هل ترتفع أسعار اللحوم بسبب السلالة الجديدة من الحمى القلاعية؟ شعبة القصابين ترد    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الأخير.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 12-11-2025 في الصاغة    الرئيس الإسرائيلي: عنف المستوطنين «المروع» ضد الفلسطينيين يجب أن يتوقف    الكرملين: الأسلحة النووية مفيدة للردع لكن الخطاب النووي خطير    أشرف داري يدعم قائمة الأهلي أمام شبيبة القبائل    سوبر اليد.. سموحة يؤدي مرانه الأول في العين استعدادًا لمواجهة الأهلي    ديانج يدرس الاستمرار مع الأهلي رغم عرض سعودي مغري    أمن قنا يكشف تفاصيل واقعة مقتل سيدة في منزلها بطلق خرطوش بأبوتشت    وزير الثقافة: بعد 103 أعوام المتحف المصري الكبير يعيد للحضارة صوتها.. والسينما مرجع الحياة للتاريخ والإنسانية    إدارة التجنيد والتعبئة تقدم التيسيرات التجنيدية لذوي الهمم بعدد من المحافظات    بمشاركة بن رمضان والجزيري.. تونس تتعادل مع موريتانيا وديا    الصحة أولوية قصوى فى استراتيجية الدولة    احذرى، فلتر المياه متعدد المراحل يُفقد الماء معادنه    أول زيارة علمية وثقافية للمتحف المصري الكبير لطلاب جامعة كفر الشيخ    ستاندرد بنك: 30 مليار دولار حجم تجارة مصر مع دول جنوب الصحراء الأفريقية سنوياً    منتخب مصر مواليد 2009 يختتم استعداداته لمواجهة الأردن    بعثة الجامعة العربية لمتابعة انتخابات مجلس النواب تشيد بحسن تنظيم العملية الانتخابية    غرامة 500 ألف جنيه والسجن المشدد 15 عاما لتاجر مخدرات بقنا    نائب المحافظ يتابع معدلات تطوير طريق السادات بمدينة أسوان    قصر صلاة الظهر مع الفجر أثناء السفر؟.. أمين الفتوى يجيب    أمور فى السياسة تستعصى على الفهم    محمد رمضان يقدم واجب العزاء فى إسماعيل الليثى.. صور    محافظ شمال سيناء يتفقد قسام مستشفى العريش العام    قبل مواجهة أوكرانيا.. ماذا يحتاج منتخب فرنسا للتأهل إلى كأس العالم 2026؟    صحفيو مهرجان القاهرة يرفعون صورة ماجد هلال قبل انطلاق حفل الافتتاح    الداخلية تكشف تفاصيل استهداف عناصر جنائية خطرة    رئيس الإدارة المركزية لمنطقة شمال سيناء يتفقد مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن الكريم بالعريش    طلاب كلية العلاج الطبيعي بجامعة كفر الشيخ في زيارة علمية وثقافية للمتحف المصري الكبير    كندا تفرض عقوبات إضافية على روسيا    وزيرالتعليم: شراكات دولية جديدة مع إيطاليا وسنغافورة لإنشاء مدارس تكنولوجية متخصصة    مكتب التمثيل التجاري يبحث مع المانع القابضة زيادة استثمارات المجموعة فى مصر    سعر كرتونه البيض الأحمر والأبيض للمستهلك اليوم الأربعاء 12نوفمبر2025 فى المنيا    انطلاق اختبارات «مدرسة التلاوة المصرية» بالأزهر لاكتشاف جيل جديد من قراء القرآن    ضبط مصنع حلويات بدون ترخيص في بني سويف    ما عدد التأشيرات المخصصة لحج الجمعيات الأهلية هذا العام؟.. وزارة التضامن تجيب    أسماء جلال ترد بطريقتها الخاصة على شائعات