بعد استشهاد سيدنا عثمان بن عفان- رضي الله عنه- ثالث الخلفاء الراشدين المهديين، تولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، خلافة المسلمين، وبعد أن تمت بيعته من قبل الصحابة الكرام الذين حضروا بدرًا وتولى أمر المسلمين قام بحركة تنقلات في الولاة الذي ولاهم سيدنا عثمان بن عفان على الأمصار والبلدان، وكان من بينها مصر. كان والي مصر في عهد سيدنا عثمان بن عفان هو قيس بن سعد بن عبادة، فعزله الإمام علي وولى مكانه محمد بن أبي بكر الصديق وذلك في مثل هذا اليوم 10 من شهر رجب سنة 37 هجريًا، إلا أنه قتل على يد معاوية بن خديج. ولد محمد بن أبي بكر الصديق في السنة العاشر للهجرة وقت الإحرام في حجة الوداع، وتوفى أبوه أبو بكر الصديق وهو لا يزال طفلًا صغيرًا، وبعد وفاة أبيه تزوج الإمام علي بن أبي طالب من أمه أسماء بنت عميس ليتربى في بيت وكنف الإمام علي ويظل من أنصاره، وتزوج شقيقة زوجة الإمام الحسين، وهما بنات ملك الفرس في عهد عمر بن الخطاب. شهد محمد بن أبي بكر الصديق فتح مصر، وهو ما ذكرته كتب التاريخ الإسلامي، فقد توجه إلى مصر سنة 31 ه ، للقتال ضمن جيش عبد الله بن سعد بن أبي السرح الذي حارب أهل النوبة وهم من يعرفون ب (الأساود) وقد كان يري أن عبد الله بن سعد بن أبي السرح ليس أهلا لولاية مصر لأنه ارتد زمن الرسول صلى الله وعليه وآله وسلم، ثم رجع وحسن إسلامه بعد أن شفع له عثمان عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لذلك يمكن أن نقول أن موقف محمد بن أبي بكر تجاه ولاية عبد الله بن سعد بن أبي السرح على مصر زمن عثمان بن عفان يحتمل أن تكون دوافعه الحرص على الأمة كما كان موقف والده الصديق رضي الله عنه من تولية من تاب من المرتدين شؤون الدولة، أي أن رأيه كان إمتدادا لرأي والده الصديق رضي االله عنه. وفي زمن الفتنة التي استشهد فيها سيدنا عثمان بن عفان، كان محمد بن أبي بكر من بن من حاصروا سيدنا عثمان، إلا أنه رجع عن ذلك بعد أن عاتبه عثمان، ورغم أن البعض اتهمه أنه قد شارك في مقتل عثمان بن عفان، بعد أن تسور بيته، إلا أن هناك الكثير من الروايات التي تؤكد براءته من ذلك، ومنها ما ورد عن كنانة مولى صفية بنت حيي بن أخطب رضي االله عنها قال: "شهدت مقتل عثمان، فأخرج من الدار أمامي أربعة من شبان قريش ملطخين بالدم محمولين، كانوا يدرءون عن عثمان رضي الله عنه: الحسن بن علي، وعبد االله بن الزبير، ومحمد بن حاطب، ومروان بن الحكم"، وقال محمد بن طلحة: فقلت له: هل ندى محمد بن أبي بكر بشيء من دمه؟ قال : معاذ االله! دخل عليه، فقال له عثمان: يا بن أخي، لست بصاحبي. وكلمه بكلام، فخرج ولم يند بشيء من دمه، قال: فقلت لكنانة: من قتله؟ قال: قتله رجل من أهل مصر، يقال له جبلة بن الأيهم. ثم طاف بالمدينة ثلاثا يقول : أنا قاتل نعثل". وفي نفس هذا المعنى أورد ا بن خياط في تاريخه، وابن عبدالبر، وغيرهما. أرسل الإمام علي بن أبي طالب محمد بن أبي بكر إلى مصر لكي يأخذ الولاية من عمر بن العاص الذي كان من أنصار معاوية بن أبي سفيان، فثار أهل مصر بتحريض من عمر بن العاص على محمد بن أبي بكر وانفضت قواته من حوله وتركوه حتى قتله معاوية بن خديج بأمر من معاوية بن أبي سفيان. وهنا قرر الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أن يرسل الأشتر النخعي إلى مصر لحسم الصراع الدائر هناك وتسلم زمام القيادة بعد مقتل محمد بن أبي بكر. واتفق ابن كثير والطبري أن محمد بن أبي بكر تطاول على معاوية بن خديج، وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وهو ما أثار غضب معاوية بن خديج فقتله ثم وضعه في جثة حمار وأحرقه بالنار. وعن ذلك يقول ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية": "لما بلغ ذلك عائشة بنت أبي بكر زوجة النبي، جزعت عليه جزعا شديدا وضمت عياله إليها، وكان فيهم ابنه القاسم، وجعلت تدعو على معاوية وعمرو بن العاص دبر الصلوات، بينما قال ابن الأثير: "انهزم محمد ودخل خربة، فأخرج منها وقت، وأحرق في جوف حمارًا ميت، قيل قتله معاوية بن حديج السكوني، وقيل قتله عمرو بن العاص صبرا"، ولما بلغ عائشة قتله اشتد عليها، وقالت: كنت أعده ولدا وأخا، ومذ أحرق لم تأكل عائشة لحما مشويا".