نصل في رواية إبراهيم عيسي إلى بدء استحكام الأزمة فيذهب على بن أبي طالب إلى عثمان بن عفان ويطلب منه أن يذهب للناس في المسجد يخطب فيهم ويعدهم ألا يعود لما يكرهونه فيه وقال فيهم :والله ماعاب من عاب منكم شيئا على أجهله ولقد ضل على رشدي ومن زل فليتب ومن أخطأ فليتب ولايتمادي في الهلكة أستغفر الله مما فعلت ...إلى آخر خطبته وطلب أن يمهلوه ثلاثة أيام فيغير من نهجه وولاته على الأمصار وهلل الناس بشرا كما تنصحه زوجته نائلة ألا يستمع لنصائح مروان فهي التي عقدت الموقف ثم يأتي مروان مجددا ويعاود نصح عثمان بألا يبدو ضعيفا فقد كان ابن الخطاب أشد منه ولم يتمرد عليه أحد ذهب إليه ولم يكن مروان هناك فلما عاد ظل يكيل له النصائح السيئة التي دفعت عثمان للنكوص عن وعوده للناس ثم نصل لاندفاع العشرات كالطوفان تجاه بيت عثمان ومنهم الشاب عبيد زوج المرأة حبي واقتحم على بن أبي طالب الجموع ونادي على عثمان ففتح له الباب وعلي أثره عبدالرحمن بن عديس ومحمد بن أبي بكر ومحمد بن مسلمة والزبير وطلحة وعمرو بن الحمق وحال ابن عديس ومحمد بن أبي بكر دون تدفق الجموع إلى باحة البيت وكان مع عثمان مروان وسعد بن العاص وقليل من بني أمية وبدأ على ومعه عبدالرحمن بن عديس يعددان مثالب عثمان عليه وكرر ابن عديس مطالب الرعية في إقالة ابن ابي سرح والي مصر ومروان وأن يقيل ولاته من ذريته من بني معيط كما لام عثمان على تسويفه ومماطلته رغم ماقطعه من وعد بالاستجابة لمطالب الرعية كما عيروه بعدم مشاركته في غزوة أحد فقال عثمان أن ابن الخطاب فعل مثله بعدما أشاعت قريش أن النبي قد مات وأن أحدا لم يعير بن الخطاب على هذا وسامحهما النبي فقال له عمرو بن الحمق أنت أحرقت القرآن فرد عثمان: وإنما وحدت القرآن مع اختلافات قرائه وزعم كل منهم أن قراءته هي الصحيحة وفي النهاية أقررت القرآن الذي قرئ على النبي وأقره فقال ابن عديس نفيت خيارنا وضربت أطيبنا ووليت سفهاء أهل بيتك فقال كان عمر بن الخطاب يضرب بدرته ويؤدب بعصاه أمراء ودهماء وكان الكل يتقبل صاغراكما نفي عثمان أنه بعث برسالة لابن أبي سرح يتخلص من خصومه في مصر وعرف أنه من تدبير مروان رجله الأول فطلبوا تسليمه لهم فرفض وأصر الحاضرون مع على أن يخلعوا عثمان من الخلافة فقال لهم والله لا أخلع قميصا ألبسنيه الله فصرخ فيه ابن الحمق بل نمزقه على جسدك وترك على بن أبي طالب المكان وفي إثره الزبير وطلحة وغادر عمرو ابن الحمق وعبدالرحمن بن ملجم وظل محمد بن أبي بكر على باب عثمان يقود الحصار فيما رفض البقاء معه مالك الأشتر وبقي زوج حبي عبيد الليثي وعبدالله بن الزبير وطلحة مع ابن أبي بكر وقد عاين مالك الأشتر قيام من جاءوا من مصر بسد كل الطرق المؤدية لدار عثمان بل ومنع المحاصرون عثمان من الخروج حين كان يهم بإمامتهم في الصلاة ،ثم يعود ابن أبي سرح إلى مصر تاركا وراءه عثمان في مواجهة محمد بن أبي بكر وعمرو بن الحمق ومحمد بن أبي حذيفة وعبدالرحمن بن عديس وطلحة رفيق تجارة عثمان والذي أسلم بين يدي النبي في نفس لحظة إسلام عثمان وكنانة وسودان وجبلة ومعظمهم كانوا في جيش عمرو بن العاص الذي أوغر صدره إقالته من ولاية مصر وفي طرقه إلى مصر أيقظه رجاله على كارثة إذا داهمته فرقة من رجال عبدالرحمن بن عديس والمصلون خلف ابن أبي بكر وقالوا له أنهم بايعوا محمد بن أبي حذيفة أميرا على مصر وعليه العودة من حيث أتي وإلا قتلوه وفي المدينة طلب عمار بن ياسر إخفاء خبر ابن أبي حذيفة في مصر لمن يحيطون ببيت عثمان دون أن يسعي على بن أبي طالب لردهم وردعهم وقد منع المحاصرون المدد عن بيت عثمان 22 يوما حتي أنه لم يعد فيها ماء ويفاجئ على بن أبي طالب الجموع التي تحاصر بيت عثمان حاملا قربة ماء وهو ينهرالجميع وهو يقول ويحكم ياغلاظ القلوب مارأينا هذا في جاهلية أو إسلام أتمنعون صاحب رسول الله وصهره من شربة الماء؟