ارتباطها بعمرو دياب    البابا تواضروس الثاني يستقبل سفيرة المجر    محمد صبحي يطمئن جمهوره ومحبيه: «أنا بخير وأجري فحوصات للاطمئنان»    الرئيس السيسي يصدق على قانون الإجراءات الجنائية الجديد    حجز محاكمة متهمة بخلية الهرم لجسة 13 يناير للحكم    رئيس الوزراء يتفقد أحدث الابتكارات الصحية بمعرض التحول الرقمي    «المغرب بالإسكندرية 5:03».. جدول مواقيت الصلاة في مدن الجمهورية غدًا الخميس 13 نوفمبر 2025    عاجل- محمود عباس: زيارتي لفرنسا ترسخ الاعتراف بدولة فلسطين وتفتح آفاقًا جديدة لسلام عادل    بتروجت يواجه النجوم وديا استعدادا لحرس الحدود    سكاي: إيفرتون يدخل سباق التعاقد مع زيركزي    الرقابة المالية تتيح لشركات التأمين الاستثمار في الذهب لأول مرة في مصر    عاجل- رئيس الوزراء يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين مصر ولاتفيا لتعزيز التعاون فى مجالات الرعاية الصحية    «عندهم حسن نية دايما».. ما الأبراج الطيبة «نقية القلب»؟    وزير دفاع إسرائيل يغلق محطة راديو عسكرية عمرها 75 عاما.. ومجلس الصحافة يهاجمه    القليوبية تشن حملات تموينية وتضبط 131 مخالفة وسلع فاسدة    إطلاق قافلة زاد العزة ال71 بحمولة 8 آلاف طن مساعدات غذائية إلى غزة    «العمل»: التفتيش على 257 منشأة في القاهرة والجيزة خلال يوم    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    في ذكرى رحيله.. محمود عبد العزيز «ساحر السينما المصرية» جمع بين الموهبة والهيبة    «وزير التنعليم»: بناء نحو 150 ألف فصل خلال السنوات ال10 الماضية    رئيس هيئة الرقابة المالية يبحث مع الأكاديمية الوطنية للتدريب تطوير كفاءات القطاع غير المصرفي    18 نوفمبر موعد الحسم.. إعلان نتائج المرحلة الأولى لانتخابات النواب 2025 وخبير دستوري يوضح قواعد الفوز وحالات الإعادة    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد 28 عامًا على زلزال 1992.. رحلة البحث عن أكثم (الحلقة الرابعة)
نشر في مصراوي يوم 15 - 10 - 2020

اهتزّ أكثم وزُلزلت حياته. عندما أنجب قرر أن يُسمي ابنته "سميرة" تيمُنًا باسم والدته.. لم يكن يعلم إنه سيفقدهن معًا.. رحلت والدته بعد أن خيم عليها الصمت ولم تُجب نداءاته، أيقن باقتراب نهاية طفلته سميرة، ارتفعت درجة حرارتها بجنون، أُصيبت بالحُمى، وصارت تهذي، ثم صمتت حتى النهاية. انهارت زوجته "تنسيانا" ولم تعد تتحمل، شعُرت باختناق شديد، خلعت حليها الذهبية ثم رمتها بعيدًا، ورحلت فيما كان يُمسك "أكثم" بيدها اليُسرى حتى ذبُلت عروقها...
الدنيا لا تساوى شيئًا.. ما فائدة أن يكون معك كل شيء، أموال وشقة تطل على أفضل ميدان بمصر الجديدة وعمل مُستقر، ويموت الأحبة بين يديك وتعجز عن تقديم لهم شيئًا، هكذا تحدث "أكثم"، الذي ظل وحيدًا وسط الظلام والرائحة الكريهة التي انبعثت من جُثث الموتي. كان عندما يشعر بالعطش يقطع جزءًا من جلابيته التي كان يرتديا ثم يُبللها ب "البول" ويضعها في فمه، لدرجة إنهم عندما أخرجوه كان شبه عاريًّا.
