لم يشعر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أي وقت من الأوقات بالود تجاه الأممالمتحدة، ووصفها بأنها "ناد يتجمع فيه الناس لتبادل الأحاديث وتمضية وقت طيب"، وقال إن إنفاق هذه المنظمة الدولية "خرج عن السيطرة". غير أن السؤال يدور حول نوع العلاقة بين الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة، في الوقت الذي يستعد فيه ترامب لثاني ظهور رئاسي له والتحدث أمام الجمعية العامة الأسبوع الحالي. وشكت الولاياتالمتحدة مرارا من أنها تسدد ما نسبته 22% من الميزانية الاعتيادية للأمم المتحدة، وتحدد نسبة مساهمة الدول في هذه الميزانية بناء على حجم اقتصاد كل دولة عضو فيها. وأثار ترامب المخاوف من قيامه باستقطاع مليار دولار العام الماضي، من المساهمة المالية الأمريكية في ميزانية عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. ويثني الكثيرون على سفيرة الولاياتالمتحدة لدى الأممالمتحدة نيكي هالي ، باعتبارها مسؤولة عن تخفيف حدة خططه لإحداث استقطاعات مالية شديدة الوطأة وذات تأثير هائل . وبالإضافة إلى ذلك أعلن أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة عن خطة لإعادة تنظيم إدارة حفظ السلام بالمنظمة الدولية، كما أعلن في تموز/يوليو الماضي خططا لتطوير هيكل الإدارة بالمنظمة، وهي خطط تبدو أنها حيدت ترامب. وقال ريتشارد جوان وهو باحث بارز بجامعة الأممالمتحدة للدراسات الأكاديمية والبحوث، وعمل أيضا بجامعتي نيويورك وكولومبيا "أعتقد أن هالي وجوتيريش سيتمكنان من إخبار ترامب ، مع طرح كثير من التحذيرات وحلول الوسط، بأنهما قاما بدفع عجلة اصلاحات لتطوير المنظمة الدولية مثلما تم التعهد به عندما شارك ترامب العام الماضي في اجتماعات الجمعية العامة". وأضاف جوان في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.ا) إنه "يتشكك في أن يكون لدى ترامب أية فكرة حول تفاصيل هذه الاصلاحات، غير أنه يمكنه أن يعد ذلك انتصارا لموقفه". ونجح جويتريش في تطوير علاقة مع ترامب، وبعد لقاء بينه وبين الرئيس الأمريكي بالبيت الأبيض في أيار/مايو الماضي، وضع ترامب صورة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي تويتر وهو يرفع إصبعه علامة الإشادة وبجواره كل من جوتيريش وهالي ، قائلا إن الأمين العام للأمم المتحدة "يعمل بجد لجعل الأممالمتحدة عظيمة مرة أخرى". وتم تحقيق نجاحات ملموسة، حيث يشير بيتر يو مدير "حملة عالم أفضل" - وهي منظمة مستقلة تمارس ضغوطا من أجل التعاون بين الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة – إلى أن فريق هالي حقق نجاحات في التفاوض في الأممالمتحدة حول قضايا من بينها العقوبات على كوريا الشمالية. وعلى الرغم من أن ترامب رفع عيناه عن الأممالمتحدة وميزانيتها في المجمل، فإنه لا تزال هناك وكالات معينة عديدة تابعة للأمم المتحدة وكذلك اتفاقيات قد تتعرض لضربات لأنها لا تتماشى مع اتجاهات البيت الأبيض. وبالنسبة للهجرة لا ترغب واشنطن في التوقيع على "الميثاق العالمي للهجرة" الذي توصلت إليه الدول الأعضاء في الأممالمتحدة في تموز/يوليو الماضي، كأول منهاج دولي مشترك حول هذه القضية. وأثار ترامب جدلا بسبب انسحابه من اتفاقية باريس حول المناخ، والتي تم التفاوض بشأنها تحت رعاية الأممالمتحدة، وأيضا من الاتفاق النووي الإيراني الذي تم إقراره بقرار