النتيجة الرسمية لانتخابات مجلس النواب الدائرة الثانية (سيدي سالم- الرياض) بكفر الشيخ    في عيدها ال49.. رئيس جامعة المنوفية يكرم الدكتور أيمن الباز وأوائل الخريجين ورواد البحث والنشر الدولي    أسعار الفضة تسجل مستوى قياسيا في السوق المحلي.. وتراجع الذهب    قطع المياه عن المنطقة المحصورة بين شارعي الهرم وفيصل غدا    «لن ننسحب أبدًا».. إسرائيل تعلن بقاءً دائمًا في غزة وتلوّح بمنطقة أمنية ونواة استيطان في الشمال    الجيش السوداني يصدّ محاولة اختراق للدعم السريع قرب الحدود مع مصر وقصف جوي يحسم المعركة    بعد إعلان رحيله.. مودرن سبورت يبحث عن بديل مجدي عبدالعاطي    اتحاد الكرة يحذر من انتهاك حقوقه التجارية ويهدد باتخاذ إجراءات قانونية    السيطرة على حريق شقة في سوهاج دون وقوع إصابات    رفع آثار انقلاب سيارة ربع نقل محملة بالموز وإعادة الحركة بالطريق الزراعي في طوخ    الداخلية تضبط شخصين انتحلا صفة موظفين الكهرباء للنصب على المواطنين    وزارة السياحة تكشف موقف مزور لبيع تذاكر المتحف المصري الكبير    صندوق التنمية الحضرية يعد قائمة ب 170 فرصة استثمارية في المحافظات    إزالة مقبرة أحمد شوقي.. ماذا كُتب على شاهد قبر أمير الشعراء؟    طلاق لميس الحديدي وعمرو أديب رسميًا بعد أكثر من 25 عام زواج    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    الصحة: تقديم أكثر من 10.4 مليون خدمة طبية بالمنشآت الصحية بمحافظة كفر الشيخ خلال العام الجاري    روسيا تدعو مواطنيها لعدم السفر إلى ألمانيا    رئيس جامعة المنصورة يهنئ طالب هندسة لانضمامه لقائمة Forbes Middle East    البورصة تخسر 7 مليارات جنيه بختام تعاملات الأسبوع    سلوت: تجاوزنا أزمة محمد صلاح وعلينا أن نحترمه مع منتخب بلاده    البابا تواضروس يهنئ بطريرك الكاثوليك بمناسبة عيد الميلاد    معارك انتخابية ساخنة فى 7 دوائر بسوهاج    بشير التابعي يشيد بدور إمام عاشور: عنصر حاسم في تشكيلة المنتخب    محافظ أسوان يتابع ميدانيًا منظومة التطوير والتجميل    محافظ كفرالشيخ يستمع لشكاوى وطلبات الأهالي بشأن الخدمات    مدينة الأبحاث العلمية تفتتح المعرض التمهيدي لطلاب STEM المؤهل للمعرض الدولي للعلوم والهندسة ISEF–2026    ضبط 19 شركة سياحية بدون ترخيص بتهمة النصب على المواطنين    تأجيل محاكمة رئيس اتحاد السباحة وآخرين بتهمة الإهمال والتسبب في وفاة السباح الطفل يوسف    التفاصيل الكاملة لافتتاح المركز النموذجي بالغرفة التجارية بالقليوبية    خط نجدة الطفل.. طوق النجاة لمواجهة الاعتداءات بسرية تامة    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    جامعة بدر تستضيف النسخة 52 من المؤتمر الدولي لرابطة العلماء المصريين بأمريكا وكندا    إيرادات الأفلام.. طلقني يزيح الست من صدارة شباك التذاكر وخريطة رأس السنة يحتل المركز الخامس    وزارة الثقافة تنظم "مهرجان الكريسماس بالعربي" على مسارح دار الأوبرا    الجيش الروسي يسيطر على بلدة سفياتو بوكروفسكوي في دونيتسك    ادِّعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها.. الأزهر للفتوي يوضح    وول ستريت جورنال: إسرائيل تلوّح بضربة جديدة ضد إيران بسبب الصواريخ الباليستية    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي    محافظ الوادى الجديد يلتقى المستشار الثقافى للسفارة الهندية بالقاهرة    المؤتمر الدولى لكلية دار العلوم بجامعة القاهرة يناقش قضايا الاستشراق والهوية    رجال سلة الأهلي يصلون الغردقة لمواجهة الاتحاد السكندري بكأس السوبر المصري    بيان عاجل من الخارجية السعودية بشأن أحداث حضرموت والمهرة في اليمن    شوبير يكشف موقف "الشحات وعبد القادر" من التجديد مع الأهلي    مصادرة 1000 لتر سولار مجهول المصدر و18 محضرا بحملة تموينية بالشرقية    سيول وثلوج بدءاً من الغد.. منخفض جوى فى طريقه إلى لبنان    الكيك بوكسينج يعقد دورة للمدربين والحكام والاختبارات والترقي بالمركز الأولمبي    الصحة تعلن اختتام البرنامج التدريبي لترصد العدوى المكتسبة    المتحدث العسكري: قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أبريل 2026    من هو الفلسطيني الذي تولي رئاسة هندوراس؟    بالفيديو.. استشاري تغذية تحذر من تناول الأطعمة الصحية في التوقيت الخاطئ    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    حكم تعويض مريض بعد خطأ طبيب الأسنان في خلع ضرسين.. أمين الفتوى يجيب    هل يجب الاستنجاء قبل كل وضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتب عن الصحافة في 200 عام| محمد توفيق: المهنة كانت "ماتش تنس" وأصبحت "مباراة ملاكمة" (حوار)
نشر في مصراوي يوم 27 - 10 - 2020

أحيانًا يطول المشوار، في منتصف الطريق تسأل عن الجدوى والهدف، ما الذي أفعله ها هنا؟، كيف جئت إلى هذه النقطة؟، وإلى أين سأذهب؟، كلها أسئلة مشروعة تظهر حين يتوه المعنى، في تلك الحالة إذا كنت صحفيًا ينصحك محمد توفيق أن تغرق في قراءة تاريخ تلك المهنة المُضنية الممتعة، لتعلم عن قدرها وقدر نفسك، أن يتجدد إيمانك بها من جديد.
في مشوار الكاتب الصحفي محمد توفيق مع الكتابة، الذي يمتلك إلى الآن ثمانية كتب، مُضافًا إليها ثلاثية جديدة عن علاقة الصحافة بالسلطة منذ عام 1798 حتى 1999، تحت اسم "الملك والكتابة"، نرى إخلاص صحفي للمهنة، مهنة عاشت تاريخًا طويلًا من الصراعات والانتكاسات، مهنة تحتاج لضخ دماء جديدة عبر وريدها لإنعاشها، وتلك السلسلة تعتبر مُحاولة جادة لبث الروح فيها.
لم يكن على بال توفيق حين كان طالبًا جامعيًا، أن فكرة كتبها في دفتره ستتحول لمشروع بحث في تاريخ الصحافة بعد ذلك بسنوات، وأنه سيعمل لفترة طويلة -منذ عام 2017 إلى 2020- ليُخرج للنور ثلاثية "الملك والكتابة"، وأنه بها قد أنهى تعليمه في مدرسة الصحافة.
حاورنا توفيق كي نعرف أثر تلك التجربة فيه، كيف وقف على مائتي عام من الصحافة؟ ما الفترات التي شعر فيها بالإحباط ومتى تحولت أحاسيسه للفرحة مجددًا؟، ما هي أدوات بحثه خلال ذلك المشروع، وما الذي يتمناه حين يطل القارئ على ثلاثيته؟، فإلى نص الحوار..
