البابا تواضروس ل"الشاهد": بعض الأقباط طلبوا الهجرة أيام حكم مرسي    وزير الري: جاري الإنتهاء من تجهيز مركز التنبؤ بالفيضان    مستشار وزير التعليم العالى: ننشئ جامعات أهلية وتكنولوجية متكاملة    تباين أسعار العملات العربية في بداية تعاملات اليوم الأربعاء 5 يونيو 2024    باسل رحمي: إدماج البعد البيئي في قطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة تماشيا مع رؤية مصر 2030    فيديو.. مسئولة بوزارة الزراعة: تخفيض أسعار اللحوم في منافذنا بنسبة 40%    استقالة مساعد وزير التموين بعد تردد اسمه لتولي الوزارة    رئيس غرفة الصناعات الهندسية يكشف تفاصيل اجتماعه مع رئيس الوزارء| خاص    دبلوماسي سابق: مصر توقف إسرائيل عند حدها والعالم يعلم دور القاهرة    رئيس وزراء لبنان: الوضع مستتب والتحقيق جار لكشف ملابسات حادث السفارة الأمريكية    البرلمان العربي يثمن مصادقة سلوفينيا على قرار الاعتراف بفلسطين    خبير دولي: جهود مصر لدعم القضية الفلسطينية لم تنقطع لحظة واحدة    طارق قنديل: مشروع الأهلي حدث تاريخي للكرة المصرية    المصري: قد لا نشارك في كأس الكونفدرالية بسبب إيقاف القيد    بشير التابعي: الأهلي يتفوق على الزمالك    إصابة 6 أشخاص في حادث انقلاب ميكروباص بالطريق الأوسطي    كفر الشيخ: انتهاء الاستعدادات لاستقبال امتحانات الثانوية العامة    التعليم توجه تعليمات لطلاب الثانوية العامة قبل بدء الامتحانات الأسبوع المقبل    «معلومات الوزراء»: المحتويات المضللة هي الخطر العالمي الخامس في السنوات المقبلة    بعد مغرب غد الخميس.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذى الحجة لعام 1445    النائب طارق عبد العزيز ل"قصواء الخلالي": الرئيس السيسى ركز على مواصلة مسار الإصلاح الاقتصادى    المخرج عمر هلال: فيلم«فوي فوي فوي» تم كتابته في 3 سنوات    السعودية ومصر تعلنان موعد غرة ذي الحجة وعيد الأضحى 2024 غدا    وزير الصحة يطلق المرحلة الثانية لمبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية    الوادي الجديد: انطلاق أعمال القافلة الطبية المجانية في قرى عثمان بن عفان بالفرافرة    الرقابة الصحية: اجتماعات لرسم خارطة الطريق لاستراتيجية مستدامة بأفريقيا    مجلس النواب الأمريكى يوافق على تشريع جديد يعاقب المحكمة الجنائية الدولية    مصطفى الفقي: وزير التموين من أكفأ الوزراء في حكومة مدبولي    اليوم.. الحكم على أحد المتهمين بقتل عميل بنك مصر لسرقته بالعمرانية    أسعار الأسمنت اليوم الاربعاء 5-6-2024 في محافظة قنا    تعرف على أسعار التصالح في مخالفات البناء وفقا للقانون    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 5-6-2024 بالدوري المصري والبطولات العالمية    أسعار اللحوم الضاني اليوم الاربعاء 5-6-2024 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    "لوموند": الهند تدخل حقبة من عدم الاستقرار السياسي بعد الانتخابات التشريعية    صحيفة تسلط الضوء على الانقسام بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حول الأصول الروسية    انطلاق فعاليات الاجتماع الفني لتطوير البنية