كشف الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، عن اختلاف العلماء حول تحديد يوم مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مؤكدا أن هذا الاختلاف لعلّة مرادها أن نحتفل بمولد النبي في سائر الأيام والليالي، قائلًا إن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد في شهر ربيعٍ الأنور، وأهل التوفيقات يختلفون في ميلاده؛ فمنهم -وهو الراجح- أنه ولد في الثاني عشر من ذلك الشهر، ومنهم من رجح الثامن، ومنهم من رجح الواحد والعشرين، وقالوا إنه ولد بذلك في العشرين من إبريل، وقيل بل في العشرين من أغسطس. وأضاف عضو هيئة كبار العلماء: وكأن ربنا - سبحانه وتعالى - أخفى يوم مولده في ربيع، كما أخفى ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان؛ لأن المسألة ليست أن نحتفل بيومٍ واحد من أيام ميلاده الشريف، بل هو أن نحتفل بكل يومٍ في ربيعٍ الأنور، وأن نجعل هذا الشهر فهمًا عن رسول الله، وتصديقًا به صلى الله عليه وسلم ، ومعيشةً في حاله عليه السلام. وتابع جمعة، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، مؤكدا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد في ذلك الشهر الأنور، في يومٍ اختلف العلماء فيه، والاختلاف يثير الهمة، ويبين مدى التقصّي الذي ناله هذا العظيم صلى الله عليه وسلم ، ولم ينله عظيم قط في التاريخ لِلَّهِ من تتبع سيرته وأحواله، وما تعامل معه من خلق الله، من بشرٍ، أو أدوات، أو غزواتٍ، أو أماكن، أو أزمنة- لم يحظ أحد في التاريخ إلا دُرَّة الأكوان صلى الله عليه وسلم بهذا الاهتمام البليغ. عندما ولد صلى الله عليه وسلم كأن الشمس ظهرت فخبت نجوم الأنبياء في ضياء شمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصبح المسلمون أمة دعوة يدعون إلى الله ورسوله، ويحاربهم الناس من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأشار فضيلة المفتي السابق إلى أن مولد النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يكن يومًا عابرا، بل ينبغي علينا أن نعيشه في كل يوم، فاليوم المُعيّن الذي ولد فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم هو خير أيام الله كلها، منذ خلق الله الأرض ومن عليها، بل والكون وما فيه، إلى أن يرجع ذلك إلى ربه. رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين للمؤمن والكافر، لما ولد فرح به أبو لهب عمه الكافر، الذي لم يورد ربنا - سبحانه وتعالى - في كتابه اسمًا من أسماء قرابة النبي إلا هذا، وأنزل فيه سورةً بحالها تُتلى إلى يوم الدين { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } . أبو لهب حكم الله عليه بالنار، خالدًا فيها أبدا؛ من شدة طغيانه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أوحى إليه ربه، لكنه في يوم مولده صلى الله عليه وسلم فرح أبو لهب فرحًا شديدا، وأعتق ثويبة فرحًا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، فأثابه الله جل جلاله على ذلك.. أفلا نفرح نحن..! يقول عروة بن الزبير: وثويبة مَولاةٌ لأبي لهبٍ وكان أبو لهبٍ أعتَقَها فأرضَعَتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فلما مات أبو لهب أُريَهُ بعضُ أهلِه بشرِّ حِيبةٍ ، قال له: ماذا لَقِيتَ؟ قال أبو لهب: لم ألقَ بعدَكم. غيرَ أني سُقِيت في هذه بعتاقتي ثُوَيبَةَ. تلقته ثويبة فهو سبب خيرها وهو سبب عتقها؛ فأرضعته، وكانت ثويبة ترضع ابنًا لها يقال له مسروح، وكانت ترضع أيضًا أبا سلمة زوج أم سلمة، التي تزوجها بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، وصارت أمًّا من أمهات المؤمنين. أبو سلمة تزوج أم سلمة، وأنجبا درة بنت أبي سلمة، وسألته صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين أم حبيبة، فقالت: يا رسول اللهَ فَوَاللهِ إنا نَتحدَّثُ أنكَ تريدُ أن تَنكحَ دُرَّةَ بنت أَبي سلمة، فقال: (ابنةَ أُمِّ سلمة) ؟! فقلت: نعم. فقال: (فوالله لو لم تكن رَبيبتي في حَجْري ماحلَّت لي، إنها ابنةُ أخي من الرَّضاعة؛ أرضَعَتْني وأبا سلمةَ ثُوَيبةُ). فثويبة أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأرضعت مسروحًا ابنها، فكان أخًا للنبي صلى الله عليه وسلم في الرضاعة، وأرضعت حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم فكان أخًا له في الرضاعة، وأرضعت أبا سلمة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. هؤلاء هم إخوة النبي صلى الله عليه وسلم من ثويبة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يَبَرُّ ثويبة، ويسأل عنها وعن أقاربها، ويرسل إليهم بالهدايا. أرضعته بعد ذلك حليمة بنت أبي ذؤيب، وكان لها ابنة أسن منه اسمها الشيماء، وابن آخر حضنته أم أيمن، وكل ذلك يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد ولادةً إنسانية فيها بركة تشير إلى حاله العالي، وليس فيها خوارق، ولادة تشير إلى أنه قد أرسل إلى كل إنسانٍ في العالم إلى يوم الدين. وأوضح فضيلة المفتي السابق أن سيدنا محمدا لم يولد من غير أب كما ولد عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام؛ لأن المثال المحتذى والأسوة الحسنة ينبغي أن يكون إنسانًا كسائر البشر.