من خلال تجربتك لإعداد ثلاثة أجزاء عن تاريخ الصحافة.. إلى أي مدى تغير تأثير الصحفي؟
أرى دومًا أن أعلى مكانة يمكن أن يصل إليها صحفي، هو أن يكون كاتب صحفي "ودي اللي وصلها الصحفيين الكبار زي هيكل ومصطفى أمين وغيرهم"، لكن الآن يتباهى الصحفيون بمكانة ليست لهم، أعتقد أن ما تغير هو رؤية الصحفي لنفسه "لما برجع لتاريخ المهنة بشوف حجم الصحفي في حياة الفنانين مثلًا، زي صلاح جاهين بالنسبة لسعاد حسني، مصطفى أمين في حياة أم كلثوم، هو ده دور الصحفي، أنا شايف إن لازم يكون وعيه بنفسه في المهنة بالشكل ده".
وحين نقيس تأثير الصحافة على مدار 200 عامًا، نجد أن 150 عامًا منها يصل فيها الصحفي لتشكيل الحكومة، بل هو من يشكل التاريخ ذاته "هو لما يكون هيكل بيكتب بيان النكسة مش يبقى هو اللي بيشكل التاريخ؟".
اصنع أستاذك بنفسك
أحيان كثيرة يُقال إننا في عصر بلا أساتذة.. فكيف يمكن للصحفي أن يُطوّر من نفسه؟
أنا مؤمن فعلًا بأننا في عصر بلا أساتذة، "لازم الصحفي يقرأ كتير أوي، في كل حاجة"، أستغرب كثيرًا حين أرى صحفيون لا يقرأون، وإذا كنا فعلًا في عصر بلا أساتذة، فعلى الصحفي أن يصنع أستاذه بنفسه عبر القراءات المتعددة "الأستاذية ليها 100 طريقة، بس رأيي طول الوقت إنه منستسلمش للطريقة التقليدية".
إذا عدنا في الزمن لتوفيق، الشاب الجامعي، كيف كانت قراءاته؟
كان حبي الأول دومًا للشعر ثم السير الذاتية، أحب أن أقرأ عن حياة الناس وتفاصيلها، قبل قراءة أعمالهم نفسها "فاكر إني وأنا في طريقي للجامعة كان معايا كتاب لعادل حمودة عن هيكل، وكنت معلّم جواه كلمة كلمة، لدرجة إن الكتاب يصعب على الواحد، ووريته لعادل حمودة بعد كدا،اتخض من كتر ما أنا مذاكره".
لقد أصبحت بالفعل كاتب صحفي، كيف تمكّنت من الوصول لهذه الدرجة؟
كانت صدفة، منذ سنوات كنت أعمل بجريدة الدستور الأسبوعية، فطرحت فكرة ملف عن صلاح جاهين، قبل ذكراه بشهور، وكان من المفروض أن حجم الملف هو صفحة داخل العدد، لكني أنتجت سبع صفحات من العمل "ودي بقت نواة الكتاب الأول وخرج بعنوان أيام صلاح جاهين".
تحويل العمل الصحفي لكتاب
كصحفي.. ما الفارق بين صناعة ملف صحفي وصناعة كتاب؟
هناك فرق كبير؛ تحويل العمل الصحفي إلى كتاب هو مهمة أخرى، فالبطل الرئيسي في الصحافة هو العنوان، أما بالنسبة للكتاب فهي الحدوتة "مهارة إنك تعرف تحكي حدوتة متصلة"، كذلك من المهم وجود نَفَس للكاتب "لأن لو الكاتب بينهج وهو بيكتب، يبقى القارئ هيتعب وهو بيقرا"، وأحد العناصر المهمة الأخرى هو كيفية قراءة الوثيقة "لأن القوة مش إني أمتلك وثائق، لكن إني أقدر على قرايتها وتحليل اللي بين السطور.. سامي شرف -سكرتير الرئيس عبد الناصر- مثلا كان يمتلك آلاف الوثائق المهمة لكن هيكل هو من استطاع تحويلها لأعمال تدوم وهذا هو الفارق بين الصحفي وغيره".