التحتية للطاقة النووية في مصر بفيينا    العرضي المسرحي الأرتيست كامل العدد لليلة الثالثة على التوالي    5 نصائح من «الصحة» ل«الحجاج».. اتبعوها للوقاية من العدوى    طريقة عمل شاورما اللحمة، أكلة سريعة ومغذية    ما هو السن الشرعية للأضحية وهل يجوز التضحية بالتي لم تبلغ السن؟.. الإفتاء توضح    "قومي المرأة" بالمنيا يناقش طرق التعاون المشترك مع الأجهزة التنفيذية    تعرف على عقوبة أفشة في الأهلي.. وموقفه من العودة للتدريبات    «معدومي الضمير وضموا لاعبين مبيعرفوش يباصوا».. ميدو يهاجم مسؤولين سابقين في الإسماعيلي    محافظ الدقهلية: توفير إيواء مؤقت ومساعدات للأسر المتضررة بانهيار عقار ميت غمر    منها الحيض.. مركز الأزهر للفتوى يوضح جميع أحكام المرأة فى الحج    تعادل إيطاليا مع تركيا في مباراة ودية استعدادًا ليورو 2024    النائبة مها عبد الناصر تطالب بمحاسبة وزراء الحكومة كل 3 أشهر    «الأهلي» يرد على عبدالله السعيد: لم نحزن على رحيلك    عربية بورش وظهور لافت ل طليقة شاكوش، مشاهد جديدة من احتفال حمو بيكا بعيد ميلاد زوجته    الإفتاء تحذر المصريين من ظاهرة خطيرة قبل عيد الأضحى: لا تفعلوا ذلك    وفد «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية يصل القاهرة لاستعراض الأوضاع الحالية في غزة    إبراهيم عيسى: المواطن يشعر بأن الحكومة الجديدة ستكون توأم للمستقيلة    «شديد السخونة».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم وتكشف موعد انخفاض درجات الحرارة    علماء الأزهر: صكوك الأضاحي لها قيمة كبيرة في تعظيم ثوابها والحفاظ على البيئة    البابا تواضروس يكشف كواليس لقائه الأول مع الرئيس السيسي    البابا تواضروس ل"الشاهد": بعض الأقباط طلبوا الهجرة أيام حكم مرسي    حظك اليوم| الاربعاء 5 يونيو لمواليد برج الميزان    حظك اليوم| الاربعاء 5 يونيو لمواليد برج العقرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد 28 عامًا على زلزال 1992.. رحلة البحث عن أكثم (الحلقة السادسة)
نشر في مصراوي يوم 17 - 10 - 2020

كان نظام الألوميتال جديدًا في مصر بداية التسعينيات؛ كان هو الموضة الجديدة والتي حلت محل الشبابيك وأبواب الشُرفات الخشبية. داخل إحدى ورش مدينة نصر؛ صبّ "مُسعد هوجان"، نصب تركيزه على تجارته الجديدة، يمتلك ورشة لتصنيع الألوميتال وتركيب الشبابيك، وكان الإقبال عليه ملحوظًا، وضع "هوجان" ما ادخره من أموال في سفريات الخليج (ليبيا – العراق...) ليتملك تجارته الخاصة، دون أن يمتلكه أحد: "مفيش أحسن من إن الواحد يبقى حُر نفسه.. ولا كفيل ولا بتاع !". صاحب إحدى الورش المجاورة له أخبره أن لديه زبونًا يتعامل معه ويريد تشطيب شقته، فسأله مُسعد: "مين ده؟"، ليُجيب زميله: "أكثم"، ثم كررها مرة أخرى عليه: "أكثم يا أسطى.. أكثم سليمان بتاع الزلزال !"، كان ذلك عام 1993، ولم يكن يعلم "هوجان" أن حياته ستنقلب رأسًا على عقب بسبب "أكثم".
فوجئ "هوجان" بعدها بأيام، بشخص يقف على عتبه محله، عريض المنكبين، وجهه مُنير، يرتدي بنطالا وقميص كلاسيك، ألقى التحية عليه:
- السلام عليكم يا أسطى "هوجان"
- وعليكم السلام.. اتفضل..