غير أن الجموع منعته عن الدخول قائلة :«إبتعد يا إمام فلن يدخل أحدا لهذا الرجل وطوحوا بقربة الماء بعيدا وتبرأ على من هؤلاء وألقي بعمامته صائحا :»ياعثمان أنا برئ منهم« ثم زارت أم سلمة زوجة الرسول السيدة عائشة زوجة الرسول أيضا وهي حزينة ومكدودة وهي تقول لعائشة كنا من أعلناها غضبا على عثمان حين تطاول قومه على عمار وأبي ذر وعبدالله بن مسعود وحين كنا نراه يضع غلمان بني معيط من بني عمومته على رقاب المسلمين في الأمصار أليس كذلك فقالت لها عائشة مهدئة من روعها أي نعم فقالت أم سلمة لكننا والله لانسكت على مايحدث لعثمان ولايجب أن نسكت فتنهدت عائشة وقالت إنهم غوغاء المدينة وعصاة مصر فقالت عائشة ماذا تفعل النساء وقد عجز الرجال ؟ وهاهو عثمان بن عفان يطل من نافذته على الجموع التي تحاصره ويخطب فيهم فلا يعيرونه أذانا صاغية فيقول لهم :«حين ضاقت ساحة مسجد رسول الله على مصليه وبتنا نتزاحم في صفوفنا فيه فما كان مني منذ أعوام إلا أن اشتريت البيوت من حوله وتوسعت في ساحته وزدت أرضه ثم أنتم اليوم تمنعوني من الصلاة فيه»... فلم يجيبه أحد فأردف قائلا :«هل تعرفون أننا كنا في عهد رسول الله نشتري الماء من بئر رومة اليهودي وكان يبيعنا الماء بغلاء سعره وبأمره وهواه فعز على فقرائنا ومهاجرينا ثمنه فقال النبي من يشتري بئر رومة ويوسع بها على المسلمين وله بها الجنة ؟فاشتريتها بمالي بعشرين ألف سبيلا لله يشرب منها المسلمون وأنتم تمنعون عني الآن شربة ماء منها !»فلم يجد عثمان قلوبهم إلا صخرا ولم يتأثروا ولم يترفقوا وهاهو عبدالرحمن بن عديس يقول لملك الأشتر :«إذن هو ينتظر أن نقتله»وقد حاصرناه أربعين يوما كما خشي ابن عديس أن يأتي جيش معاوية من الشام ليعين عثمان وجميعمهم قلق عبيد بن الليث الزوج الشاب للمرأة حبي وعمرو بن الحمق ومحمد بن أبي بكر وعبدالرحمن بن عديس ومالك الأشتروطلحة بن الزبير ودخل مالك الأشتر إلى عثمان يقنعه بالتخلي عن الخلافة فأبي عثمان قائلا أن قميص الخلافة ألبسه الله إياه فقال الأشتر بل عبدالرحمن بن عوف فقال عثمان لو كان ألبسه ابن عوف لصاحبكم على أكنتم تخلعونه عنه فقال الأشتر إحقن دمهم ودمك ياعثمان فمعاوية بن أبي سفيان لن يأتي ولن يحرك بغلة لنجدتك وأبي عثمان :«والله لو صلبوني ما أخلع نفسي يا أشتر» وأطل عثمان من نافذته ونادي على الزبير بن العوام من بين الجموع فجاءه فألقي عثمان عليه لفافة وقال له هذه وصيتي لتحملها إلى أبيك وقل له احفظ عثمان في أهله، ثم تهافت سودان على الجمع صائحا في وجه ابن عديس يولومه فإن جيش معاوية على مشارف المدينة وأكد الأمر أيضا جبلة :«بل وصل جيش الشام ليحمي هذا الكافر منا»وهاهو عمرو بن الحمق يسحب سيفه من غمده صارخا في ابن عديس :«أنا ذاهب لعثمان لأقتله»وأيد سودان رأي ابن الحمق وكان هناك فريق من الفيوم وآخرمن بلبيس والصعيد معهم في المسجد فصاح عمرو بن الحمق وأنتم يا أهل الفسطاط هيا بنا إلى عثمان وهبوا مسرعين إلى عثمان قبل مجئ جيش الشام جيش معاوية وأخذ جمع الغاضبين يقذف بيت عثمان بالحجارة ويتحدي مروان حارس عثمان من يريدون اقتحام البيت ويتصدي له عبدالرحمن بن عديس أن يتنحي فرفض فدفع ابن عديس بالفتي ابن عروة الذي بارز مروان وقتله وبدأ المحاصرون يدهسون في لحوم وعظام