رشاد عبده: الدعم النقدي الأفضل لكن في مصر العيني هو الأنسب    اتحاد منتجي الدواجن: نفوق كبير جراء تخفيف الأحمال.. والأسعار زادت بأكثر من 25%    حماس: إقرار الكنيست قانونا يمنع فتح بعثات دبلوماسية بالقدس لخدمة الفلسطينيين باطل    الرئاسة الفلسطينية: القدس عاصمة فلسطين الأبدية و«مسيرة الأعلام» لن تغير واقعها    وزير الرياضة يدعم المنتخب قبل مواجهة بوركينا فاسو    منع أم لعنة أفشة.. إلغاء حلقة نجم الأهلي على أون تايم سبورت    هل يغير جوميز مركز عبد الله السعيد فى الزمالك؟    دون إصابات.. السيطرة على حريق في شونة خردة بالغربية    رئيس البعثة المصرية للحج: استقبلنا 2000 حالة في العيادات حتى الآن    مركز اللغات والترجمة بجامعة القاهرة يطلق برنامج Summer camp لأطفال    منى زكي تتصدر الترند بعد تنازلها عن قضية السب والقذف من «يوتيوبر» شهير.. ما القصة؟    أحمد السبكى يكشف محافظات المرحلة الثانية للتأمين الصحى الشامل بتكلفة 86 مليار    وزير العمل يشارك في الملتقى الدولي للتضامن مع عمال فلسطين والأراضى العربية المحتلة    السعودية وإثيوبيا تعلنان إنشاء مجلس أعمال مشترك    موراتا يقود منتخب إسبانيا ضد أندورا قبل خوض يورو 2024    رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى 2024    عيد الأضحى 2024: هل يجوز الانتفاع بلبن وصوف الأضحية حتى نحرها؟ «الإفتاء» توضح    بالفيديو.. خالد الجندي: هذا ما يجب فعله مع التراث    وزراء مالية منطقة اليورو يؤيدون موقف مجموعة السبع بشأن الأصول الروسية    منى زكى تقبل اعتذار "اليوتيوبر" المتهم بالإساءة إليها وتتنازل عن الدعاوى    الحكومة الألمانية تعتزم تخفيف الأعباء الضريبية بمقدار 23 مليار يورو خلال السنوات المقبلة    تيسير مطر: الجميع متضامن مع القضية الفلسطينية وندعم قرارات الدولة المصرية    السعودية ومصر تعلنان موعد غرة ذي الحجة وعيد الأضحى 2024 غدًا    خبير اقتصادى: الحكومة المستقيلة حققت تنمية غير مسبوقة فى الصعيد وسيناء    «درَّة التاج»| العاصمة الإدارية.. أيقونة الجمهورية الجديدة    رئيس جامعة المنوفية يستعرض الخطة الاستثمارية وتعظيم الاستفادة من الموارد الذاتية    رئيس «أسيوط» يشهد احتفال «الدول العربية» بتوزيع جائزة محمد بن فهد    طرح البوستر الرسمي لفيلم "اللعب مع العيال".. ومحمد إمام يعلق    الخشت: تطوير الرياضة الجامعية ودعمها بكافة الإمكانات وتوفير بيئة مناسبة لممارستها    خطاب التنصيب من الاتحادية للعاصمة الإدارية.. سنوات من البناء    رؤية مصر 2023.. "الأزهر" يدشن وحدة للاستدامة البيئية - تفاصيل    أمين الفتوى بدار الإفتاء: الدعاء مستجاب في روضة رسول الله    أستاذ قانون دولي: أمريكا تعاقب 124 دولة أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية    نور تحكي تجربتها في «السفيرة عزيزة» الملهمة من مريضة إلى رائدة لدعم المصابين بالسرطان    رئيس الجمعية الوطنية بكوت ديفوار يستقبل وفد برلماني مصري برئاسة شريف الجبلي    إنقاذ حياة كهربائي ابتلع مسمار واستقر بالقصبة الهوائية ببنها الجامعي    أمين الفتوى يوضح طريقة صلاة