- أنا جايلك من طرف الأسطى "فلان".. كان قالي أجيلك عشان عندي شوية شغل ألوميتال.. أنا "أكثم"
ذُهل "هوجان" لوهلة، ظل يتفحصه وهو مشدوه إليه، نظر إلى ملامح وجهه البشوشة، كانت خالية من أي خدوش أو تشوهات، هو يعلم جيدًا قصة "أكثم"، فكيف للشخص الواقف أمامه أن يكون هو ذاته الذي أخرجوه من تحت الأنقاض بعد 82 ساعة، وهو سليم تمامًا، يقف بشكل ثابت، يتبسم، ويتحدث بثقة، وعقله موزون "كإن اللى وقع عليه حِمل برسيم.. مش عمارة". كانت الأسئلة تطرق رأس هوجان بشدة، لدرجة أن أكثم لاحظ ذلك، فقطع سيل دهشته بسؤال: "إنت ساكن فين يا أسطى مسعد".
- أنا ساكن هنا في النزهة...
- عظيم جدًا.. ده احنا على كده جيران.. على العموم أنا محتاج تيجي تشوف بعينك وترفع المقاسات عشان مستعجل على تركيب الألوميتال...
أومأ "هوجان" برأسه، مُبديًّا موافقته على الفور.. لملم عدته.. وذهبا سويًّا نحو شقة "أكثم"، وما هون عليهم الطريق، القصة التي بادر أكثم بروايتها عن نجاته، وقصة ساعات الرعب تحت الأنقاض.
"كنا في الشقة.. ومرة واحدة حصل الزلزال.. وفجأة العمارة جابت عليها واطيها.. كانت أمي ومراتي وبنتي معايا"، كان الضوء يخفت رويدًا رويدًا حتى ساد الظلام، وساد معه الصمت، وعلم "أكثم" وقتها أن أسرته قد رحلت ولم يتبقْ إلا هو، وكان ما زال حيًّا بفضل الله الذي منع سقف الشقة من الانهيار عليه، من خلال عامود خرسانة كان يحول بينه وبين السقف"، يحكي "هوجان" تفاصيل قصة "أكثم" كما رواها: "كان بيحكي القصة والكلام متكسر.. مش ممكن يكون الشخص ده هو اللي قاعد معايا دلوقتي وبيحكي".
داخل الغرفة 306 بمستشفى هليوبوليس؛ استقر جسد أكثم، كان الزوار يتوافدون عليه، أقربائه، وأصدقائه، لكن شخصًا واحدًا عندما دخل عليه؛ انهار أكثم في البكاء، احتضنه بشدة، وقال له في انهيار: "اتأكدت إن هيه دى جثة سميرة اللى دفنتها.. ولا لأ.. اتأكدت يا عصام"، ليرد عليه: "أيوه يا حبيبي.. هي خلاص.. ربنا يرحمها.. كان حبيبتنا كلنا هي وكل اللي راحوا"، ثم طلب "أكثم" من الجميع مغادرة الغرفة ماعدا "عصام".
"مسعد" لم يكتسب لقب "هوجان" صُدفةً، كان شبيهًا ب "هوجان" بطل المصارعة، يواظب على تدريبات كمال الأجسام، وهو الأمر الذي زرعه في ابنه الوحيد، عمل فى كل المجالات تقريبًا، ويُعرف نفسه دومًا أنه صاحب خبرة في كل شيئ.
هناك رحلة لا ينساها "هوجان"، ذهب هو -والذي أصبح صديقه "أكثم"- إلى الأرض التي يمتلكها الأخير، على طريق مصر الإسماعيلية الصحراوي. معروف عن أكثم أنه شخص هادئ الطباع، مؤدب، ملتزم، ولا ينفعل حتى في أقصى المواقف.. لكن هذه الرحلة كانت مختلفة.
أثناء سفرهما، وقع حادث، انقلبت على إثره إحدى السيارات على جانب الطريق.. رأى "أكثم" المشهد، انتفض وأصابته التشنجات، بكى بحُرقة، ثم أخذ يُردد: "لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله..."، ثم ركن السيارة، وفتح الباب وأخذ جركن مياه من "شنطة" سيارته، وما لبث أن هرع صوب السيارة المقلوبة.. لم يلتفت حتى لوجود "مُسعد" في السيارة.. الذي هرع هو الآخر خلفه، وجدا داخل السيارة أسرة، وطفلة صغيرة: "يمكن عندها 12 سنة"، تصرخ وتبكي، ووالدتها مُغمى عليها، وزوجها قائد السيارة لا يعي ما حدث، لم يتركهما أكثم ولا مُسعد، حتى جاءت سيارة الإسعاف، حينها فقط اتجه أكثم نحو سيارته، بعد أن اطمئن على المصابين.
