريق الدائري "أنا أول حد قعدت في العمارة، كان وقتها السلم لسه خرسانة بيتعمل، ومكنش فيه غير مكتب صغير لصاحب العمارة فقط للمخزن بتاعه"، اشترى سيد شقته بنحو 220 ألف جنيه، ثم تابع مراحل تشطبيها، وفي ذلك الوقت كانت صاحب العقار يتابع تشطيب عقاره كذلك، ليبدأ توافد السكان تباعاً. "بقينا دلوقت أكتر من 20 ساكن مقيم بأسرهم"، وفق سيد، فيما أربك حياتهم الحريق الذي انطلقت شرارته من البدروم في الخامسة مساء يوم السبت، فهرع سيد وزوجته وولديه للنزول سريعاً من شقتهم بالطابق الخامس، لم يتيسر لهم ارتداء ملابس تقيهم صقيع ذلك اليوم "لولا صديقة زوجتي جت خدتها والأولاد وادتهم هدوم من عندها"، كان حينها سيد واقف مع قاطني العقار وجيرانهم ورجال الحماية المدنية يتابعون محاولات الإطفاء، لكن لما استمر الأمر لما بعد منتصف الليل، ولم يكن بد من العودة إلى السكن في ذلك اليوم، وجد الرجل نفسه مضطراً لاصطحاب أولاده كي يبيتوا ليلتهم عند جدتهم في منطقة إمبابة. والحال كذلك بالنسبة ل"حسن طه"، مهندس مدني، الذي يقيم في شقة بالطابق الخامس مع زوجته وأولاده الثلاثة، انقطعت الكهرباء فجأة، وحين همّ الرجل ليتبين السبب، ترامى إلى مسامعه أصوات مرتفعة أسفل العقار، بالتزامن مع صعود أدخنة النيران، فأخذ أسرته ونزل مسرعاً، لينقلهم بسيارته إلى بيت عائلته بعد اندلاع الحريق، قبل أن يعود ليتابع عمليات إطفاء العقار، الذي كان حسن أول من اشترى به شقة سكنية في عام 2015 "كان لسه وقتها صاحب البرج بيخلص بناء آخر دورين"، دفع 350 ألف جنيهاً، فيما كلفته أعمال التشطيب نحو 200 ألف جنيه أخرى، وفق ما يحكي. استمر الحريق لما بعد الثانية صباحاً "قلنا خلاص الموضوع عدى والنار خلصت، وباقي جزء صغير"، لكنهم فوجئوا بتوقف رجال الحماية المدنية عن إكمال عمليات الإطفاء، تراجعت سيارات المطافئ، وفق ما يحكي ساكني العقار، ممن تحدث إليهم مصراوي "قلناله خير يا فندم قال ملناش تعامل تاني مع العمارة دي"، يذكر سيد، صعب وصول رجال الحماية المدنية للجزء المتبقي، فيما أوصت لجنة من أساتذة كلية الهندسة بجامعة القاهرة، استمع إليهم محافظ الجيزة اللواء أحمد راشد، ب"عدم المضي قدماً في عملية الإطفاء، ومنع استخدام رجال الحماية المدنية مياه أو رغاوي حتى لا يؤثر ذلك على الأعمدة الخرسانية في الداخل، ما قد يؤدي إلى انهيار البرج". استمرت النيران في التصاعد لساعات، حتى طالت في اليوم التالي الطابقين الأول والثاني، اللذان "استغلهما صاحب العقار، ومعهما البدروم، في نشاط تجاري هو تخزين الأحذية، ما أدى لوجود مواد معجلة للاشتعال"، على ما ذكرت النيابة العامة في بيان، اليوم الثلاثاء. وفي اليوم الثالث وصلت النيران إلى شقة سيد بالطابق الخامس فاحترقت، ومعها 5 شقق سكنية أخرى، وفق روايته، في حين أُغلق الطريق الدائري جزئياً، وتم إخلاء السكان من العقارات المجاورة، خوفاً من انهيار المبنى. "المبنى غير صادر له ترخيص بالبناء، ولا يمكن صدوره لوقوعه خارج الحيز العمراني وبنائه على أرض زراعية في حرم الطريق الدائري"، قالت النيابة في بيانها، غير أن "حسن طه"، أحد قاطني العقار، يقول إن المبنى ليس استثناءً، وسط العقارات الموجودة على جانبي الطريق الدائري، الذي بدأ إنشاءه عام 1986، لربط محافظاتالقاهرة الكبرى، على جانبيه كانت أراضٍ زراعية، زحفت إليها يد العمران والبناء العشوائي على بمرور السنوات، أبراج سكنية وعمارات متراصة، جانب كبير منها متروك لم يتم طلائه، ويظهر بلون الطوب الأحمر. مع تطبيق قانون التصالح في مخالفات البناء، شرع عدد من مالكي العقارات للتصالح، وبينهم كان الحاج سمير محمود صاحب العقار المحترق، يقول حسن طه، مهندس مدني، أنهم سددوا 550 ألف جنيه رسوم جدية التصالح، لتقنين الأوضاع وترخيص العقار، غير أن النيابة العامة قالت إن "مالك العقار تقدم بطلب للتصالح عما ارتكبه من مخالفات، وقد رُفض طلبه فتظلم منه ولم يبت في التظلم حتى الآن"، في الوقت الذي لا تزال فيه أدخنة تتصاعد من العقار، لليوم الرابع، والكردونات الأمنية تحيط به، وسيارات الحماية المدنية كذلك، فيما اتخذ ساكنوه من الشارع مأوى لهم، ريثما يجدون حلاً، يخشون أن يكون قراراً بالهدم.