المدافعين عن عثمان المتمترسين عند باب الدار وارتفع صوت ابن عديس محذرا إياهم وأبناء على والزبير وطلحة وكان ابن ملجم يتابع المشهد وهاهو عثمان منكب على مصحفه يتلو القرآن بصوت خفيض ومطمئن وكأنه لايسمع صليل السيوف خارج داره ولا شررالشر المتطاير من قلوب المتربصين به وسييفتكون به وصرف زوجته وطفلته مريم عنه وقال لنائلة أنه رأي في غفوته أنه سيفطر مع رسول الله وهو في الدار الآخرة وقد تملكه اليقين من أن محاصريه سيقتلونه ووصل محمد بن أبي بكر إلى غرفة عثمان بعد اقتحام داره فوجد عثمان وحيدا وتبع محمد بن أبي بكر كنانة وجبلة وسودان ويقفز كنانة ورفاقه السور إلى دار عثمان ويصل ابن أبي بكر الصديق إلى عثمان ويستفزه عدم اكتراث عثمان حيث ظل يتلو القرآن فأطاح ابن أبي بكر بعمامة عثمان وقبض على لحيته ليجبره على النظر إلى وجهه وقال له هل نفعك اليوم مروان ومعاوية وابن عامر وقد أردت الحياة فجئتك بالآخرة فقال عثمان ياقلبي على أبي بكر حين يعرف ماذا فعل ابنه في أخيه!فإذا بابن أبي بكر يخرج مسرعا بعدما هم بقتل عثمان حين استعاد شريط الذكريات معه منذ كان طفلا في حجر أبيه فيدخل كنانة لغرفة عثمان وركل المسند الخشبي للمصحف فألقاه بعيدا وظل يضرب كتف عثمان بالخنجرثم ترقوته ثم عنقه فينكفئ عثمان على جنبه ووصل جبلة حيث عثمان وكنانة ولم يوقن أن عثمان قد مات فطعنه بالرمح في صدره وخرج كنانة في الجموع صائحا قتلنا الكافر فيما وقف سودان على جثة عثمان وهو يقول والله لأقطعن عنقك ياكافر وحاولت ناءلة زوجة عثمان أن تحول دون عنق عثمان من سيف سودان فإذا بأصابعها تتطاير أمامها ثم ينجح العبدنجيح في قتل سودان وجاء جبلة فخلع عن عثمان قميصه ويقتله العبدالآخر صبيح الذي يموت أيضا ثم برك عمرو بن الحمق على فخذي عثمان وثبت ركبتيه على الأرض وأمسك سيفه بقبضتيه وهوي على صدر عثمان وبطنه يطعنه تسع طعنات وتدفق كل خصوم عثمان والذين حاصروه أكثر من أربعين يوما وهم يرددون الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا نصر عبده وأعز جنده ووقف ابن عديس عند باب عثمان يشهد الجثث المسجاه هنا وهناك ويعبرها بخطواته حتي وصل لجثمان عثمان وقال :«ليس أسوأ مما فعلت لنا في حياتك ياعثمان إلا مافعلته لنا بموتك ودخل في أثره محمد بن أبي بكر وابن ملجم وفر كل من ينتمون لبني أمية من دورهم التي صارت مستهدفة ويتوقف عيسي مجددا ومليا عند المرأة (حبي) التي تعلم نساء المدينة فن الهوي وكانت ممن علمتهن زوجةعثمان (نائلة )وتكررحضورهاكزخرف ومنشط روائي داعم للهدف الروائي الرئيسي بالتماس غيرأن زوجها الشاب عبيد الليثي الذي يصغرها ورغم خبرتها الجنسية في المضاجعة يتركها لأنه سيشد الرحال إلى مصر مع محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر الصديق وهاهي المرأة حبي بعد عودته إلى المدينة تفشل في أن تحول دون مشاركته الآخرين الغاضبين على عثمان وخروجه إليهم كما أنها تلعب دورا مهما في نهاية الرواية في إنقاذ نائلة وبناتها وغسل ودفن عثمان فكانت هي بطلة المشاهد والوقائع الأخيرة في الرواية حيث جهدت في دفع الناس ليدفنوه حتي قام بالمهة حكيم بن حزام صاحب المائة عام ومعه شبيه عثمان نعثل اليهودي والذي كان أعداء عثمان يشتمونه به فينادونه يانعثل فقد كانا متشابهان إلى حد كبير وكان يعاونهما في المهمة مطعم بن جبير ،سامح الله ابراهيم عيسي فقد شق علينا بروايته هذه وأغرانا بإعادة قراءة تاريخنا المسكوت عنه والموثوق فيه مرة أخرى حتي لاتظل عقولنا علب وقلوبنا غلف وخائفة ومرتجفة تنأي عن المكاشفة والمواجهة