هل هذا ما فعلته حين عكفت على العمل في سلسلة الملك والكتابة؟
بالظبط، كان لديّ خط درامي في الكتاب هو علاقة الصحافة بالسلطة، منذ عام 1798 حتى 1999، في البداية لخّصت كل سنة في فقرة مكونة من 300 كلمة "فيها استعراض لأهم الشخصيات والأحداث في السنة"، كنت أعمل على الفكرة ل12 ساعة في اليوم لشهور عدّة، حتى أن بعد خروجي من المكتب "قولت لمراتي الحمدلله أنا خلصت شغل على الفكرة فبصت لي باستغراب وقالتلي كل ده في الفكرة؟".
وعملت على الجزء الثالث الخاصة بفترة التسعينيات لثلاث مرات، وما ظهر للناس هي النسخة المنقحة الأخيرة من المحاولات "وساعدني في البحث أستاذ محمد العزبي، وهو شيخ الصحفيين دلوقت، عاصر بنفسه هيكل في فترة الخمسينيات والستينيات".
مكتبة إسكندرية وسور الأزبكية ودار الكتب كانوا إخواتي
ومن أين بدأت في عملية البحث؟
لجأت أولًا للأرشيف من صحف ومجلات، دار الكتب والوثائق ومكتبة الإسكندرية وسور الأزبكية "دول كانوا إخواتي"، كنت أبيت في الإسكندرية بالثلاثة أيام "وأفضل اشتغل في مكتبة الإسكندرية من أول ما تفتح لحد ما تقفل"، وأبحث في دار الكتب ما لم أجده في المكتبة، ثم أذهب إلى سور الأزبكية لأشتري ما حددته "لأن في نظري الاقتناء لطيف بس مش هو الهدف، الهدف إني أوصل لحاجة".
تلك كانت المرحلة الأولى في البحث، بعد ذلك كنت أبحث عبر الكتب التي تحدثت عن تاريخ الصحافة، لكن واجهتني مشكلة كبيرة في البحث، لأن بعض ما كتب في الصحافة كتب أكاديمية "صعبة جدًا في القراية، ودي مشكلة تعوق عملية الاستمتاع بالقراية".
وما أهم المراجع التي اعتمدت عليها في بحثك؟
بحثت عن الكتب التي أنتجها صحفيين وعلاقتهم بالسلطة، كذلك كتب "أسطوات المهنة"، وفي نظري أن كتب الدكتور إبراهيم عبده من أهم ما كُتب في الصحافة "هو معلّم كبير في الشغلانة"، له كتاب عن جريدة الوقائع المصرية مهم جدًا، كذلك كتب عبد اللطيف حمزة من المراجع الرئيسية، وأيضًا مراجع فيليب دي طَرّازي مهم جدًا، وهو كاتب لبناني، "وكتابه عن الصحافة زي دليل التليفون، بيقول كل جرنان صدر فين وأمتى" ، لمّا اطلعت على هذه المراجع فهمت ما الذي عليّ فعله "وإيه الجديد اللي ممكن أعمله مختلف عن اللي اتعمل قبل كدا".
لم يقف أحمد عرابي على حصانه أمام الخديوي
البحث في التاريخ أمر شاق.. كيف تتأكد من الوقائع التي تكتب عنها؟
أستوثق من الواقعة جيدًا عبر الكتب والأشخاص أيضًا، هناك واقعة مثل وقوف أحمد عرابي أمام الخديوي توفيق التي قال فيها "لقد خلقنا الله أحرارًا": "أنا رجعت لخمس أشخاص عشان أتأكد من الواقعة، ودورت عنها في كتب كتير"، والحقيقة إن هذه الواقعة لم تحدث على الإطلاق، لم يقف أحمد عرابي على حصانه أمام الخديوي، ولم يقل الحديث المشهور المتداول بينهما، في تلك الواقعة تحديدًا.