التسابيح.. مٌكفرة للذنوب ومفرجة للكروب    بعد صدور قرار النيابة بشأن التحاليل.. أول تعليق للفنانة هلا السعيد على واقعة التحرش بها من سائق «أوبر»    فوز الدكتورة هبة علي بجائزة الدولة التشجيعية 2024 عن بحث حول علوم الإدارة    السبت أم الأحد؟.. موعد الوقفة وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2024    «الأطباء» تعلن موعد القرعة العلنية ل«قرض الطبيب» (الشروط والتفاصيل)    بفرمان كولر.. الأهلي يستقر على ضم 3 لاعبين في الصيف الجاري    تعليق مثير من مدرب إشبيلية بشأن ضم أنسو فاتي    رحلة البحث عن الوقت المناسب: استعدادات وتوقعات لموعد عيد الأضحى 2024 في العراق    القومي لحقوق الإنسان والأعلى للثقافة يناقشان تعزيز قيم المواطنة    الامارات تلاقي نيبال في تصفيات آسيا المشتركة    الجريدة الرسمية تنشر قرار محافظ الجيزة باعتماد المخطط التفصيلى لقرية القصر    "معلومات الوزراء": التقارير المزيفة تنتشر بسرعة 10 مرات عن الحقيقية بمواقع التواصل الاجتماعي    وزير الري يبحث مشروعات التعاون مع جنوب السودان    محافظ القليوبية: تطوير ورفع كفاءة 15 مجزرًا ونقطة ذبيح    مندوب فلسطين الدائم ب«الأمم المتحدة» ل«اليوم السابع»: أخشى نكبة ثانية.. ومصر معنا وموقفها قوى وشجاع.. رياض منصور: اقتربنا من العضوية الكاملة بمجلس الأمن وواشنطن ستنصاع لنا.. وعزلة إسرائيل تزداد شيئا فشيئا    حزمة أرقام قياسية تنتظر رونالدو في اليورو    تكريم الطلاب الفائزين فى مسابقتى"التصوير والتصميم الفنى والأشغال الفنية"    النشرة المرورية.. خريطة الكثافات والطرق البديلة في القاهرة والجيزة    محافظ كفر الشيخ يتفقد موقع إنشاء مستشفى مطوبس المركزي    بتقرير الصحة العالمية.. 5 عناصر أنجحت تجربة مصر للقضاء على فيروس سي    رئيس إنبي: اتحاد الكرة حول كرة القدم إلى أزمة نزاعات    صحة الوادى الجديد: تنفيذ قافلة طبية مجانية بقرى الفرافرة ضمن مبادرة حياة كريمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد 28 عامًا على زلزال 1992.. رحلة البحث عن أكثم (الحلقة الرابعة)
نشر في مصراوي يوم 15 - 10 - 2020

اهتزّ أكثم وزُلزلت حياته. عندما أنجب قرر أن يُسمي ابنته "سميرة" تيمُنًا باسم والدته.. لم يكن يعلم إنه سيفقدهن معًا.. رحلت والدته بعد أن خيم عليها الصمت ولم تُجب نداءاته، أيقن باقتراب نهاية طفلته سميرة، ارتفعت درجة حرارتها بجنون، أُصيبت بالحُمى، وصارت تهذي، ثم صمتت حتى النهاية. انهارت زوجته "تنسيانا" ولم تعد تتحمل، شعُرت باختناق شديد، خلعت حليها الذهبية ثم رمتها بعيدًا، ورحلت فيما كان يُمسك "أكثم" بيدها اليُسرى حتى ذبُلت عروقها...
الدنيا لا تساوى شيئًا.. ما فائدة أن يكون معك كل شيء، أموال وشقة تطل على أفضل ميدان بمصر الجديدة وعمل مُستقر، ويموت الأحبة بين يديك وتعجز عن تقديم لهم شيئًا، هكذا تحدث "أكثم"، الذي ظل وحيدًا وسط الظلام والرائحة الكريهة التي انبعثت من جُثث الموتي. كان عندما يشعر بالعطش يقطع جزءًا من جلابيته التي كان يرتديا ثم يُبللها ب "البول" ويضعها في فمه، لدرجة إنهم عندما أخرجوه كان شبه عاريًّا.