يتعجب مُسعد من موقف "أكثم"، يتذكره دومًا ولا يستطيع نسيانه: "هو العادي طبعًا إن احنا نساعد.. بس أنا حسيت إن أكثم وكإن البنت الصغيرة دي.. فكرته ببنته (سميرة) اللي ماتت فى الزلزال".
لا يجد "هوجان" وصفًا لما حل بصديقه وقتها سوى جملة واحدة: "أكثم لسه الزلزال جواه !!".
استمر "أكثم" بعد الزلزال في عمله كمهندس زراعي، كان يمتلك قطعتي أرض، أحدهما بطريق مصر الإسماعيلية الصحراوي، والثانية بطريق بلبيس، وكان "هوجان" يعمل معه، في مباشرة أعماله، وتوفير عُمال ومُزارعين له، حتى قرر "هوجان" نقل معيشته إلى 6 أكتوبر، حيث مدينة جديدة، وبها توسعات، ليُقرر "أكثم" أن يُرسله إلى قريب له، وهو المهندس "نابغ عبد القادر"، والذي كان يمتلك مصنعين ويُشرف على أعمال المقاولات هناك: "المرتب مع المهندس نابغ كان أفضل..." .
يؤمن "هوجان" أنه لولا أكثم لما كانت حياته استمرت على هذا النحو: "مكنش في خيالي إني آجي أكتوبر.. واتجوز وأخلف هنا واشتغل شغلانة كويسة وإن أكثم يكون وسيط إني أشتغل".
لم ينسْ هوجان "أكثم" أبدًا: "كل ما تيجي سيرته.. كإني شايفه قُدامي". يعرف أنه بدأ حياة جديدة، تزوج وأنجب وزهد في الدنيا: "بس مش بمعنى الزهد.. حاسس إنه ربنا عوضه بزوجة عن زوجته وولاد عن بنته.. لكن عمره ما نسي ولا هينسى اللي حصل".
لا يعلم "هوجان" عنوان "أكثم" على وجه التحديد، لكنه يعرف الوصول إليه، أعطانا رقم تليفون منزله بمنطقة مصر الجديدة، لكنه رقم قديم وعندما استقصينا عنه وجدنا عدم وجوده ضمن العملاء، وصف ليَّ العنوان، ووعدني بالذهاب سويًّا من أجل مقابلة "أكثم".
سألنا مُسعد هوجان عن آخر مرة تواصل فيها مع أكثم؟.. فأجاب: يااااااه.. يا خبر أبيض.. أنا تقريبًا من سنة 1996، وأنا مسمعتش صوته.. يعني قول من ساعة ما نقلت هنا في 6 أكتوبر.. المشاغل للأسف وتلاهي الحياة.. لكن يمكن ربنا جاعلك سبب عشان أشوفه تاني.. ده هيفرح قوى لما يشوفني.
وهل تعتقد أنه ما زال على قيد الحياة؟، شرد ذهن "مُسعد" قليلاً، قبل أن يُجيب: "بإذن الله حي"، قبل أن يُتمتم مُستكملاً شروده: "لا إله إلا الله.. يعني لو توفاه الله.. والله الواحد هيزعل جدًا.. أنا إزاي الفترة دي كلها مكلمتوش ولا سألت عنه..."، ضرب "هوجان" كفًا على كف، قبل أن يُذكرنا بضرورة الذهاب والبحث عنه في آخر مكان التقى فيه مُسعد ب "أكثم" عام 1996.
اقرأ أيضًا:
لقراءة الحلقة الأولى.. اضغط هنا
لقراءة الحلقة الثانية.. اضغط هنا
لقراءة الحلقة الثالثة.. اضغط هنا
لقراءة الحلقة الرابعة.. اضغط هنا
لقراءة الحلقة الخامسة.. اضغط هنا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.