أنا رجعت لما كتبه محمد عبده داخل قصر عابدين "وهو كان رئيس تحرير الوقائع المصرية"، كذلك بحثت عنها خلال الصحف التي صدرت في تلك الفترة "روحت للجرايد المؤيدة للخديو والمعارضة زي التنكيت والتبكيت متكتبش فيها أي تفاصيل عن وجود واقعة زي دي".
ولكن التاريخ أو ما نعرفه يمتلئ بوقائع حفظناها بهذا الشكل، ما معيارك لاختيار المراجع التي تستند عليها للتأكد؟
سأعطي مثال، حينما بحثت عن تفاصيل الثورة العرابية كنت أبحث عبر الصحف التي تحدثت عنها، ولا أثق فيما ينقله شخص عن آخر، آمنت بأن السياق الزمني والمكاني مهم جدًا "مينفعش أروح لكاتب كتب عن واقعة هو معاشهاش، سمعها أو مكنش مولود وقتها اصلًا، حسب الظرف الكلام بيتغير"، كذلك قرأت الأعمال الكاملة لمحمد عبده، فمثلًا الثورة العرابية لم تُبعث من رمادها سوى بعد ثورة يوليو "وقتها صفحات الجرايد كتبت صفحات كاملة عن الثورة العرابية، وتمجيد رهيب لأحمد عرابي، بينما الجرايد اللي كانت وقت عرابي نفسه مكنتش بتمجده كده، وقتها في مصر مكنش فيه اتنين بيحبوه، الناس كانت مختلفة عليه جدًا".
بكيت وأنا أقرأ عن وفاة الجبرتي
هناك واقعة أخرى ذكرتها وهي موت المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي، قلت إن محمد علي هو المسئول عن وفاته، فكيف وصلت لذلك الاستنتاج؟
من خلال البحث والقراءة أدركت أن هناك دومًا صراع بين محمد علي والجبرتي "لكن خناقة مش معلنة"، في نظري أدرك محمد علي خطورة الجبرتي على حكمه "لأن الجبرتي يعتبر أول صحفي في تاريخ مصر؛ الجبرتي كان بيكتب التاريخ يوم بيوم وفي رأيي ده صلب الصحافة"، والروايات المتناثرة نقلت إن محمد علي قتل ابنه، والجبرتي مات حزنًا عليه "وفيه روايات تانية بتقول إنه هو اللي قتله".
وهناك درس مهم وقت وفاة الجبرتي، إنه حينما مات لم يعرف أحد بالظبط عام رحيله "ودا اللي يدلّ قد ايه أن موت مؤرخ هو كارثة حقيقية، التاريخ اهتز وقتها"، وهذا شيء مؤثر لدرجة "أني بكيت لما قريت عن وفاته"، فلم يعد التأريخ إلا بعد ذلك بسنوات "وقتها محمد علي أدرك إنه عايز يكتب التاريخ من وجهة نظره، فظهرت الصحافة".
من خلال القراءة للسلسلة وجدنا أن هناك فترات تاريخية ازدحمت بنخبة من الشخصيات المُلهمة مثل جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، عبد الله النديم، ومن فترة تاريخية أخرى؛ أحمد بهاء الدين، محمد حسين هيكل، وآخرون. كيف تكون طبيعة المجتمع التي تُنتج نماذج قوية بهذا الشكل؟
مبتسمًا: "وساعات بتلاقيهم قاعدين مع بعض على قهوة"، أعتقد أن هناك فترات قوية في تاريخ مصر، اهتمّ فيها الحاكم بطبقة المثقفين، مثلًا محمد علي اهتم بالبعثات العلمية التي أخرجت لنا شخص مهم ك"رفاعة الطهطاوي" الذي صار وزيرا للحربية في عهد محمد علي، وأحيانًا يكون هناك زعامة مركزية يتجمع الناس حولها، مثل جمال الدين الأفغاني "كان بيبقى عنده محمد عبده وحبيب إسحاق وغيرهم، مجموعة كبيرة من المثقفين والصحفيين يتجمعوا حواليه في قهوة في إسكندرية وهو بيعلمهم ويخطب فيهم كلهم".