تعوَد أكثم أن يبدأ حياته من جديد، يوم عاد إلى مصر من إيطاليا ومعه زوجته، أودع 10 آلاف جنيه في شركة "الهلال" لتوظيف الأموال -وقتها- وضاعت أمواله ولم ييأس وبدأ من جديد، وخلال وجوده في روما، خسر آلاف الجنيهات، ولم ييأس، حتى يوم تخليص سيارته من الجمرك، سُرقت أمواله، لكنه أصر على استمرار حياته. فقد أحبابه وأعز ما يملُك، وقاوم حتى نال الحياة.. هكذا تحدث عنه صديقه المُقرب "محمد صالح"، الذي تعرفنا إليه من واقع ارشيف الصُحف، والذي حاولنا العثور عليه لكن دون جدوى.
التفنيد والبحث للوصول إلى أفراد شجرة "معارف أكثم" –وفقًا لأرشيف الصحف-، كانت مُعظم نتائجه مُخيبة للآمال، فإما أسماء متوفية، أو أخرى لا توجد عنهم أية معلومات، أو شخص مجهول يُدعى "سعيد الجارحي" قال عنه أكثم أنه هو الذي أنقذه واكتشف صوته من تحت الركام، ودلل أكثم وقتها على عنوانه بمنطقة العجوزة، وقمنا بالذهاب إلى المنطقة والبحث عن "سعيد الجارحي" لكن دون جدوى.
ضيقنا مسار البحث، وظهرت لنا نتائج مُبشرة مُتعلقة بأحد أقاربه ويُدعى "نابغ عبد القادر" كون اسمه مميزًا جدًا، فضلاً عن أسماء الأطباء الذين باشروا علاجه، إضافة إلى العميد عبدالغفار منصور والذي تواصلنا مع ابنه.
كان العميد عبدالغفار منصور خبيرًا بمنطقة مصر الجديدة والنزهة وما يجاورها، لذا عينوه مُشرفًا على عمليات الإنقاذ، كونه يحفظ المنطقة عن ظهر قلب، ما إن علم بوجود شخص حي تحت الأنقاض بعد اليوم الرابع من الزلزال، حتى انغمس وسط رجاله، محاولا إخراجه بالتعاون مع الفريق الأجنبي الذي كان متواجدًا. كان "منصور" يروي حكايات الزلزال لأولاده، ومنهم "محمد "، والذي يتذكر جيدًا "أكثم".
تواصلنا مع نجل العميد عبدالغفار منصور هاتفيًّا ليحكي ما حدث: "والدي طلع من الحادثة دي بإصابة في راسه تسببت في تجمع دموي، وبعد مرور السنوات، أصيب والدي بورم حميد في نفس مكان الإصابة حتى تُوفي". يُشير "محمد" إلى مُعجزة الزلزال: "أكثم، جالنا البيت هو وأخته الدكتورة إلهام وعزمناهم على الغداء.. فاكر اليوم ده كويس.. كانت الزيارة بهدف إنه يقدم الشكر لوالدي ولفريق الحماية المدنية كلها". كان أكثم صامتًا طوال الزيارة، لا يتحدث سوى القليل، يسرح بخياله كثيرًا، لكنه كان عندما يتحدث تتطرق آذاننا جميعًا إليه. لكن "محمد" لا يعرف مصير "أكثم" الآن، هل ما زال حيًّا، وأين ذهب بعد الزلزال؟!.
كان هناك كونسلتو من الأطباء في مختلف التخصصات الذين كانوا متواجدين داخل مستشفى هليوبوليس، التي تحولت إلى ما أشبه بمعسكر لا يغادرونه، ومهما طال من العمر، سيظل داخل عقول هؤلاء الأطباء مساحة غير منسية للحادث الأليم الذي مر عليهم.
"حسن المنشاوي، ناجي إسكندر، هاني زكي، جمال الشيخ، مصطفى زيدان، يحيى صادق... " وغيرهم، أضف إليهم طاقم التمريض، علاوة على العمال، جميعهم كون مجموعة عمل للإنقاذ وتقديم الدعم.
بالنسبة للدكتور حسن المنشاوي، فالحادث لا يغيب عن ذاكرته أبدًا، لكنه كان متعجبًا من كوننا أول من ذكرناه بالحادث منذ أكثر من 28 عامًا.
