طقس الإسكندرية يشهد رياح مفاجئة وبرق ورعد وأمطار غزيرة.. صور    ماكرون يهدد إسرائيل بإجراءات صارمة ويمهلها "ساعات وأياما" للاستجابة للوضع الإنساني في غزة    "بعد معلول".. أحمد شوبير يلمح إلى اقتراب رحيل نجم آخر عن الأهلي    تعطيل الامتحانات بجامعة الإسكندرية اليوم بسبب سوء الأحوال الجوية    أمطار رعدية وثلوج وعواصف تشبه الإعصار.. ماذا يحدث في الإسكندرية؟- فيديو وصو    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم عسكر الجديد شرق نابلس    ترامب يقر زيادة جديدة على رسوم الصلب لحماية السوق الأمريكية    علي معلول يعلن رسميًا نهاية مشواره مع الأهلي: «أنا راحل.. لكن الحب باقٍ»    موعد صلاة عيد الأضحى 2025 في جميع محافظات مصر    اليوم.. أولى جلسات محاكمة مدربة أسود سيرك طنطا في واقعة النمر    العفريت الذي أرعب الفنانين| «الفوتوغرافيا».. رحلة النور والظلال في 200 سنة    6 طرق للحفاظ على صحة العمود الفقري وتقوية الظهر    ب62 جنيه شهريًا.. أسعار الغاز الطبيعي اليوم وتكلفة توصيله للمنازل (تفاصيل)    «ليس وداعا وسنلتقي قريبا».. تعليق مفاجئ من شوبير بعد إعلان معلول الرحيل عن الأهلي    ثروت سويلم يعلن نظام الدوري المصري في الموسم الجديد وموعد نهايته    «سأصنع التاريخ في باريس».. تصريحات مثيرة من إنريكي قبل نهائي دوري الأبطال    جراديشار: شاركت في مباراة بيراميدز ولم أكن أعرف أسماء لاعبي الأهلي    مهاجم بيراميدز: التركيز سلاحنا لحسم اللقب الأفريقي    جدل بين أولياء الأمور حول «البوكليت التعليمى»    «تنسيق الجامعات 2025»: 12 جامعة أهلية جديدة تنتظر قبول الدفعة الأولى    هبوط جديد في عيار 21 الآن.. أسعار الذهب والسبائك اليوم السبت 31 مايو 2025 بالصاغة    اليوم.. انطلاق امتحانات الشهادة الإعدادية في جميع المحافظات    سوهاج.. خلاف مالي بين شقيقين ينتهي بطعنة نافذة    ماس كهربائي يتسبب في نشوب حريق بمنزلين في سوهاج    اليوم.. 58 ألف و841 طالبًا يؤدون امتحان اللغة العربية للشهادة الإعدادية بقنا    وزير الدفاع الإسرائيلي: لن نمنح الحصانة لأحد وسنرد على أي تهديد    ترامب يكشف موعد الإعلان عن وقف إطلاق النار في غزة    أحمد حلمي ومنى زكي وعمرو يوسف وكندة علوش في زفاف أمينة خليل.. صور جديدة    «متقوليش هاردلك».. عمرو أديب يوجه رسائل خاصة ل أحمد شوبير    «القاهرة للسينما الفرانكوفونية» يختتم فعاليات دورته الخامسة    أفضل دعاء في العشر الأوائل من ذي الحجة.. ردده الآن للزوج والأبناء وللمتوفي ولزيادة الرزق    النائب أحمد السجيني يحذر من سيناريوهين للإيجار القديم: المادة 7 قد تكون الحل السحري    رئيس «النحّالين العرب»: قطاع تربية النحل يتعرض لهجمات «شرسة» سنويًا لتشويه المنتج المحلى    محافظة قنا: الالتزام بالإجراءات الوقائية في التعامل مع حالة ولادة لمصابة بالإيدز    لا تتركها برا الثلاجة.. استشاري تغذية يحذر من مخاطر إعادة تجميد اللحوم    شروط ورابط الحصول على دعم المشروعات اليحثية بهيئة تمويل العلوم    موعد أذان فجر السبت 4 من ذي الحجة 2025.. ودعاء في جوف الليل    باسم مرسي: لاعبو الزمالك قادرين على مصالحة الجماهير بالفوز بكأس مصر    5 فلاتر يجب تغييرها دوريًا للحفاظ على أداء سيارتك    سعر الموز والخوخ والفاكهة بالأسواق اليوم السبت 31 مايو 2025    لا تضيع فضلها.. أهم 7 أعمال خلال العشرة الأوائل من ذي الحجة    الجماع بين الزوجين في العشر الأوائل من ذي الحجة .. هل يجوز؟ الإفتاء تحسم الجدل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 31-5-2025 في محافظة قنا    «قنا» تتجاوز المستهدف من توريد القمح عن الموسم السابق ب 227990 طنًا    عاجل|أردوغان يجدد التزام تركيا بالسلام: جهود متواصلة لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    مدير «جي إس إم» للدراسات: فرص نجاح جولة المباحثات الروسية الأوكرانية المقبلة صفرية    تغييرات مفاجئة تعكر صفو توازنك.. حظ برج الدلو اليوم 31 مايو    «المصري اليوم» تكشف القصة الكاملة للأزمة: زيادة الصادرات وراء محاولات التأثير على صناعة عسل النحل    شريف عبد الفضيل يحكى قصة فيلا الرحاب وانتقاله من الإسماعيلي للأهلى    بدء تصوير "دافنينه سوا" ل محمد ممدوح وطه الدسوقي في هذا الموعد    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. ترامب: سنعلن تفاصيل اتفاق غزة اليوم أو غدا.. إحباط هجوم إرهابى فى روسيا.. وصول مليون و330 ألف حاج للسعودية.. سقوط قتلى فى فيضانات تضرب نيجيريا    مشرف بعثة الحج السياحي: إلغاء ترخيص الشركات السياحية المخالفة للضوابط المنظمة    وزير التعليم يبحث مع «جوجل» تعزيز دمج التكنولوجيا في تطوير المنظومة التعليمية    تطرق أبواب السياسة بثقة :عصر ذهبى لتمكين المرأة فى مصر.. والدولة تفتح أبواب القيادة أمام النساء    وفد من مسئولي برامج الحماية الاجتماعية يتفقد المشروعات المنفذة بحياة كريمة في الدقهلية    الأحد.. مجلس الشيوخ يناقش الأثر التشريعي لقانون التأمين الصحي والضريبة على العقارات المبنية    «أوقاف الدقهلية» تفتتح مسجدين وتنظم مقارئ ولقاءات دعوية للنشء    الأعلى للجامعات: فتح باب القبول بالدراسات العليا لضباط القوات المسلحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"مزاج أهل كرداسة.. الكبدة الجملي عادة "زباين" و"فاتحة بيوت

أوقف عماد عبدالحميد دراجته النارية أمام محل "أم منى"، الساعة لا تتجاوز الحادية عشر ونصف صباحًا، تعرف السيدة طلبه "رُبع كبدة.. فلفل وطماطم"، جلس في الطرف الآخر من صينية الطعام، بعفوية أمسك بملعقة كبيرة ليقلب الطماطم، ضحك مُوجهًا حديثه لصاحبة الفرشة "بذمتك حد من الزباين بيساعدك غيري؟". في كرداسة لا يُرى بائعي الفول والطعمية إلا قليلا، تتناثر محلات الكبدة الجملي في الشوارع، تستقبل الزبائن من الثامنة صباحًا. لا يهم إذا كان مكان البيع متسعًا أو فرشة صغيرة، طالما اليوم يبدأ بالطعام المُفضل.
يأتي عماد من قرية بني مجدول بالجيزة لأكل الكبدة مرتين أسبوعيًا، ارتفاع سعرها أجبره على تقليص مرات تناولها "الرُبع بخمسة وخمسين جنيه"، رغم ذلك، لا يستغني عنها "اتولدنا لقينا جدودنا بياكلوها الصبح"، يُشير للطبق الموضوع أمامه وأرغفة الخُبز قائلا "بتدي الجسم قوة ومش بتتعب الواحد زي اللحمة".
ليست الكبدة فحسب هي العادة القديمة في كرداسة، فالمركز الواقع على بُعد نصف ساعة بالسيارة من أهرامات الجيزة، يعمل جزء من أهله منذ أعوام بعيدة في تفصيل العباءات، والمشغولات اليدوية ومستلزمات التفصيل، حتى أنه عقب ثورة يوليو 1952 تم افتتاح 3 مصانع للنسيج داخلها، وفيما بعد عُرفت ضمن الأماكن التي يزورها السائحون، غير أن حرق قسم شرطة كرداسة في 2013 أثّر سلبًا على سيرة القرية وعدد الزبائن.
