هناك اتهام تاريخى لمصر بأنها «دار ثورة»، وأن فكرة قتل عثمان بن عفان نشأت فيها، تزعمها ونفذها مقاتلون خرجوا من الفسطاط فى مسيرة نحو المدينةالمنورة لرفع شكوى إلى الخليفة، ومن الخليفة أيضا، لكن مجرى الأحداث يوضح أن المسيرة لم تكن «مسيرة شكوى»، ولم تكن وحدها، فقد خرجت مسيرتان غيرها من الكوفة والبصرة، بنوع من التزامن والتنسيق يشير إلى وجود تخطيط سياسى وحركة تنظيمية مدبرة بكفاءة، وتشكيلات ذات طابع حربى، وارتباطات بقيادة مركزية فى عاصمة الخلافة. وقد ربط المؤرخون بين مسيرتى العراق والصحابيين طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، أما ثوار مصر فكانوا يميلون فى الظاهر إلى الإمام على بن أبى طالب، لكن الروايات التاريخية الموثوقة لم تتضمن إشارات صريحة عن وجود ترتيب بين الإمام وقتلة ذى النورين، بينما أشارت روايات متباينة إلى وجود دور كبير لمحمد بن أبى بكر الذى تربى فى حجر الإمام، والذى رشحه فى ما بعد لولاية مصر. وأشارت أخرى إلى دور خطير لعمرو بن العاص بعد أن عزله عثمان عن ولاية مصر فعاد إلى المدينةالمنورة وبدأ يؤلب الناس على الخليفة، وربطت روايات أخرى بين دور ابن العاص ومخطط استراتيجى كان ينفذه والى الشام معاوية بن أبى سفيان، واتفقت الروايات التاريخية على اختلاف أغراض الثوار، لكن الهدف الوحيد الذى كان يجمعهم هو خلع الخليفة، ويقول ابن سعد فى الطبقات: «ولما امتنع عثمان عن خلع نفسه قائلًا: (والله لا أخلع ثوبا كسانيه الله تعالى) قتله أهل مصر وعلى رأسهم عبد الرحمن بن عديس البلوى، والغافقى بن حرب العكى، وعمرو الخزاعى، وكنانة التجيبى، وسودان بن حمران السكونى، وقتيرة السكونى، وشاركتهم جماعة من أهل البصرة، وجماعة من أهل الكوفة»، وفى كتابها إلى معاوية مرفقًا ب«قميص عثمان» الملطخ بالدم حددت نائلة بنت الفرافصة زوجة الخليفة «أهل مصر» كقتلة للخليفة بعد أن أسندوا أمرهم إلى محمد بن أبى بكر وعمار بن ياسر وطلحة والزبير، ولكن اتهام «أهل مصر» فى هذه الفتنة خطأ مردود عليه بسهولة لأن أسماءهم تكشف أنهم ليسوا مصريين، بل من قبائل يمنية وعراقية دخلوا مصر محاربين فى جيش عمرو بن العاص، وهو ما أكدته روايات تاريخية موثوقة، منها ما رواه الطبرى من أن الفاروق عمر لما استعرض الجيش استعدادًا لفتح مصر سنة 14ه مرت أمامه قبائل السكون اليمنية، فإذا فيهم فتية دلم سباط، فأعرض عنهم، وقال: ما مر بى قوم من العرب أكره إلىّ منهم، ومن بينهم: سودان بن حمران وخالد بن ملحم، وهما من قتلة عثمان، كذلك كان الغافقى بن حرب قائد المسيرة من وجوه القبائل اليمنية، وهو الذى كان يؤم الصلاة طوال حصار عثمان، وبعد مقتله صار أميرًا للمدينة خمسة أيام، لكن كيف حدث هذا فى عاصمة الدولة الفتية؟ أين الصحابة؟ ولماذا لم يأمر الخليفة بقتال الخارجين عليه؟ ولماذا تخاذل ولاة الأمصار وقادة الجيوش؟ أجمعت المصادر على أن عثمان رفض قتال الخارجين عليه حتى لا يهدر دم المسلمين، وفيما عدا الإمام على الذى كلف ولديه الحسن والحسين رضوان الله عليهما بحراسة بيت الخليفة، ظل موقف بقية الصحابة محل أخذ ورد فى كتب التاريخ، لكن الاتجاه الأغلب كان يعبر عن عدم رضا تجاه حكم عثمان، وتشير الأحداث إلى اتفاق عام، أضمره البعض وأعلنه آخرون، على خلع الخليفة، حتى معاوية لم يتحرك لحماية كبير آل أمية، وغادر عمرو بن العاص المدينة بجيشه إلى القدس، وذكر الطبرى أن الصحابى المبشر بالجنة طلحة بن عبيد الله حرض ابن عديس وأصحابه على تشديد الحصار، وحسب ابن سيرين: «لم يكن من أصحاب النبى من هو أشد على عثمان من طلحة»، وبينما نفى ابن كثير مشاركة الصحابى محمد بن أبى بكر الصديق فى قتل عثمان، وقال إنه اقتحم بيته وأمسكه من لحيته، لكنه استحى وانصرف بعد أن قال له الخليفة: إنك تجذب لحية كان أبوك يكرمها، أكدت مصادر أخرى أنه وجه أول ضربة توالت بعدها ضربات القتلة. والمأساة مستمرة