عام 1992، الدكتور حسن المنشاوي، كان يُحضر رسالة الماجيستير خاصته، هو طبيب المخ والأعصاب، وكان تعيينه داخل مستشفى هليوبوليس، مرت عليه لحظات عصيبة، دماء، انهيارات عصبية، صُراخ وعويل، أقارب يبحثون عن ذويهم، ويعجزون عن التعرف عليهم بسبب الحدث الجللّ الذي حطم الأجساد والأنفُس.
"كان اللي بيدخل المستشفى من الدكاترة يقعد ويكمل.. واللى كان قاعد ميخرجش.. يعني كان اللى بيدخل المستشفى مننا مبيخرجش.. لحد ما طلع أكثم".. خروج أكثم كان بالنسبة للدكتور حسن المنشاوي وزملاءه بمثابة الراحة، لأنهم منذ وقت وقوع الحادث، ومع مرور الساعات، ومع ظهور أخبار تُفيد بوجود صوت من تحت الأنقاض يُشير إلى وجود من يتمسك بالحياة، كان الأطباء يتمسكون هم الآخرون بالأمل في الإنقاذ، يقول المنشاوي إنه من شدة هول الحدث؛ ظلوا داخل المستشفى لأسبوع كامل.
يتذكر "المنشاوي" الأمر جيدًا، بعد أكثر من ثلاثة أيام، صدت الزغاريد أرجاء المستشفى، وأول من استقبله كان هو: "أي شخص من حادث سقوط من ارتفاع بيخش تحت تشخيص ارتجاج في المخ وإصابة في البطن"، بعد الفحص اطمأن الشناوي على "أكثم"، لم يُصبه شيئ، ولكن هول الصدمة عليه كان شديدًا: "كان مصدوم لكنه كان حامد ربنا طبعا إنه موجود.. لأن فيه ناس كتير راحت في الحادثة دي"، سأله المنشاوي: "كنت بتشرب إزاى"، أجاب أكثم: "من البول"، ثم أكمل: "لقيت بصيص نور من بعيد.. قولت أكيد أنا قريب وممكن يطلعوني...". يصعب على "المنشاوي" التحدث في التفاصيل: "حدث يتعاش أكتر منه يتحكى".
الدكتور هاني زكي، استشاري جراحة المخ والأعصاب بمستشفى وادي النيل، كان أيضًا أحد المستقبلين لأكثم فور إنقاذه من تحت الأنقاض، يتذكر الحدث الجلل، رغم مرور السنوات: "فاكر كويس جدًا وقت ما فحصناه، وأكتر حاجة فاكرها إنه كان بيُعاني من جفاف شديد، نتيجة عدم حصول جسده على الماء الكافي، واعتماده في النجاة على البول". لا يتذكر أين ذهب أكثم: "كنا وقتها مشغولين بالحدث.. لأننا كنا في حالة طوارئ، وكان كل همنا فقط تطبيب المصابين".
يتذكر زكي الحالة الصحية لأكثم، حيث لم يكن يُعاني من شئ، سوى من كسر في مشط قدمه، نتيجة العمود الخرساني الذي كان فوقه، لكن سوى ذلك فنتائج تحاليله كانت مطمئنة، وحالته العامة كانت جيدة، نظرًا لطبيعته الجسدية القوية.
لم يعرف أفراد "الشجرة" مكانًا لأكثم، أو معلومات تُفيد بوجوده في الحياة من عدمه.. شعُرنا أن جميع الأبواب سُدت، لكننا تمسكنا بالأمل، قررنا التواصل مع آخر خيوط شجرة العائلة التي صنعناها لأكثم.. خُضنا محاولات عديدة للوصول إلى نابغ عبدالقادر، والذي عرفته الصُحف وقتها ب "ابن خالته"، فيما عرفته صحفٌ أخرى بأنه صديق أكثم المُقرب...
اقرأ أيضًا:
لقراءة الحلقة الأولى.. اضغط هنا
لقراءة الحلقة الثانية.. اضغط هنا
لقراءة الحلقة الثالثة.. اضغط هنا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.