لا يعلم أحد متى بدأت مطاعم الكبدة الجملي في الانتشار، كلما سُئل أحد البائعين عن البدايات "احنا طلعنا لقيناها موجودة"، ليست مهنة الرجال، فتواجد السيدات فيها ليس بقليل؛ عند مطلع شارع سعد زغلول بقرية كرداسة كانت أم أحمد، التي تعمل منذ 20 عام، تُنهي عملها لليوم، تُقطع آخر ما تبقى معها من كبدة جملي، صحيح أن الساعة لم تقترب بعد من الثانية ظُهرًا، لكن الكمية التي تحصّلت عليها انتهت، حيث اعتاد البائعون جلب كميات من الكبدة يوميًا "لازم تبقى طازة".
بعد وفاة زوجها قررت أم أحمد إعالة بيتها من خلال ذلك المشروع، في المُعتاد تطبخ الكبدة منذ الصباح الباكر وحتى حلول المساء، ولكن هناك أيام عزيزة؛ فبعد منع استيراد الجمال من الخارج "كانت بتيجي جمال من السودان والصومال"، الآن يعتمد البائعون، ومن بينهم أم أحمد، على الجمال البلدي "ودا مخلي السوق مش ماشية أوي".
لم يعد غريبًا على أم أحمد رؤية سيدة جديدة تدخل المجال، فعلى مسافة منها كانت أم منى مُنهمكة في طهي الكبدة "جوزي طلع على المعاش ولازم أكفي البيت، مفيش شغلانة غير دي"، تقول أم منى التي بدأت العمل منذ 15 سنة.
في الشارع تستقر عُدّة أم منى، بسبب غلو إيجار المحل "سبته واشتغلت برة" ، تضع أمامها طاولة صغيرة يجتمع عليها الميزان وخشبة التقطيع والسكاكين حادة الأطراف، فيما يقع جوارها أنبوبة البوتجاز وصينية الكبدة التي تُطهى على نار "الشعلة" كما تُسميها، أدوات بسيطة لكنها تُقيم مشروع يكفل أسرتها، وتعاونها فيه ابنتيها.
من بين الأدوات الأساسية التي لا يتخلى عنها أي بائع؛ هي الصينية المُقّعرة التي تُطهى عليها الكبدة، تلك الصينية لا يتم شراءها بذلك الشكل، بل يُحوّلها صانعو الألومنيوم في القرية، بينهم عم صبحي النحاس.
في شارع جانبي، كان منزل عم صبحي مفتوحًا على مصراعيه، تظهر من داخله أواني مصنوعة من الألومنيوم، ترامت في أرجاء المكان، بينها استقرت مطرقة خشبية، وفوقها عُلقت صورة قديمة للنحاس رفقة أخيه.
"بشتغل فيها من زمن الزمن، ورثتها عن أبويا وجدي"، لا يتذكر صاحب ال72 عاما من بدأ فكرة عمل تجويف فيها لطهي الطعام، لكنه يعلم أن المهنة باتت أسوأ مع الوقت "بقى أي حد يشتغل فيها.. لو حد راح للحداد وإداله صنية مستوية هيعملهاله".
تغيُّر الزمن أزعج مهنة النحاس "بقى فيه مكن بيعمل اللي كنا بنعمله بإيدينا"، يستخدم والد التسعة أبناء المطرقة الخشبية ليغير شكل الصينية، يشعر بالإرهاق خاصة وأنه مريض بالقلب "وفي الآخر ييجي الزبون يقولي خد خمسة جنيه.. طب وتعب إيدي يبقى ببلاش؟"، يبيع ابن كرداسة مستلزمات منزلية من الألومنيوم، تساعده على تحمل النفقات، يسترجع الزمن الماضي، حين كان يجر عربة مليئة بتلك القطع يوميًا، ويبيعها في كرداسة، ولا يعود للمنزل إلا وقد تناول رُبع كيلو من الكبدة الجملي.
"كنت بشتريه بربع جنيه ولا ملك زماني".. يتحسر النحاس على الوقت الحالي "لا بقى سعر الكبدة ينفعنا ولا اتبقى ناس شغالة في مهنة الألومنيا في كرداسة"، يُحصي عدد الذين أغلقوا محلاتهم فيصل إلى ثمانية "مفضلش غيري أنا وواحد تاني".