حالة الزخم هي التي تصنع شخصيات ملهمة في تاريخ مصر "ومكنوش عظام ببلاش كدا، التاريخ بيقولنا اد ايه كان فيه مراحل فاصلة لازم ساعتها يختاروا عندها يبقوا في أنهي صف"، مثل محمد عبده وهو شخص إصلاحي لم يؤمن بالثورة العرابية "لكن جت مرحلة فاصلة بإن اللي مش مع الثورة يعتبر خاين، فانضم للثورة".
الصحافة.. ماتش تنس
خلال رحلة بحثك. ما هي أكثر الفترات التي رأيت فيها حرية للصحافة؟
هناك فترة مهمة جدًا؛ من عشرينيات القرن الماضي وحتى الأربعينيات "دي كانت فترة فيها أكبر حرية للصحافة رغم إن كان فيه احتلال"، كل يوم كان هناك صحيفة تُغلق وأخرى تُفتح، فاطمة روز اليوسف كان يغلق لها صحف عديدة في أسبوع واحد.
أرى أن العلاقة بين الصحافة والسلطة كلعبة تنس، في تلك الفترة تحديدًا "كان دستور 1923 هو اللي بيحكم العلاقة دي، ورغم إن فيه قانون بيدي الحق للحكومة تقفل الجرايد بس في نفس الوقت، القانون كان بينصر الصحافة أحيانًا وتطلع أحكام قضاء تغرّم الحكومة".
وما هي فترات الضعف التي مرت بها الصحافة؟
أسوأ الفترات التي شهدتها الصحافة كانت بعد الثورة العرابية، لا يمكن أن تكون هناك فترة أسوأ منها، منذ عام 1882 وحتى 1889 ظلت مصر بلا صحف.
في تلك الفترة أُغلقت الجرائد لأن أغلبها كان مؤيدا للثورة، وما استمر إما صحف موالية للسلطان العثماني وأخرى موالية للخديو، وثالثة تتحدث بلسان الإنجليز، واستمر الوضع إلى أن صدرت جريدة المؤيد عام 1896، حينها أصبح هناك تجمع حول الصحفي، درجة أن جلسة محاكمة لصحفي مثل علي يوسف في قضية التلغرافات البريطانية وما فعله الإنجليز في السودان، شهدت حضور المصريين داخل وخارج المحكمة، خلاف المنتظرين في المنازل لسماع الحكم.
كذلك الفترة التي تلت ثورة يوليو، أرى وقتها أن العلاقة بين الصحافة والسلطة تحولت إلى مباراة ملاكمة بدلًا من التنس، إذا أغلقت صحيفة لا تعود مرة أخرى، ومع عام 1960 "مبقاش مسموح إنك تغلط من الأساس"، بسبب وجود رقيب دائم داخل الجريدة.
وكيف كان رد الصحفيين في تلك الفترات العصيبة؟
دومًا كان هناك صحفيون يقفون ندًا للسلطة، مثل فاطمة اليوسف حينما أرسلت خطابًا لجمال عبد الناصر تنتقد فيه الأوضاع، وفي ظل الرقيب المقيم بالجريدة، كان هناك رؤساء تحرير أقوى من الرقيب، أمثال محمد حسنين هيكل "كان عنده القدرة أنه يجيب ورقة يقول له مينفعش تمنع المقال ده".
وفي فترة الستينيات والتسعينيات، كان الصحفيون أصحاب الخبرة يتحايلون بالكتابة، في ظل توزيع جيد للصحف وهناك صحفيون استطاعوا أخذ قرارات "بصرف النظر عن أي حد". في وقت اتمنع اسم الفنان عادل إمام بسبب خلافه مع إبراهيم سعده، لكن أحمد رجب استمر في الكتابة عن عادل إمام، ولما قرر رئيس التحرير وقتها ممتاز القط أن يحذف كلمة من مقال لأحمد رجب، امتنع الأخير عن الكتابة حتى أن الرئيس ورئيس الوزراء تدخلا لإرجاعه عن قراره، كان الصحفي يفهم جيدًا دوره رغم الصعوبات.