تعوَد أكثم أن يبدأ حياته من جديد، يوم عاد إلى مصر من إيطاليا ومعه زوجته، أودع 10 آلاف جنيه في شركة "الهلال" لتوظيف الأموال -وقتها- وضاعت أمواله ولم ييأس وبدأ من جديد، وخلال وجوده في روما، خسر آلاف الجنيهات، ولم ييأس، حتى يوم تخليص سيارته من الجمرك، سُرقت أمواله، لكنه أصر على استمرار حياته. فقد أحبابه وأعز ما يملُك، وقاوم حتى نال الحياة.. هكذا تحدث عنه صديقه المُقرب "محمد صالح"، الذي تعرفنا إليه من واقع ارشيف الصُحف، والذي حاولنا العثور عليه لكن دون جدوى.
التفنيد والبحث للوصول إلى أفراد شجرة "معارف أكثم" –وفقًا لأرشيف الصحف-، كانت مُعظم نتائجه مُخيبة للآمال، فإما أسماء متوفية، أو أخرى لا توجد عنهم أية معلومات، أو شخص مجهول يُدعى "سعيد الجارحي" قال عنه أكثم أنه هو الذي أنقذه واكتشف صوته من تحت الركام، ودلل أكثم وقتها على عنوانه بمنطقة العجوزة، وقمنا بالذهاب إلى المنطقة والبحث عن "سعيد الجارحي" لكن دون جدوى.
ضيقنا مسار البحث، وظهرت لنا نتائج مُبشرة مُتعلقة بأحد أقاربه ويُدعى "نابغ عبد القادر" كون اسمه مميزًا جدًا، فضلاً عن أسماء الأطباء الذين باشروا علاجه، إضافة إلى العميد عبدالغفار منصور والذي تواصلنا مع ابنه.
كان العميد عبدالغفار منصور خبيرًا بمنطقة مصر الجديدة والنزهة وما يجاورها، لذا عينوه مُشرفًا على عمليات الإنقاذ، كونه يحفظ المنطقة عن ظهر قلب، ما إن علم بوجود شخص حي تحت الأنقاض بعد اليوم الرابع من الزلزال، حتى انغمس وسط رجاله، محاولا إخراجه بالتعاون مع الفريق الأجنبي الذي كان متواجدًا. كان "منصور" يروي حكايات الزلزال لأولاده، ومنهم "محمد "، والذي يتذكر جيدًا "أكثم".
تواصلنا مع نجل العميد عبدالغفار منصور هاتفيًّا ليحكي ما حدث: "والدي طلع من الحادثة دي بإصابة في راسه تسببت في تجمع دموي، وبعد مرور السنوات، أصيب والدي بورم حميد في نفس مكان الإصابة حتى تُوفي". يُشير "محمد" إلى مُعجزة الزلزال: "أكثم، جالنا البيت هو وأخته الدكتورة إلهام وعزمناهم على الغداء.. فاكر اليوم ده كويس.. كانت الزيارة بهدف إنه يقدم الشكر لوالدي ولفريق الحماية المدنية كلها". كان أكثم صامتًا طوال الزيارة، لا يتحدث سوى القليل، يسرح بخياله كثيرًا، لكنه كان عندما يتحدث تتطرق آذاننا جميعًا إليه. لكن "محمد" لا يعرف مصير "أكثم" الآن، هل ما زال حيًّا، وأين ذهب بعد الزلزال؟!.
كان هناك كونسلتو من الأطباء في مختلف التخصصات الذين كانوا متواجدين داخل مستشفى هليوبوليس، التي تحولت إلى ما أشبه بمعسكر لا يغادرونه، ومهما طال من العمر، سيظل داخل عقول هؤلاء الأطباء مساحة غير منسية للحادث الأليم الذي مر عليهم.
"حسن المنشاوي، ناجي إسكندر، هاني زكي، جمال الشيخ، مصطفى زيدان، يحيى صادق... " وغيرهم، أضف إليهم طاقم التمريض، علاوة على العمال، جميعهم كون مجموعة عمل للإنقاذ وتقديم الدعم.
بالنسبة للدكتور حسن المنشاوي، فالحادث لا يغيب عن ذاكرته أبدًا، لكنه كان متعجبًا من كوننا أول من ذكرناه بالحادث منذ أكثر من 28 عامًا.