"نَفَس الست يسرية مش زي أي حد".. تلك الجملة تُقال كثيرًا، حينما تأتي سيرة أشهر بائعي الكبدة الجملي بكرداسة، داخل السوق بالقرية يُعلن مطعم يسرية عن نفسه، جدران مُلونة تُغير شكل المشهد الشاحب، وأفراد العائلة يتعاونون لتقديم الكبدة إلى الزبون، كما يُضاف إلى المشهد أكواب الشاي الأخضر المميز.
بوجه سَمِح تستقبل السيدة أي زائر إليها، اعتادت على زبائن قادمين من أماكن مُختلفة "أنا بقالي 14 سنة شغالة"، ومثل القصة المُعتادة فإن الست يسرية بدأت العمل بعد وفاة زوجها، في البداية واجهها اعتراض أبيها الذي يعمل في الجزارة "قالي أنا ربنا كارمني وأقدر أصرف على ولادك، بس الحياة مش أكل وشرب بس"، سَعت السيدة إلى بناء مستقبل أولادها من خلال مطعم الكبدة.
وبعد ثلاث سنوات من العمل تمكنت من فتح المطعم "كنت الأول بشتغل جمب محل أبويا في الشارع"، جُزء من انجذاب كثيرين لمطعم يسرية هو مُحاولتها الدائمة لإرضاء الزبائن "مدوسش على الزبون، ومبحطش دهن كتير"، وهو ما ضايق بائعون مُنافسون منها "كان حالي هيوقف بسببهم".
"لمة" العائلة جُزء من مطعم يسرية، تساندها شقيقتها وابن عمها، تشتري الكبدة من محل أبيها للجزارة "مفيش حد غريب بينا"، دومًا ما يكون المحل مُزدحمًا بالزبائن لديها، لكن يوم الاثنين يبقى مُختلفًا "عشان السوق عندنا يوم الاتنين فمحدش بيعرف ييجي من زحمة الشارع".
على مقربة من بائعي الكبدة في كرداسة، ينتظر علي عاطف قدوم الزبائن. يقف بين الذبائح المعلقة، تعمل عائلته في الجزارة منذ سنوات بعيدة، بات يعلم خباياها "الكبدة محتاجة اهتمام.. لو اللي بيعملها غفل عنها دقيقة ممكن تجمد وتبوظ وبتاخد تقليبة واحدة بس"، يفتح صندوق يحتفظ به بقطع الكبدة، يُخرج إحداها ليقوم بوزنها لأحد الزبائن "لازم تتاكل صابحة كمان.. لو باتت طعمها بيتغير ومينفعش تتحط في التلاجة".
بمجرد النظر، يعرف الشاب العشرين الجمل ذو اللحم الجيد "بس مقدرش أقول جواه كام كيلو كبدة.. ممكن جمل صغير يبقى فيه 20 كيلو"، يُفضل علي لحم الجمال المصري عن غيرها، لكن قرار منع الاستيراد أدى لرفع سعر الكبدة "وصلت 240 جنيه للكيلو"، خاصة مع تزايد الطلب عليها.
لا يبيع علي اللحوم الجملي فقط، يطهو الكبدة كباقي أهل كرداسة " فيه صنايعية بتبقى هي فطارهم"، كما يتيح خدمة توصيل الطلبات للمنازل.
لا يعرف أحد بالتحديد عدد البائعين الموجودين في كرداسة، تطهو بعض السيدات الكبدة أمام المنزل، في الشارع الواحد يتجاور الباعة، يتواجدون في الأسواق، أو في مدخل المدينة كحال عمرو أحمد الذي التحق بالمهنة قبل 3 سنوات فقط.
كان صاحب الست وعشرين عاما سائقًا "بس اتضايقت من الشغلانة وسيبتها"، لجأ لصديق يساعده في طهي الكبدة وبيعها، صارا يتناوبان على العمل بعد ذلك "ممكن أيام نشتغل 24 ساعة وأيام نفتح ساعتين ونقفل.. حسب رجل الزبون"، بالنسبة لعمرو فالرزق مضمون خاصة أن مكان عمرو على الطريق العام "كل الناس بتعدي علينا، وحتى لو مفيش زبون من برة فأهل البلد بياكلوها كل يوم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.