طيب خلاص هات صحفيين نضاف يبلغوا عن زمايلهم
وفي رأيك لماذا تقلص دور الصحفي؟
الصحفي كان لو وضعه وعارف مكانته كويس؛ كان هناك رئيس تحرير قوي يقابل رئيس الوزراء ووزير الداخلية "ويتعامل معاه بندية" ثم بدأت العلاقة تصغر.
وبدأ أساتذة المهنة "اللي فاهمين الشغلانة" يخفوا عن الصحفيين الصغار أصول العمل " وكأنهم بيضللوا العدالة"، يتعاملون معهم "على أنهم ميعرفوش حاجة"
حرصت في نهاية كل جزء ذكر المراجع التي استعنت بها تحت اسم "كتب ملهمة"، فما السبب في الاسم؟
"لأن فيه ناس بتلهمني حتى لو مخدتش جملة منهم"، مثل محمود عوض، لم آخذ معلومة واحدة من كتبه "لكن بكتبه كمرجع لأن قدرته على إلهامي أكبر"، لكني بشكل عام متأثر بمدرسة سلامة أحمد سلامة وسناء البيسي في الكتابة.
ما أصعب المواقف التي مرت عليك أثناء إعدادك ل"الملك والكتابة"؟
وأنا أكتب الجزء الثالث، بعدما انهيت 80% منه، فجأة ضاع ما كتبت وأعدت كتابته مرة أخرى، نفسيًا "اتدمرت" لأن من الصعب جدَا أن يضيع مني عمل أكتبه، لكن ذلك كان اختبار "عرفت قد إيه أني بحب حدوتة البحث في الصحافة.. حب أفلاطوني يخليني أكمل".
كيف اختلفت تجربتك مع السلسلة عن أي كتاب آخر أعددته؟
أنا أكملت تعليمي مع السلسلة. حياتي كلها اختلفت بعد الملك والكتابة، طريقة البحث أصبحت أقوى كثيرًا، "بقى عندي أشبه بهوس"، صرت أبحث بطريقة تبدو كوميدية، أكن على علم بالمعلومة لكن أتفقد أكثر من 10 مراجع عنها "أقول يمكن يكون في كلمة أو وصف زيادة يخليني أصنع صورة أفضل للحدث".
قبل نشر "الملك والكتابة" وأنت تبحث وتكتب في تاريخ الصحافة.. ما الدافع الذي يلهمك للمواصلة؟
رأيي إذا كان دوري في الحياة أن اذّكر الصحفي أنه يومًا كان صاحب قوة، لدرجة أن رئيس الوزراء كان يذهب ويعتذر له، فهذا يكفيني، وليس ذلك استدعاء لقوة "ولا بحاول أوري إحنا كنا جامدين قد إيه"، لكنها الحقيقة حتى ولو مررنا بفترات ضعف.
عايشت كم هائل من التفاصيل.. أي من الأحداث تمنيت حضورها؟
تمنيت أن أكون صحفي في الفترة من عام 1928 إلى 1948 لأن أوج مجد الصحافة كان فيها، ووقت ما بعد ثورة يوليو من عام 1953 إلى 1968، رغبت لو حضرت اجتماع نقابة الصحفيين، الذي قرر فيه أحمد بهاء الدين إخبار جمال عبد الناصر "أنه غلطان وأننا اتهزمنا في 67 واللي نزلوا تظاهروا ناس حقيقية وأنه هو المسؤول"، اندمجت مع الحكاية حتى أني تخيلت تفاصيلها مع المكان الحالي للنقابة رغم أن المبنى كان في مكان آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.