عام 1992، الدكتور حسن المنشاوي، كان يُحضر رسالة الماجيستير خاصته، هو طبيب المخ والأعصاب، وكان تعيينه داخل مستشفى هليوبوليس، مرت عليه لحظات عصيبة، دماء، انهيارات عصبية، صُراخ وعويل، أقارب يبحثون عن ذويهم، ويعجزون عن التعرف عليهم بسبب الحدث الجللّ الذي حطم الأجساد والأنفُس.
"كان اللي بيدخل المستشفى من الدكاترة يقعد ويكمل.. واللى كان قاعد ميخرجش.. يعني كان اللى بيدخل المستشفى مننا مبيخرجش.. لحد ما طلع أكثم".. خروج أكثم كان بالنسبة للدكتور حسن المنشاوي وزملاءه بمثابة الراحة، لأنهم منذ وقت وقوع الحادث، ومع مرور الساعات، ومع ظهور أخبار تُفيد بوجود صوت من تحت الأنقاض يُشير إلى وجود من يتمسك بالحياة، كان الأطباء يتمسكون هم الآخرون بالأمل في الإنقاذ، يقول المنشاوي إنه من شدة هول الحدث؛ ظلوا داخل المستشفى لأسبوع كامل.
يتذكر "المنشاوي" الأمر جيدًا، بعد أكثر من ثلاثة أيام، صدت الزغاريد أرجاء المستشفى، وأول من استقبله كان هو: "أي شخص من حادث سقوط من ارتفاع بيخش تحت تشخيص ارتجاج في المخ وإصابة في البطن"، بعد الفحص اطمأن الشناوي على "أكثم"، لم يُصبه شيئ، ولكن هول الصدمة عليه كان شديدًا: "كان مصدوم لكنه كان حامد ربنا طبعا إنه موجود.. لأن فيه ناس كتير راحت في الحادثة دي"، سأله المنشاوي: "كنت بتشرب إزاى"، أجاب أكثم: "من البول"، ثم أكمل: "لقيت بصيص نور من بعيد.. قولت أكيد أنا قريب وممكن يطلعوني...". يصعب على "المنشاوي" التحدث في التفاصيل: "حدث يتعاش أكتر منه يتحكى".
الدكتور هاني زكي، استشاري جراحة المخ والأعصاب بمستشفى وادي النيل، كان أيضًا أحد المستقبلين لأكثم فور إنقاذه من تحت الأنقاض، يتذكر الحدث الجلل، رغم مرور السنوات: "فاكر كويس جدًا وقت ما فحصناه، وأكتر حاجة فاكرها إنه كان بيُعاني من جفاف شديد، نتيجة عدم حصول جسده على الماء الكافي، واعتماده في النجاة على البول". لا يتذكر أين ذهب أكثم: "كنا وقتها مشغولين بالحدث.. لأننا كنا في حالة طوارئ، وكان كل همنا فقط تطبيب المصابين".
يتذكر زكي الحالة الصحية لأكثم، حيث لم يكن يُعاني من شئ، سوى من كسر في مشط قدمه، نتيجة العمود الخرساني الذي كان فوقه، لكن سوى ذلك فنتائج تحاليله كانت مطمئنة، وحالته العامة كانت جيدة، نظرًا لطبيعته الجسدية القوية.
لم يعرف أفراد "الشجرة" مكانًا لأكثم، أو معلومات تُفيد بوجوده في الحياة من عدمه.. شعُرنا أن جميع الأبواب سُدت، لكننا تمسكنا بالأمل، قررنا التواصل مع آخر خيوط شجرة العائلة التي صنعناها لأكثم.. خُضنا محاولات عديدة للوصول إلى نابغ عبدالقادر، والذي عرفته الصُحف وقتها ب "ابن خالته"، فيما عرفته صحفٌ أخرى بأنه صديق أكثم المُقرب...
اقرأ أيضًا:
لقراءة الحلقة الأولى.. اضغط هنا
لقراءة الحلقة الثانية.. اضغط هنا
لقراءة الحلقة الثالثة.. اضغط هنا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.