من مجلس الأمن الدولي. كما أن الولاياتالمتحدة لم تتوقف عن انتقادها الأكثر إثارة للجدل للأمم المتحدة، وهو أنها منحازة ضد إسرائيل. وكان هذا الانتقاد بالانحياز ضد إسرائيل هو المبرر الذي قدمته واشنطن للانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وكذلك منظمة اليونسكو. وأحيانا يكون هذا الانسحاب متعلقا بالأموال ولكنه ليس متعلقا بتمويل الأممالمتحدة، حيث أوضحت إدارة الرئيس ترامب أنها تتوقع حصولها على عائد من استثماراتها في المنظمة الدولية، وهي نقطة عبرت واشنطن عنها بقوة عندما كانت الدول التي تدعمها واشنطن تصوت في المنظمة الدولية على قرارات لا ترغب فيها الولاياتالمتحدة. وعلى سبيل المثال عندما قررت الولاياتالمتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل صوتت الجمعية العامة ، البالغ عدد أعضائها 193 دولة ، بأغلبية كاسحة على قرار بانتقاد هذه الخطوة. وهدد ترامب بقطع الدعم المالي عن الدول التي تصوت في الأممالمتحدة ضد رغبات الولاياتالمتحدة، بينما شكت هالي من أن الولاياتالمتحدة "يطلب منها أن تدفع أموالا مقابل عدم حصولها على الاحترام". وفي هذا الصدد قال يو "إن منطق إننا ندفع فواتير الأممالمتحدة ليس مفيدا". بينما قال جوان إن "الأمر يبدو على الدوام كما لو كان نهاية العالم"، عندما تختلف الولاياتالمتحدة مع الأممالمتحدة، غير أن هذه ليست هي المرة الأولى. وكادت الولاياتالمتحدة تفقد حقها في التصويت داخل الجمعية العامة في ظل رئاسة بيل كلينتون بسبب عدم دفع حصتها المالية. وأضاف جوان إن المناخ الدبلوماسي الذي كان يحيط بالعراق عام 2003 كان "مروعا للغاية". غير أن تمرد الولاياتالمتحدة على الأممالمتحدة ليس غريبا، ولكن ما يراه جوان أن "الأمر غير المعتاد والمثير للقلق" الآن، هو أن سلوك واشنطن تجاه الأممالمتحدة مقترن بسلوك ترامب بعيد الأثر تجاه تعدد الأطراف الدولية. فقد وجه ترامب انتقادا لحلف شمال الأطلسي ناتو مرارا، كما قال الرئيس الأمريكي الشهر الماضي إنه يدرس الانسحاب من منظمة التجارة العالمية "إذا كانت لا تناسبنا". وقالت هالي قبل إلقاء ترامب لخطابه الثانى فى الأممالمتحدة إنه سوف يتحدث عن" نجاحات السياسة الخارجية" التى حققتها الولاياتالمتحدة خلال العام الماضى. و أضافت أن الحديث عن السيادة، والسخاء، وبناء العلاقات مع الدول التى تشارك الولاياتالمتحدة فى مصالحها سيكون ضمن جوهر رسالته. وكان جوتيريش قد صرح في مقابلة أجرته معه مؤخرا مجلة أتلانتك الأمريكية بأن الولاياتالمتحدة تفقد "قوتها الناعمة" نتيجة تراجعها عن دورها القيادي، وهذه الخطوة يمكن أن تكون خطيرة حيث "لا توجد طريقة لحل معظم المشكلات في العالم بدون" الولاياتالمتحدة. ويتفق معه في الرأي الرئيس المنتهية ولايته للجمعية العامة التي تعد بمثابة برلمان الأممالمتحدة، حيث قال إن ثمة تحولا يحدث لعالم تهيمن عليه قوة واحدة . وأضاف ميروسلاف لاجاك ،بدون ذكر اسم الولاياتالمتحدة صراحة ، إن هذا التحول يحدث بشكل جامح، وهناك انتهاكات للاتفاقيات والمعايير والقواعد الدولية، "وعدم توقيع عقوبات على هذه الانتهاكات وبدون رد فعل مناسب عليها، يمكن أن يشجع آخرين على أن ينتهجوا نفس السلوك". وتابع قائلا "يجب علينا حقيقة أن نرفع أصواتنا للمطالبة بأن يحترم كل شخص القواعد، وليس المهم حجم الدولة، وإلا وجدنا أنفسنا وسط عالم لا نحبه".